النتائج 1 إلى 12 من 14

الموضوع: الحكاية الأولى من حكايات السندباد البحري

العرض المتطور

المشاركة السابقة المشاركة السابقة   المشاركة التالية المشاركة التالية
  1. #1 الحكاية الأولى من حكايات السندباد البحري 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية السندباد
    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    48
    معدل تقييم المستوى
    0
    الحكاية الأولى من حكايات السندباد البحري

    الحكاية الأولى من حكايات السندباد البحري، وهي أول السفرات: اعلموا يا سادة يا كرام أنه كان لي أب تاجر، وكان من أكابر الناس والتجار، وكان عنده مال كثير ونوال جزيل، وقد مات وأنا ولد صغير، وخلف لي مالاً، وعقاراً، وضياعا، فلما كبرت وضعت يدي على الجميع وقد أكلت أكلاً مليحاً وشربت شرباً مليحاً، وعاشرت الشباب، وتجملت بلبس الثياب، ومشيت مع الخلان والأصحاب، واعتقدت أن ذلك يدوم لي وينفعني، ولم أزل على هذه الحالة مدة من الزمان، ثم إني رجعت إلى عقلي، وأفقت من غفلتي، فوجدت مالي قد مال، وحالي قد حال، وقد ذهب جميع ما كان عندي، ولم أستفق لنفسي إلا وأنا مرعوب مدهوش، وقد تفكرت حكاية كنت أسمعها سابقا،ً وهي حكاية سيدنا سليمان بن داود عليه السلام في قوله: ثلاثة خير من ثلاثة: يوم الممات خير من يوم الولادة، وكلب حي خير من سبع ميت، والقبر خير من القصر.
    ثم إني قمت وجمع ما كان عندي من أثاث وملبوس وبعته، ثم بعت عقاري وجميع ما تملك يدي، فجمعت ثلاثة آلاف درهم، وقد خطر ببالي السفر إلى بلاد الناس، وتذكرت كلام بعض الشعراء حيث قال:

    بقدر الكد تكتسب المعـالي**ومن طلب العلا سهر الليالي يغـوص

    البحر من طلب الــلآلئ**ويحظى بالسيادة والنــــــوال

    ومن طلب العلا من غير كد** أضاع العمر في طلب المــحــال
    فعند ذلك هممت، فقمت واشتريت لي بضاعة ومتاعاً وأسباباً وشيئاً من أغراض السفر، وقد سمحت لي نفسي بالسفر في البحر فنزلت المركب، وانحدرت إلى مدينة البصرة مع جماعة من التجار، وسرنا في البحر أياماً وليالي، وقد مررنا بجزيرة بعد جزيرة، ومن بحر إلى بحر، ومن بر إلى بر، وفي كل مكان مررنا به نبيع ونشتري ونقايض بالبضائع فيه، وقد انطلقنا في سير البحر إلى أن وصلنا إلى جزيرة كأنها روضة من رياض الجنة، فأرسى بنا صاحب المركب على تلك الجزيرة، ورمى مراسيها وشد السقالة، فنزل جميع من كان في المركب في تلك الجزيرة، وعملوا لهم كوانين وأوقدوا فيها النار، واختلفت أشغالهم، فمنهم من صار يطبخ، ومنهم من صار يغسل، ومنهم من صار يتفرج، وكنت أنا من جملة المتفرجين في جوانب الجزيرة.

    وقد اجتمع الركاب على أكل وشرب ولهو ولعب، فبينما نحن على تلك الحالة، وإذا بصاحب المركب واقف على جانبه وصاح بأعلى صوته: يا ركاب السلامة أسرعوا واطلعوا إلى المركب، وبادروا إلى الطلوع واتركوا أسبابكم، واهربوا بأرواحكم، وفوزوا بسلامة أنفسكم من الهلاك، فإن هذه الجزيرة التي أنتم عليها ما هي جزيرة، وإنما هي سمكة كبيرة رست في وسط البحر، فبنى عليها الرمل، فصارت مثل الجزيرة، وقد نبتت عليها الأشجار من قديم الزمان، فلما وقدتم عليها النار أحست بالسخونة فتحركت، وفي هذا الوقت تنزل بكم في البحر، فتغرقون جميعاً، فاطلبوا النجاة لأنفسكم قبل الهلاك. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

    (السندباد)
    رد مع اقتباس  
     

  2. #2 رد : الحكاية الأولى من حكايات السندباد البحري 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية السندباد
    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    48
    معدل تقييم المستوى
    0
    الحكاية الأولى من حكايات السندباد البحري
    2

    قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن ريس المركب لما صاح على الركاب وقال لهم: اطلبوا النجاة لأنفسكم واتركوا الأسباب ولما سمع الركاب كلام ذلك الريس أسرعوا وبادروا بالطلوع إلى المركب وتركوا الأسباب، وحوائجهم ودسوتهم، وكوانينهم، فمنهم من لحق المركب ومنهم من لم يلحقه، وقد تحركت تلك الجزيرة، ونزلت إلى قرار البحر بجميع ما كان عليها، وانطبق عليها البحر العجاج المتلاطم بالأمواج، وكنت من جملة من تخلف في الجزيرة، فغرقت في البحر مع جملة من غرق، ولكن الله تعالى أنقذني ونجاني من الغرق، ورزقني بقطعة خشب كبيرة من القطع التي كانوا يغسلون فيها، فمسكتها بيدي، وركبتها من حلاوة الروح، ورفست في الماء برجلي مثل المجاذيف، والأمواج تلعب بي يميناً وشمالاً.

    وقد نشر الريس قلاع المركب وسافر بالذين طلع بهم في المركب، ولم يلتفت لمن غرق منهم، ومازلت أنظر إلى ذلك المركب حتى خفي عن عيني، وأيقنت بالهلاك، ودخل علي الليل وأنا على هذه الحالة، فمكثت على ما أنا فيه يوماً وليلة، وقد ساعدني الريح والأمواج إلى أن رست بي تحت جزيرة عالية، وفيها أشجار مطلة على البحر، فمسكت فرعاً من شجرة عالية، وتعلقت به بعدما أشرفت على الهلاك، وتمسكت به إلى أن طلعت إلى الجزيرة، فوجدت في رجلي خدلاً وأثر أكل السمك في بطونهما، ولم أشعر بذلك من شدة ما كنت فيه من الكرب والتعب، وقد ارتميت في الجزيرة وأنا مثل الميت، وغبت عن وجودي، وغرقت في دهشتي، ولم أزل على هذه الحالة إلى ثاني يوم، وقد طلعت الشمس علي وانتبهت في الجزيرة، فوجدت رجلي قد ورمتا، فسرت حزيناً على ما أنا فيه، فتارة أزحف وتارة أحبو على ركبي، وكان في الجزيرة فواكه كثيرة وعيون ماء عذب، فصرت آكل من تلك الفواكه، ولم أزل على هذه الحالة مدة أيام وليال، فانتعشت نفسي، وردت لي روحي، وقويت حركتي، وصرت أتفكر وأمشي في جانب الجزيرة وأتفرج بين الأشجار مما خلق الله تعالى.

    وقد عملت لي عكازاً من تلك الأشجار أتوكأ عليه، ولم أزل على هذه الحالة إلى أن تمشيت يوماً من الأيام في جانب الجزيرة، فلاح لي شبح من بعيد، فظننت أنه وحش أو أنه دابة من دواب البحر، فتمشيت إلى نحوه، ولم أزل أتفرج عليه، وإذا هو فرس عظيم المنظر، مربوط في جانب الجزيرة على شاطئ البحر، فدنوت منه، فصرخ علي صرخة عظيمة، فارتعبت منه، وأردت أن أرجع، وإذا برجل خرج من تحت الأرض وصاح علي، واتبعني، وقال لي: من أنت، ومن أين جئت، وما سبب وصولك إلى هذا المكان؟

    فقلت له: يا سيدي اعلم أني رجل غريب، وكنت في مركب، وغرقت أنا وبعض من كان فيها، فرزقني الله بقطعة خشب، فركبتها وعامت بي إلى أن رمتني الأمواج في هذه الجزيرة، فلما سمع كلامي أمسكني من يدي وقال لي: إمش معي، فنزل بي في سرداب تحت الأرض، ودخل بي إلى قاعة كبيرة تحت الأرض، وأجلسني في صدر تلك القاعة، وجاء لي بشيء من الطعام، وأنا كنت جائعا،ً فأكلت حتى شبعت واكتفيت وارتاحت نفسي، ثم إنه سألني عن حالي وما جرى لي، فأخبرته بجميع ما كان من أمري من المبتدأ إلى المنتهى، فتعجب من قصتي.

    فلما فرغت من حكايتي قلت: بالله عليك ياسيدي لا تؤاخذني، فأنا قد أخبرتك بحقيقة حالي وما جرى لي، وأنا أشتهي منك أن تخبرني من أنت، وما سبب جلوسك في هذه القاعة التي تحت؟ فقال لي اعلم أننا جماعة متفرقون في هذه الجزيرة على جوانبها، ونحن سياس الملك المهرجان، وتحت أيدينا جميع خيوله، وفي كل شهر عند القمر نأتي بالخيل الجياد ونربطها في هذه الجزيرة من كل بكر، ونختفي في هذه القاعة تحت الأرض حتى لا يرانا أحد، فيجيء حصان من خيول البحر على رائحة تلك الخيل ويطلع على البر، فلم ير أحدا،ً فيثب عليها ويقضي منها حاجته وينزل عنها، ويريد أخذها معه، فلا تقدر أن تسير معه من الرباط، فيصيح عليها ويضربها برأسه ورجليه ويصيح، فنسمع صوته، فنعلم أنه نزل عنها، فنطلع صارخين عليه، فيخاف وينزل البحر، والفرس تحمل وتلد مهراً أو مهرة تساوي خزنة مال، ولا يوجد لها نظير على وجه الأرض، وهذا وقت طلوع الحصان، وإن شاء الله تعالى آخذك معي إلى الملك المهرجان، وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

    (السندباد)
    رد مع اقتباس  
     

  3. #3 رد : الحكاية الأولى من حكايات السندباد البحري 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية السندباد
    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    48
    معدل تقييم المستوى
    0
    الحكاية الأولى من حكايات السندباد البحري
    3
    قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن السايس قال للسندباد البحري: آخذك معي إلى الملك المهرجان، وأفرجك على بلادنا، واعلم أنه لولا اجتماعك علينا ما كنت ترى أحداً في هذا المكان غيرنا، وكنت تموت كمداً، ولا يدري بك أحد، ولكن أنا أكون سبب حياتك ورجوعك إلى بلادك، فدعوت له، وشكرته على فضله وإحسانه، فبينما نحن في هذا الكلام، وإذا بالحصان قد طلع من البحر وصرخ صرخة عظيمة، ثم وثب على الفرس، فلما فرغ منها نزل عنها وأراد أخذها معه، فلم يقدر ورفست وصاحت عليه، فأخذ الرجل السايس سيفاً بيده ودرقة، وطلع من باب تلك القاعة، وهو يصيح على رفقته ويقول: اطلعوا إلى الحصان ويضرب بالسيف على الدرقة، فجاء جماعة بالرماح صارخين، فجفل منهم الحصان وراح إلى حال سبيله، ونزل في البحر مثل الجاموس، وغاب تحت الماء، فعند ذلك جلس الرجل قليلاً، وإذا هو بأصحابه قد جاؤوه ومع كل واحد فرس يقودها، فنظروني عنده، فسألوني عن أمري، فأخبرتهم بما حكيته له، وقربوا مني ومدوا السماط وأكلوا، وعزموني فأكلت معهم.
    ثم إنهم قاموا وركبوا الخيول وأخذوني إلى مدينة الملك المهرجان، وقد دخلوا عليه وأعلموه بقصتي، فطلبني، فأدخلوني عليه وأوقفوني بين يديه، فسلمت عليه، فرد علي السلام ورحب بي، وحياني بإكرام وسألني عن حالي، فأخبرته بجيع ما حصل لي وبكل ما رأيته من المبتدأ إلى المنتهى، فعند ذلك تعجب مما وقع لي ومما جرى لي، فعند ذلك قال لي: يا ولدي، والله لقد حصل لك مزيد السلامة ولولا طول عمرك ما نجوت من هذه الشدائد، ولكن الحمد لله على السلامة، ثم إنه أحسن إلي وأكرمني، وقربني إليه وصار يؤانسني بالكلام والملاطفة، وجعلني عنده عاملاً في ميناء البحر، وكاتباً على كل مركب عبر إلى البر، وصرت واقفاً عنده لأقضي له مصالحه، وهو يحسن إلي وينفعني من كل جانب، وقد كساني كسوة مليحة فاخرة، وصرت مقدماً عنده في الشفاعات وقضاء مصالح الناس، ولم أزل عنده مدة طويلة.

    وأنا كلما اشق على جانب البحر أسأل التجار، والمسافرين، والبحريين عن ناحية مدينة بغداد، لعل أحداً يخبرني عنها، فأروح معه إليها وأعود إلى بلادي فلم يعرفها أحد ولم يعرف من يروح إليها وقد تحيرت في ذلك وسئمت من طول الغربة ولم أزل على هذه الحالة مدة من الزمان إلى أن جئت يوماً من الأيام، ودخلت على الملك المهرجان، فوجدت عنده جماعة من الهنود، فسلمت عليهم فردوا علي السلام، ورحبوا بي، وقد سألوني عن بلادي، فذكرتها لهم، وسألتهم عن بلادهم فذكروا لي أنهم أجناس مختلفة، فمنهم الشاركية، وهم أشرف أجناسهم لا يظلمون أحداً ولا يقهرونه، ومنهم جماعة تسمى البراهمة، وهم قوم لا يشربون الخمر أبداً، وإنما هم أصحاب حظ وصفاء ولهو وطرب وجمال وخيول ومواشي، وأعلموني أن صنف الهنود يفترق على اثنين وسبعين فرقة، فتعجبت من ذلك غاية العجب.

    ورأيت في مملكة المهرجان جزيرة من جملة الجزائر يقال لها كابل يسمع فيها ضرب الدفوف والطبول طول الليل، وقد أخبرنا أصحاب الجزائر والمسافرين أنهم أصحاب الجد والرأي، ورأيت في البحر سمكة طولها مائتا ذراع، ورأيت أيضاً سمكاً وجهه مثل وجه البوم، ورأيت في تلك السفرة كثيراً من العجائب والغرائب مما لو حكيته لكم لطال شرحه.

    ولم أزل أتفرج على تلك الجزائر، وما فيها إلى أن وقفت يوماً من الأيام على جانب البحر، وفي يدي عكاز حسب عاداتي، وإذا بمركب قد أقبل وفيه تجار كثيرون، فلما وصل إلى ميناء المدينة وفرضته، وطوى الريس قلوعه وأرسله على البر، ومد السقالة واطلع البحرية جميع ما كان في ذلك المركب إلى البر وأبطأوا في تطليعه، وأنا واقف أكتب عليهم، فقلت لصاحب المركب: هل بقي في مركبك شيء، فقال: نعم يا سيدي، معي بضائع في بطن المركب، ولكن صاحبها غرق معنا في البحر في بعض الجزائر، ونحن قادمون في البحر، وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

    (السندباد)
    رد مع اقتباس  
     

  4. #4 رد : الحكاية الأولى من حكايات السندباد البحري 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية السندباد
    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    48
    معدل تقييم المستوى
    0

    نهاية الحكاية الأولى من حكايات السندباد البحري
    قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الريس قال للسندباد البحري أن صاحب هذه البضائع غرق وصارت بضائعه معنا، فغرضنا أننا نبيعها ونأخذ ثمنها لأجل أن نوصله إلى أهله في مدينة بغداد دار السلام، فقلت للريس: ما يكون اسم ذلك الرجل صاحب البضائع؟ فقال اسمه السندباد البحري، وقد غرق معنا في البحر، فلما سمعت كلامه حققت النظر فيه، فعرفته، وصرخت عليه صرخة عظيمة، وقلت: يا ريس، إعلم أني أنا صاحب البضائع التي ذكرتها، وأنا السندباد البحري الذي نزلت من المركب في الجزيرة مع جملة من نزل من التجار، ولما تحركت السمكة التي كنا عليها وصحت أنت علينا طلع من طلع، وغرق الباقي، وكنت أنا من جملة من غرق، ولكن الله تعالى سلمني ونجاني من الغرق بقطعة كبيرة من القطع التي كان الركاب يغسلون فيها، فركبتها وصرت أرفس برجلي، وساعدني الريح والموج إلى أن وصلت إلى هذه الجزيرة، فطلعت فيها، وأعانني الله تعالى بسياس الملك المهرجان، فأخبرته بقصتي، فأنعم علي وجعلني كاتباً على ميناء هذه المدينة، فصرت أنتفع بخدمته، وصار لي عنده قبول، وهذه البضائع التي معك بضائعي ورزقي، قال الريس: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ما بقي لأحد أمانة، ولا ذمة، فقلت له: يا ريس، ما سبب ذلك، وأنك سمعتني أخبرتك بقصتي، فقال الريس: لأنك سمعتني أقول: إن معي بضائع صاحبها غرق، فتريد أن تأخذها بلا حق، وهذا حرام عليك، فإننا رأيناه لما غرق، وكان معه جماعة من الركاب كثيرون وما نجا، فقلت له: يا ريس إسمع قصتي، وافهم كلامي يظهر لك صدقي، فإن الكذب سيمة المنافقين، ثم إني حكيت للريس جميع ما كان مني، من حين خرجت معه من مدينة بغداد إلى أن وصلنا تلك الجزيرة التي غرقنا فيها، وأخبرته ببعض أحوال جرت بيني وبينه، فعند ذلك تحقق الريس والتجار من صدقي، فعرفوني وهنوني بالسلامة وقالوا جميعاً: والله ما كنا نصدق بأنك نجوت من الغرق، ولكن رزقك الله عمراً جديداً، ثم إنهم أعطوني البضائع، فوجدت اسمي مكتوباً عليها، ولم ينقص منها شيء، ففتحتها وأخرجت منها شيئاً نفيساً غالي الثمن، وحملته معي بحرية المركب، وطلعت به إلى الملك على سبيل الهدية، وأعلمت الملك بأن هذا المركب الذي كنت فيه، وأخبرته أن بضائعي وصلت إلي بالتمام والكمال، وأن هذه الهدية منها، فتعجب الملك من ذلك الأمر غاية العجب، وظهر له صدقي في جميع ما قلته، وقد أحبني محبة شديدة، وأكرمني إكراماً زائداً، ووهب لي شيئاً كثيراً في نظير هديتي، ثم بعت حمولتي وما كان معي من البضائع، وكسبت فيها شيئاً كثيراً، واشتريت بضاعة وأسباباً ومتاعاً من تلك المدينة.
    ولما أراد تجار المركب السفر شحنت جميع ما كان معي في المركب، ودخلت عند الملك وشكرته على فضله وإحسانه، ثم استأذنته في السفر إلى بلادي وأهلي، فودعني وأعطاني شيئاً كثيراً عند سفري من متاع تلك المدينة، فودعته ونزلت المركب، وسافرنا بإذن الله تعالى وخدمنا السعد وساعدتنا المقادير، ولم نزل مسافرين ليلاً ونهاراً إلى أن وصلنا بالسلامة إلى مدينة البصرة، وطلعنا إليها وأقمنا فيها زمناً قليلاً، وقد فرحت بسلامتي وعودتي إلى بلادي.

    وبعد ذلك توجهت إلى مدينة بغداد دار السلام، ومعي من الحمول والمتاع والأسباب شيء كثير له قيمة عظيمة، ثم جئت إلى حارتي، ودخلت بيتي، وقد جاء جميع أهلي وأصحابي، ثم إني اشتريت لي خدماً، وحشماً، ومماليك، وسراري، وعبيداً حتى صار عندي شيء كثير، واشتريت لي دوراً وأماكن وعقاراً أكثر من الأول، ثم إني عاشرت الأصحاب، ورافقت الخلان، وصرت أكثر مما كنت عليه في الزمن الأول، ونسيت جميع ما كنت قاسيت من التعب، والغربة، والمشقة، وأهوال السفر، واشتغلت باللذات والمسرات والمآكل الطيبة والمشارب النفيسة، ولم أزل على هذه الحالة، وهذا ما كان في أول سفراتي، وفي غد إن شاء الله تعالى أحكي لكم الثانية من السبع سفرات.

    ثم إن السندباد البحري عشى السندباد البري عنده، وأمر له بمائة مثقال ذهباً، وقال له: آنستنا في هذا النهار، فشكره الحمال، وأخذ معه ما وهبه له، وانصرف إلى حال سبيله، وهو متفكر فيما يقع وما يجري للناس، ويتعجب غاية العجب، ونام تلك الليلة في منزله، ولما أصبح الصباح جاء إلى بيت السندباد البحري، ودخل عنده، فرحب به وأكرمه وأجلسه عنده، ولما حضر بقية أصحابه قدم لهم الطعام والشراب، وقد صفا لهم الوقت وحصل لهم الطرب، فبدأ السندباد البحري بالكلام، وقال: اعلموا يا إخواني أنني كنت في ألذ عيش، وأصفى سرور على ما تقدم ذكره لكم بالأمس، وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.

    (السندباد)
    رد مع اقتباس  
     

  5. #5 رد : الحكاية الأولى من حكايات السندباد البحري 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية السندباد
    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    48
    معدل تقييم المستوى
    0
    الحكاية الثانية من حكايات السندباد البحري

    قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن السندباد البحري لما اجتمع عنده أصحابه قال لهم إني كنت في ألذ عيش إلى أن خطر ببالي يوماً من الأيام السفر إلى بلاد الناس واشتاقت نفسي إلى التجارة والتفرج في البلدان والجزر واكتساب المعاش فهممت في ذلك الأمر وأخرجت من مالي شيئاً كثيراً اشتريت به بضائع وأسباباً تصلح للسفر وحزمتها وجئت إلى الاسحل فوجدت مركباً مليحاً جديداً وله قلع قماش مليح وهو كثير الرجال زائد العدة وأنزلت حمولتي فيه أنا وجماعة من التجار وقد سافرنا في ذلك النهار وطاب لنا السفر ولم نزل من بحر إلى بحر ومن جزيرة إلى جزيرة وكل محل رسونا عليه نقابل التجار وأرباب الدولة والبائعين والمشترين ونبيع ونشتري ونقايض بالبضائع فيه.
    ولم نزل على هذه الحالة إلى أن ألقتنا المقادير على جزيرة كثيرة الأشجار يانعة الأثمار فائحة الأزهار مترنمة الأطيار صافية الأنهار ولكن ليس بها ديار ولا نافخ نار فأرسى بنا الريس على تلك الجزيرة وقد طلع التجار والركاب إلى تلك الجزيرة يتفرجون على ما بها من الأشجار والأطيار ويسبحون الله الواحد القهار ويتعجبون من قدرة الملك الجبار فعند ذلك طلعت إلى الجزيرة مع جملة من طلع وجلست على عين ماء صاف بين الأشجار وكان معي شيء من المأكل فجلست في هذا المكان آكل ما قسم الله تعالى لي وقد طاب النسيم بذلك المكان وصفا لي الوقت فأخذتني سنة من النوم فارتحت في ذلك المكان وقد استغرقت في النوم وتلذذت بذلك النسيم الطيب والروائح الزكية ثم إني قمت فلم أجد أحداً لا من التجار ولا من البحرية فتركوني في الجزيرة وقد التفت فيها يميناً وشمالاً فلم أجد بها أحد غيري فحصل عندي قهر شديد ما عليه من مزيد وكادت مرارتي تنفقع من شدة ما أنا فيه من الغم والحزن والتعب ولم يكن معي شيء من حطام الدنيا ولا من المأكل ولا من المشرب وصرت وحيداً وقد تعبت في نفسي ويئست من الحياة وبعد ذلك قمت على حيلي وتمشيت في الجزيرة يميناً وشمالاً وصرت لا أستطيع الجلوس في محل واحد ثم إني صعدت على شجرة عالية وصرت أنظر من فوقها يميناً وشمالاً فلم أر غير سماء وماء وأشجار وأطيار وجزر ورمال ثم حققت النظر فلاح لي في الجزيرة شيء أبيض عظيم الخلقة فنزلت من فوق الشجرة وقصدته وصرت أمشي إلى ناحيته ولم أزل سائراً إلى أن وصلت غليه وإذا به قبة كبيرة بيضاء شاهقة فيالعلو كبيرة الدائرة فدنوت منها ودرت حولها فلم أجد لها باباً ولم أجد لي قوة ولا حركة في الصعود عليها من شدة النعومة فعلمت مكان وقوفي ودرت حول القبة أقيس دائرتها فإذا هي خمسون خطوة وافية فصرت متفكراً في الحيلة الموصلة إلى دخولها وقد قرب زوال النهار وغروب الشمس وإذا بالشمس قد خفيت والجو قد أظلم واحتجبت الشمس عني ظننت أنه جاء على الشمس غمامة وكان ذلك في زمن الصيف فتعجبت ورفعت رأسي وتأملت في ذلك فرأيت طيراً عظيم الخلقة كبير الجثة عريض الأجنحة طائراً في الجو وهو الذي غطى عين الشمس وحجبها عن الجزيرة فازددت من ذلك عجباً ثم إني تذكرت حكاية، وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
    *********************************************
    قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن السندباد البحري لما زاد تعجبه من الطائر الذي رآه في الجزيرة تذكر حكاية أخبره بها قديماً أهل السياحة والمسافرون وهي أن في بعض الجزائر طيراً عظيماً يقال له الرخ يزق أولاده بالأفيال فتحققت أن القبة التي رأيتها إنما هي بيضة من بيض الرخ ثم إني تعجبت من خلق الله تعالى فبينما أنا على هذه الحالة وإذا بذلك الطير نزل على تلك القبة وحضنها بجناحيه وقد مد رجليه من خلفه على الأرض ونام عليها فسبحان من لا ينام فعند ذلك فككت عمامتي من فوق رأسي وثنيتها وفتلتها حتى صارت مثل الحبل وتحزمت بها وشددت وسطي وربطت نفسي في رجلي ذلك الطير وشددتها شداً وثيقاً وقلت في نفسي لعل هذا يوصلني إلى بلاد المدن والعمار ويكون ذلك أحسن من جلوسي في هذه الجزيرة وبت تلك الليلة ساهراً خوفاً من أن أنام فيطير بي على حين غفلة. فلما طلع الفجر وبان الصباح قام الطائر من على بيضته وصاح صيحة عظيمة وارتفع بي إلى الجو حتى ظننت أنه وصل إلى عنان السماء وبعد ذلك تنازل بي حتى نزل إلى الأرض وحط على مكان مرتفع عال فلما وصلت إلى الأرض أسرعت وفككت الرباط من رجليه وأنا أنتفض مشيت في ذلك المكان ثم إنه أخذ شيئاً من على وجه الأرض في مخالبه وطار إلى عنان السماء فتأملته فإذا هو حية عظيمة الخلقة كبيرة الجسم قد أخذها وذهب بها إلى البحر فتعجبت من ذلك ثم إني تمشيت في ذلك المكان فوجدت نفسي في مكان عال وتحته واد كبير واسع عميق وبجانبه جبل عظيم شاهق في العلو لا يقدر أحد أن يرى أعلاه من فرط علوه وليس لأحد قدرة على الطلوع فوقه فلمت نفسي على ما فعلته وقلت يا ليتني مكثت في الجزيرة فإنها أحسن من هذا المكان القفر لأن الجزيرة كان يوجد فيها شيء آكله من أصناف الفواكه وأشرب من أنهارها وهذا المكان ليس فيه أشجار ولا أثمار ولا أنهار فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أنا كل ما أخلص من مصيبة أقع فيما هو أعظم منها وأشد.
    ثم إني قمت وقويت نفسي ومشيت في ذلك الوادي فرأيت أرضه من حجر الألماس الذي يثقبون به المعادن والجواهر ويثقبون به الصيني والجزع منه شيئاً ولا أن يكسره إلا بحجر الرصاص وكل تلك الوادي حيات وأفاع وكل واحدة مثل النخلة ومن أعظم خلقتها لو جاءها فيل لابتلعته وتلك الحيات يظهرن في الليل ويختفين في النهار خوفاً من طير الرخ والنسر أن يختطفها ويقطعها ولا أدري ما سبب ذلك.
    فأقمت بتلك الوادي وأنا متندم على ما فعلته وقلت في نفسي والله إني قد عجلت بالهلاك على نفسي وقد ولى النهار علي فصرت أمشي في تلك الوادي والتفت على محل أبيت فيه وأنا خائف من تلك الحيات ونسيت أكلي وشربي ومعاشي واشتغلت بنفسي فلاح لي مغارة بالقرب مني فمشيت فوجدت بابها ضيقاً فدخلتها ونظرت إلى حجر كبير عند بابها فدفعته وسددت به باب تلك المغارة وأنا داخلها وقلت في نفسي قد أمنت لما دخلت في هذا المكان وإن طلع النهار اطلع وأنظر ما تفعل القدرة.
    ثم التفت في داخل المغارة فرأيت حية عظيمة نائمة في صدر المغارة على بيضها فاقشعر بدني وأقمت رأسي وسلمت أمري للقضاء والقدر وبت ساهراً طوال الليل إلى أن طلع الفجر ولاح فأزحت الحجر الذي سددت به باب المغارة وخرجت منه وأنا مثل السكران دائخ من شدة السهر والجوع والخوف وتمشيت في الوادي.
    وبينما أنا على هذه الحالة وإذا بذبيحة قد سقطت من قدامي ولم أجد أحداً فتعجبت من ذلك أشد العجب وتفكرت حكاية أسمعها من قديم الزمان من بعض التجار والمسافرين وأهل السياحة أن في جبال حجر الألماس الأهوال العظيمة ولا يقدر أحد أن يسلك إليه ولكن التجار الذين يجلبونه يعملون حيلة في الوصول إليه ويأخذون الشاة من الغنم ويذبحونها ويسلخونها ويرشون لحمها ويرمونه من أعلى ذلك الجبل إلى أرض الوادي فتنزل وهي طرية فيلتصق بها شيء من هذه الحجارة ثم تتركها التجار إلى نصف النهار فتنزل الطيور من النسور والريخ إلى ذلك اللحم وتأخذه في مخالبها وتصعد إلى أعلى الجبل فيأتيها التجار وتصيح عليها وتصير من عند ذلك اللحم وتخلص منه الحجارة اللاصقة به ويتركون اللحم للطيور والوحوش ويحملون الحجارة إلى بلادهم ولا أحد يقدر أن يتوصل إلى مجيء حجر الألماس إلا بهذه الحيلة، وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
    ***************************************
    قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن السندباد البحري صار يحكي لأصحابه جميع ما حصل له في جبل الماس ويخبرهم أن التجار لا يقدرون على مجيء شيء منه إلا بحيلة مثل الذي ذكره ثم قال فلما نظرت إلى تلك الذبيحة تذكرت هذه الحكاية قمت وجئت عند الذبيحة فنقيت من هذه الحجارة شيئاً كثيراً وأدخلته في جيبي وبين ثيابي وصرت أنقي وأدخل في جيوبي وحزامي وعمامتي وبين حوائجي فبينما أنا على هذه الحالة وإذا بذبيحة كبيرة فربطت نفسي عليها ونمت على ظهري وجعلتها على صدري وأنا قابض عليها فصارت عالية على الأرض وإذا بنسر نزل على تلك الذبيحة وقبض عليها بمخالبه وأقلع بها إلى الجو وأنا معلق بها ولم يزل طائراً بها إلى أن صعد بها إلى أعلى الجبل وحطها وأراد أن ينهش منها وإذا بصيحة عظيمة عالية من خلف ذلك النسر وشيء يخبط بالخشب على ذلك الجبل فجفل النسر وطار إلى الجو ففككت نفسي من الذبيحة وقد تلوثت ثيابي من دمها ووقفت بجانبها وإذا بذلك التاجر الذي صاح على النسر تقدم إلى الذبيحة فرآني واقفاً فلم يكلمني وقد فزع مني وارتعب وأتى الذبيحة وقلبها فلم يجد فيها شيئاً فصاح صيحة عظيمة وقال واخيبتاه لا حول ولا قوة إلا بالله نعوذ بالله من الشيطان الرجيم وهو يتندم ويخبط كفاً على كف ويقول واحسرتاه أي شيء هذا الحال.. فتقدمت إليه فقال لي: من أنت وما سبب مجيئك إلى هذا المكان فقلت له: لا تخف ولا تخش فإني إنسي من خيار الإنس وكنت تاجراً ولي حكاية عظيمة وقصة غريبة وسبب وصولي إلى هذا الجبل وهذا الوادي حكاية عجيبة فلا تخف فلك ما يسرك مني وأنا معي شيء كثير من حجر الألماس فأعطيك منه شيئاً يكفيك وكل قطعة معي أحسن من كل شيء يأتيك فلا تجزع ولا تخف.


    فعند ذلك شكرني الرجل ودعا لي وتحدث معي وإذا بالتجار سمعوا كلامي مع رفيقهم فجاؤوا إلي وكان كل تاجر رمى ذبيحته فلما قدموا علينا سلموا علينا وهنؤوني بالسلامة وأخذوني معهم وأعلمتهم بجميع قصتي وما قاسيته في سفرتي وأخبرتهم بسبب وصولي إلى هذه الوادي ثم إني أعطيت لصاحب الذبيحة التي تعلقت فيها شيئاً كثيراً مما كان معي ففرح بي جداً فما أحد وصل إلى هذا المكان قبلك ونجا منه ولكن الحمد لله على بسلامتي ونجاتي من وادي الحيات ووصولي إلى بلاد العمار. ولما طلع النهار قمنا وسرنا على ذلك الجبل العظيم وصرنا ننظر في ذلك الجبل حيات كثيرة ولم نزل سائرين إلى أن أتينا بستاناً في جزيرة عظيمة مليحة وفيها شجر الكافور وكل شجرة منها يستظل تحتها إنسان وإذا أراد أن يأخذ منه أحد يثقب من أعلى الشجرة ثقباً بشيء طويل ويتلقى ما ينزل منه فيسيل منه ماء الكافور ويعقد مثل الشمع وهو عسل ذلك الشجر وبعد وفي تلك الجزيرة صنف من الوحوش يقال له الكركدن يرعى فيها رعياً مثل ما يرعى البقر والجاموس في بلادنا ولكن جسم ذلك الوحش أكبر من جسم الجمل ويأكل العلق وهو دابة عظيمة لها قرن واحد غليظ في وسط رأسها طوله قدر عشرة أذرع وفيه صورة إنسان وفي تلك الجزيرة شيء من صنف البقر. وقد قال لنا البحريون المسافرون وأهل السياحة في الجبال والأراضي أن هذا الوحش المسمى بالكركدن يحمل الفيل الكبيرعلى قرنه ويرعى به في الجزيرة والسواحل ولا يشعر به ويموت الفيل على قرنه ويسيح دهنه من حر الشمس على رأسه ويدخل في عينيه فيعمى فيرقد في جانب السواحل فيجيء له طير الريخ فيحمله في مخالبه ويروح به عند أولاده ويزقهم به وبما على قرنه وقد رأيت في تلك الجزيرة شيئاً كثيراً من صنف الجاموس ليس له عندنا نظير وفي تلك الوادي شيء كثير من حجر ألماس الذي حملته معي وخبأته في جيبي وقايضوني عليه ببضائع ومتاع من عندهم وحملوها لي عهم وأعطوني دراهم ودنانير ولم أزل سائراً معهم وأنا أتفرج على بلاد الناس وعلى ما خلق الله من واد إلى واد ومن مدينة إلى مدينة ونحن نبيع ونشتري إلى أن وصلنا إلى مدينة البصرة وأقمنا بها أياماً قلائل ثم جئت إلى مدينة بغداد، وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
    *****************************************
    قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن السندباد البحري لما رجع من غيبته ودخل مدينة بغداد دار السلام وجاء إلى حارته ودخل داره ومعه من صنف حجر الألماس شيء كثير ومعه مال ومتاع وبضائع لها صورة وقد اجتمع بأهله وأقاربه ثم تصدق ووهب وأعطى وهادى جميع أهله وأصحابه وصار يأكل طيباً ويشرب طيباً ويلبس ملبساً طيباً ويعاشر ويرافق ونسي جميع ما قاساه ولم يزل في عيش هني وصفاء خاطر وانشراح صدر ولعب وطرب وصار كل من سمع بقدومه يجيء إليه ويسأله عن حال السفر وأحوال البلاد فيخبره ويحكي له ما لقيه وما قاساه فيتعجب من شدة ما قاساه ويهنئه بالسلامة وهذا آخر ما جرى لي وما اتفق لي في السفرة الثانية ثم قال لهم وفي الغد إن شاء الله تعالى أحكي لكم حال السفرة الثالثة.
    فلما فرغ السندباد البحري من حكايته للسندباد البري تعجبوا من ذلك وتشعوا عنده وأمر للسندباد بمائة مثقال ذهباً فأخذها وتوجه إلى حال سبيله وهو يتعجب مما قاساه السندباد البحري وشكره ودعا له في بيته ولما أصبح الصباح وأضاء بنوره ولاح قام السندباد البري كما أمره ودخل إليه وصبح عليه فرحب به وجلس معه حتى أتاه باقي أصحابه وجماعته فأكلوا وشربوا وتلذذوا وطربوا وانشرحوا ثم ابتدأ السندباد البحري بالكلام وقال: ..................


    (السندباد)
    رد مع اقتباس  
     

  6. #6 رد : الحكاية الأولى من حكايات السندباد البحري 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية السندباد
    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    48
    معدل تقييم المستوى
    0
    الحكاية الثالثة من حكايات السندباد البحري

    اعلموا يا إخواني واسمعوا مني حكاية فإنها أعجب من الحكايات المتقدمة قبل تاريخه والله أعلم بغيبة وأحكم أني فيما مضى وتقدم لما جئت من السفرة الثانية وأنا في غاية البسط والانشراح فرحان بالسلامة وقد كسبت مالاً كثيراً كما حكيت لكم أمس تاريخه وقد عوض الله علي ما راح مني، أقمت بمدينة بغداد مدة من الزمان وأنا في غاية الحظ والصفاء والبسط والانشراح فاشتاقت نفسي إلى السفر والفرجة وتشوقت إلى المتجر والكسب والفوائد والنفس أمارة بالسوء فهممت واشتريت شيئاً كثيراً من البضائع المناسبة لسفر البحر وحزمتها للسفر وسافرت بها من مدينة بغداد إلى مدينة البصرة وجئت إلى ساحل البحر فرأيت مركباً عظيماً وفيه تجار وركاب كثيرة أهل خير وناس ملاح طيبون أهل دين ومعروف وصلاح فنزلت معهم في ذلك المركب وسافرنا على بركة الله تعالى بعونه وتوفيقه وقد استبشرنا بالخير والسلامة.
    ولم نزل سائرين من بحر إلى بحر ومن جزيرة إلى جزيرة ومن مدينة إلى مدينة وفي كل مكان مررنا عليه نتفرج ونبيع ونشتري ونحن في غاية الفرح والسرور إلى أن كنا يوماً من الأيام سائرين في وسط البحر العجاج المتلاطم بالأمواج فإذا بالريس وهو جانب المركب ينظر إلى نواحي البحر ثم إنه لطم وجهه وطوى قلوع المركب ورمى مراسيه ونتف لحيته ومزق ثيابه وصاح صيحة عظيمة فقلنا له يا ريس ما الخبر فقال اعلموا يا ركاب السلامة أن الريح غلب علينا وعسف بنا في وسط البحر ورمتنا المقادير لسوء بختنا إلى جبل القرود وما وصل إلى هذا المكان أحد ولم يسلم منه قط وقد أحس قلبي بهلاكنا أجمعين. فما استتم قول الريس حتى جاءنا القرود وأحاطوا المركب من كل جانب وهم شيء كثير مثل الجراد المنتشر في المركب وعلى البر فخفنا إن قتلنا منهم أحداً أو طردناه أن يقتلونا لفرط كثرتهم والكثرة تغلب الشجاعة وبقينا خائفين منهم أن ينهبوا رزقنا ومتاعنا وهم أقبح الوحوش وعليهم شعور مثل لبد الأسود ورؤيتهم تفزع ولا يفهم لهم أحد كلاماً ولا خيراً وهم مستوحشون من الناس صفر العيون وسود الوجوه صغار الخلقة طول كل واحد منهم أربعة أشبار وقد طلعوا على حبال المرساة وقطعوها بأسنانهم وقطعوا جميع حبال المركب من كل جانب فمال المركب من الريح ورسى على جبلهم وصار المركب في برهم وقبضوا على جميع التجار والركاب وطلعوا إلى الجزيرة وأخذوا المركب بجميع ما كان فيه وراحوا به.
    فبينما نحن في تلك الجزيرة نأكل من أثمارها وبقولها وفواكهها ونشرب من الأنهار التي فيها إذ لاح لنا بيت عامر في وسط تلك الجزيرة فقصدناه ومشينا إليه فإذا هو قصر مشيد الأركان عالي الأسوار له باب بدرفتين مفتوح وهو من خشب الأبانوس فدخلنا باب ذلك القصر فوجدنا له حظيراً واسعأً مثل الحوش الواسع الكبير وفي دائره أبواب كثيرة وفي صدره مصطبة عالية كبيرة وفيها أواني طبيخ معلقة على الكوانين وحواليها عظام كثيرة ولم نر فيها أحد فتعجبنا من ذلك غاية العجب وجلسنا في حضير ذلك القصر. قليلاً ثم بعد ذلك نمنا ولم نزل نائمين من ضحوة النهار إلى غروب الشمس وإذ بالأرض قد ارتجت من تحتنا وسمعنا دوياً من الجو وقد نزل علينا من أعلى القصر شخص عظيم الخلقة في صفة إنسان وهو أسود اللون طويل القامة كأنه نحلة عظيمة وله عينان كأنهما شعلتان من نار وله أنياب مثل أنياب الخنازير وله فم عظيم الخلقة مثل البئر وله مشافر مثل مشافر الجمل مرخية على صدره وله أذنان مثل الحرامين مرخيتان على أكتافه وأظافر يديه مثل مخالب السبع فلما نظرناه على هذه الحالة غبنا عن وجودنا وقوي خوفنا واشتد فزعنا وصرنا مثل الموتى من شدة الخوف والجزع والفزع. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
    ***********************************************
    قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن السندباد البحري ورفقته لما رأوا هذا الشخص الهائل الصورة، وحصل لهم غاية الخوف والفزع، فلما نزل على الأرض جلس قليلاً على المصطبة ثم إنه قام وجاء عندنا ثم قبض على يدي من بين أصحابي التجار ورفعني بيده عن الأرض وحبسني وقلبني فصرت في يده مثل اللقمة الصغيرة وصار يحبسني مثل ما يحبس الجزار ذبيحة الغنم فوجدني ضعيفاً من كثرة القهر هزيلاً من كثرة التعب والسفر وليس في شيء من اللحم فأطلقني من يده وأخذ واحداً غيري من رفاقي وقلبه كما قلبني وحبسه كما حبسني وأطلقه ولم يزل يحبسنا ويقلبنا واحداً بعد واحد إلى أن وصل إلى ريس المركب الذي كنا فيه وكان رجلاً سميناً غليظاً عريض الأكتاف صاحب قوة وشدة فأعجبه وقبض عليه مثل ما يقبض الجزار على ذبيحته ورماه على الأرض ووضع رجله على رقبته وجاء بسيخ طويل فأدخله في حلقه حتى خرجه من دبره وأوقد ناراً شديدة وركب عليها ذلك السيخ المشكوك فيه الريس ولم يزل يقلبه على الجمر حتى استوى لحمه وأطلعه من النار وحطه أمامه وفسخه كما يفسخ الرجل الفرخة. وصار يقطع لحمه بأظافره ويأكل منه ولم يزل على هذه الحالة حتى أكل لحمه ونهش عظمه، ولم يبق منه شيئاً ورمى باقي العظام في جنب القصر.
    ثم إنه جلس قليلاً وانطرح ونام على تلك المصطبة وصار يشخر مثل شخير الخروف أو البهيمة المذبوحة ولم يزل نائماً إلى الصباح ثم قام وخرج إلى حال سبيله. فلما تحققنا بعده تحدثنا مع بعضنا وبكينا على أرواحنا وقلنا ليتنا غرقنا في البحر وأكلتنا القرود خير من شوي الإنسان على الجمر والله إن هذا الموت رديء ولكن ما شاء الله كان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي ثم إننا قمنا وخرجنا إلى الجزيرة لننظر لنا مكان نختفي فيه أو نهرب وقد هان علينا أن نموت ولا يشوى لحمنا بالنار فلم نجد مكان نختفي فيه وقد أدركنا المساء فعدنا إلى القصر من شدة خوفنا وجلسنا قليلاً وإذا بالأرض قد ارتجفت من تحتنا وأقبل ذلك الشخص الأسود وجاء عندنا وصار يقلبنا واحداً بعد الآخر مثل المرة الأولى ويحبسنا حتى أعجبه واحد، فقبض عليه وفعل به مثل ما فعل بالريس في أول يوم فشواه وأكله على تلك المصطبة ولم يزل نائماً في تلك الليلة وهو يشخر مثل الذبيحة فلما طلع النهار قام وراح إلى حال سبيله وتركنا على جري عادته فاجتمعنا وتحدثنا وقلنا لبعضنا والله لأن نلقي أنفسنا في البحر ونموت غرقاً خير من أن نموت حرقاً لأن هذه قتلة شنيعة فقال واحد منا اسمعوا كلامي أننا نحتال عليه ونرتاح من همه ونريح المسلمين من عدوانه وظلمه.
    فقلت لهم اسمعوا يا إخواني إن كان لابد من قتله فإننا نحول هذا الخشب وننقل شيئاً من هذا الحطب ونعمل لنا فلكاً مثل المركب وبعد ذلك نحتال في قتله وننزل في الفلك ونروح في البحر إلى أي محل يريده الله. وإننا نقعد في هذا المكان حتى يمر علينا مركب فننزل فيه وإن لم نقدر على قتله ننزل ونروح في البحر ولو كنا نغرق نرتاح من شوينا على النار ومن الذبح وإن سلمنا سلمنا وإن غرقنا متنا شهداء، فقالوا جميعاً والله هذا رأي سديد وفعل رشيد واتفقنا على هذا الأمر وشرعنا في فعله فنقلنا الأخشاب إلى خارج القصر وصنعنا فلكاً وربطناه على جانب البحر ونزلنا فيه شيئاً من الزاد وعدنا إلى القصر.
    فلما كان وقت المساء إذا بالأرض قد ارتجفت بنا ودخل علينا الأسود وهو كأنه الكلب العقور ثم قلبنا وحبسنا واحداً بعد واحد ثم أخذ واحداً وفعل به مثل ما فعل بسابقيه وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
    ******************************************
    قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن السندباد البحري قال إن الأسود أخذ واحداً منا وفعل به مثل ما فعل بسابقيه وأكله ونام على المصطبة وصار شخيره مثل الرعد فنهضنا وقمنا وأخذنا سيخين من حديد من الأسياخ المنصوبة ووضعناهما في النار القوية حتى احمرا وصارا مثل الجمر وقبضنا عليهما قبضاً شديداً وجئنا بهما إلى ذلك الأسود وهو نائم يشخر ووضعناهما في عينيه واتكأنا عليهما جميعاً بقوتنا وعزمنا فأدخلناهما في عينيه وهو نائم فانطمستا وصاح صيحة عظيمة فارتعبت قلوبنا منه.
    ثم قام من فوق تلك المصطبة بعزمه وصار يفتش علينا ونحن نهرب منه يميناً وشمالاً فلم ينظرنا وقد عمي بصره فخفنا منه مخافة شديدة وأيسنا في تلك الساعة بالهلاك ويأسنا من النجاة فعند ذلك قصد الباب وهو يتحسس وخرج منه وهو يصيح ونحن في غاية الرعب منه وإذا بالأرض ترتج من تحتنا من شدة صوته.
    فلما خرج من القصر وراح إلى حال سبيله وهو يدور علينا ثم إنه رجع ومعه أنثى أكبر وأوحش منه خلقة فلما رأيناه والذي معه أفظع حالة منه خفنا غاية الخوف فلما رأونا أسرعنا ونهضنا ففككنا الفلك الذي صنعناه ونزلنا فيه ودفعناه في البحر وكان مع كل واحد منهم صخرة عظيمة وصارا يرجماننا بها إلى أن مات أكثرنا من الرجم وبقي منا ثلاثة أشخاص أنا واثنان، وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.
    *********************************************
    قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن السندباد البحري لما نزل في الفلك هو وأصحابه وصار يرجمهم السود ورفيقته فمات أكثرهم ولم يبق منهم إلا ثلاثة أشخاص فطلع بهم الفلك إلى جزيرة قال فمشينا إلى آخر النهار فدخل علينا ونحن على هذه الحالة فنمنا قليلاً واستيقظنا من نومنا وإذا بثعبان عظيم الخلقة كبير الجثة واسع الجوف قد أحاط بنا وقصد واحداً فبلعه إلى أكتافه ثم بلع باقيه فسمعنا أضلاعه تتكسر في بطنه وراح في حال سبيله فتعجبنا من ذلك غاية العجب وحزنا على رفيقنا وصرنا في غاية الخوف على أنفسنا وقلنا والله هذا أمر عجيب وكل موتة أشنع من السابقة وكنا فرحنا بسلامتنا من الأسود فما تمت الفرحة ولا حول ولا قوة إلا بالله والله قد نجونا من الأسود ومن الغرق فكيف تكون نجاتنا من هذه الآفة المشؤومة.
    ثم إننا قمنا فمشينا في الجزيرة وأكلنا من ثمرها وشربنا من أنهارها ولم نزل فيها إلى وقت المساء فوجدنا صخرة عظيمة عالية فطلعناها ونمنا فوقها وقد طلعت أنا على فروعها. فلما دخل الليل وأظلم الوقت جاء الثعبان وتلفت يميناً وشمالاً ثم إنه قصد تلك الشجرة التي نحن عليها ومشى حتى وصل إلى رفيقي وبلعه حتى أكتافه والتف به على الشجرة فسمعت عظامه تتكسر في بطنه ثم بلعه بتمامه وأنا أنظر بعيني ثم إن الثعبان نزل من فوق الشجرة وراح إلى حال سبيله ولم أزل على تلك الشجرة في تلك الليلة.
    فلما طلع النهار وبان النور ونزلت من فوق الشجرة وأنا مثل الميت من كثرة الخوف والفزع وأردت أن ألقي بنفسي في البحر وأستريح من الدنيا فلم تهن علي روحي لأن الروح عزيزة فربطت خشبة عريضة على أقدامي بالعرض وربطت واحدة مثلها على جنبي الشمال ومثلها على جنبي اليمين ومثلها على بطني وربطت واحدة طويلة عريضة من فوق رأسي بالعرض مثل التي تحت أقدامي وصرت أنا في وسط هذا الخشب وهو محتاط بي من كل جانب وقد شددت ذلك شداً وثيقاً وألقيت نفسي بالجميع على الأرض فصرت نائماً بين تلك الأخشاب وهي محيطة بي كالمقصورة.
    فلما أمسى الليل أقبل الثعبان على جري عادته ونظر إلي وقصدني فلم يقدر أن يبلغني وأنا على تلك الحالة والأخشاب حولي من كل جانب فدار الثعبان حولي فلم يستطع الوصول إلي وأنا أنظر بعيني وقد صرت كالميت من شدة الخوف والفزع وصار الثعبان يبعد عني ويعود إلي ولم يزل على هذه الحالة وكلما أراد الوصول إلي ليبتلعني تمنعه تلك الأخشاب المشدودة علي من كل جانب ولم يزل كذلك من غروب الشمس إلى أن طلع الفجر وبان النور وأشرقت الشمس فمضى الثعبان إلى حال سبيله وهو في غاية من القهر والغيظ.
    فعند ذلك مددت يدي وفككت نفسي من تلك الأخشاب وأنا في حكم الأموات من شدة ماقاسيت من ذلك الثعبان ثم إني قمت ومشيت في الجزيرة حتى انتهيت إلى آخرها فلاحت لي مني التفاتة إلى ناحية البحر فرأيت مركباً على بعد في وسط اللجة فأخذت فرعاً كبيراً من شجرة ولوحت به إلى ناحيتهم وأنا أصيح عليهم.
    فلما رأوني قالوا لابد أننا ننظر ما يكون هذا لعله إنسان إنهم قربوا مني وسمعوا صياحي عليهم فجاءوا إلي وأخذوني معهم في المركب وسألوني عن حالي فأخبرتهم بجميع ما جرى لي من أوله إلى آخره وماقاسيته من الشدائد فتعجبوا من ذلك غاية العجب ثم إنهم ألبسوني من عندهم ثياباً وستروا عورتي.
    وبعد ذلك قدموا لي شيئاً من الزاد حتى اكتفيت وسقوني ماء بارداً عذباً فانتعش قلبي وارتاحت نفسي وحصل لي راحة عظيمة وأحياني الله تعالى بعد موتي فحمدت الله تعالى على نعمه الوافرة وشكرته وقويت همتي بعدما كنت أيقنت بالهلاك حتى تخيل لي أن جميع ما أنا فيه منام ولم نزل سائرين وقد طاب لنا الريح بإذن الله تعالى إلى أن أشرفنا على جزيرة يقال لها جزيرة السلاهطة فأوقف الريس المركب عليها، وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.
    ****************************************
    قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن المركب الذي نزل فيه السندباد البحري رسى على جزيرة فنزل منه جميع التجار فالتفت إلي صاحب المركب وقال لي اسمع كلامي أنت رجل غريب فقير وقد أخبرتنا أنك قاسيت أهوالاً كثيرة ومرادي أنفعك بشيء يعينك على الوصول إلى بلادك وتبقى تدعو لي فقلت له نعم ولك مني الدعاء.
    فقال اعلم أنه كان معنا رجل مسافر فقدناه ولم نعلم هل بالحياة أم مات ولم نسمع عنه خبراً ومرادي أن أدفع لك حمولة لتبيعها في هذه الجزيرة وتحفظها وأعطيك شيئاً في نظير تعبك وخدمتك وما بقي منها نأخذه إلى أن تعود إلى مدينة بغداد فنسأل عن أهله وندفع إليهم بقيتها وثمن ما بيع منها فهل لك أن تتسلمها وتنزل بها هذه الجزيرة فتبيعها مثل التجار فقلت سمعاً وطاعة لك يا سيدي ولك الفضل والجميل ودعوت له وشكرته على ذلك فعند ذلك أمر الحالين والبحرية بإخراج تلك البضائع إلى الجزيرة وأن يسلموها إلي.
    فقال كاتب المركب يا ريس ما هذه الحمول التي أخرجها البحرية والحمالون واكتبها باسم من من التجار. فقال اكتب عليها اسم السندباد البحري الذي كان معنا وغرق في الجزيرة ولم يأتنا عنه خبر فنريد أن يبيعها هذا الغريب ونحمل ثمنها ونعطيه شيئاً منه نظير تعبه وبيعه والباقي نحمله معنا حتى نرجع إلى مدينة بغداد فإن وجدناه أعطيناه إياه وإن لم نجده ندفعه إلى أهله في مدينة بغداد فقال الكاتب كلامك مليح ورأيك رجيح.
    فلما سمعت كلام الريس وهو يذكر أن الحمول باسمي قلت في نفسي والله أنا السندباد البحري وأنا غرقت في الجزيرة مع جملة من غرق ثم إني تجلدت وصبرت إلى أن طلع التجار من المركب واجتمعوا يتحدثون ويتذاكرون في أمور البيع والشراء فتقدمت إلى صاحب المركب وقلت له يا سيدي هل تعرف كيف كان صاحب الحمول التي سلمتها إلي لأبيعها، فقال لي لا أعلم له حالاً ولكنه كان رجلاً من مدينة بغداد يقال له السندباد البحري، وقد أرسينا على جزيرة من الجزائر فغرق منا فيها خلق كثير وفقد بجملتهم ولم نعلم له خبراً إلى هذا الوقت.

    فعند ذلك صرخت صرخة عظيمة وقلت له: يا ريس السلامة، اعلم أني أنا السندباد البحري لم أغرق ولكن لما أرسيت على الجزيرة وطلع التجار والركاب طلعت أنا مع جملة الناس ومعي شيء آكله بجانب الجزيرة ثم إني تلذذت بالجلوس في ذلك المكان فأخذتني سنة من النوم فنمت وغرقت في النوم ثم إني قمت فلم أجد المركب ولم أجد أحداً عندي وهذا المال مالي وهذه البضائع بضائعي وجميع التجار الذين يجلبون حجر الألماس رأوني وأنا في جبل الألماس ويشهدون لي بأني أنا السندباد البحري كما أخبرتهم بقصتي وما جرى لي معكم في المركب وأخبرتكم بأنكم نسيتموني في الجزيرة نائماً وقمت فلم أجد أحداً وجرى لي ما جرى.
    فلما سمع التجار والركاب كلامي اجتمعوا علي فمنهم من صدقني ومنهم من كذبني فبينما نحن كذلك وإذا بتاجر من التجار حين سمعني أذكر وادي الألماس نهض وتقدم عندي وقال لهم اسمعوا يا جماعة كلامي إني لما كنت ذكرت لكم أعجب ما رأيت في أسفاري لما ألقينا الذبائح في وادي الألماس وألقيت ذبيحتي معهم على جري عادتي طلع على ذبيحتي رجل متعلق بها ولم تصدقوني بل كذبتموني فقالوا له نعم حكيت لنا على هذا الأمر ولم نصدقك فقال لهم التاجر هذا الذي تعلق في ذبيحتي وقد أعطاني شيء من حجر الألماس الغالي الثمن الذي لا يوجد نظيره وعوضني أكثر ما كان يطلع لي في ذبيحتي وقد استصحبه معي إلى أن وصلنا إلى مدينة البصرة وبعد ذلك توجه إلى بلاده وودعنا ورجعنا إلى بلادنا وهو هذا وأعلمنا أن اسمه السندباد البحري وقد أخبرنا بذهاب المركب وجلوسه في هذه الجزيرة، واعلموا أن هذا الرجل ما جاءنا هنا إلا لتصدقوا كلامي مما قلته لكم، وهذه البضائع كلها رزقه فإنه أخبر بها في وقت اجتماعه علينا وقد ظهر صدقه في قوله.
    فلما سمع الريس كلام ذلك التاجر قام على حيله وجاء عندي وحقق في النظر ساعة وقال ما علامة بضائعك فقلت له اعلم أن علامة بضائعي ما هو كذا وكذا وقد أخبرته بأمر السندباد البحري فعانقني وسلم علي وهنأني بالسلامة وقال لي يا سيدي إن قصتك عجيبة وأمرك غريب ولكن الحمد لله الذي جمع بيننا وبينك ورد بضائعك ومالك عليك. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.
    ****************************************
    قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن السندباد البحري لما تبين للريس والتجار أنه هو بعينه وقال له الريس الحمد لله الذي رد بضائعك ومالك عليك قال فعند ذلك تصرفت في بضائعي بمعرفتي وربحت بضائعي في تلك السفرة شيئاً كثيراً وفرحت بذلك فرحاً عظيماً وهنأت بالسلامة وعاد مالي إلي ولم نزل نبيع ونشتري في الجزائر إلى أن وصلنا إلى بلاد السندباد وبعنا فيها واشترينا ورأيت في ذلك البحر شيئاً كثيراً من العجائب والغرائب لا تعد ولا تحصى، ومن جملة ما رأيت في ذلك البحر سمكة على صفة البقرة، وشيئاً على صفة الحمير، ورأيت طيراً يخرج من صدف البحر، ويبيض ويفرخ على وجه الماء ولا يطلع من البحر على وجه الأرض أبداً.
    وبعد ذلك لم نزل مسافرين بإذن الله تعالى وقد طاب لنا الريح والسفر إلى أن وصلنا إلى اببصرة وقد أقمت فيها أياماً قلائل وبعد ذلك جئت إلى مدينة بغداد فتوجهت إلى حارتي ودخلت بيتي وسلمت على أهلي وأصحابي وأصدقائي وقد فرحت بسلامتي وعودتي إلى بلادي وأهلي ومدينتي ودياري وتصدقت ووهبت وكسوت الأرامل والأيتام، وجمعت أصحابي وأحبابي ولم أزل على هذه الحالة في أكل وشرب ولهو وضرب وأنا آكل وأشر طيباً وأعاشر وأخالط وقد نسيت جميع ما جرى لي وما قاسيت من الشدائد والأهوال وكسبت شيئاً في هذه السفرة لا يعد ولا يحصى، وهذا أعجب ما رأيت في هذه السفرة، وفي غد إن شاء الله تعالى تجيء إلي وأحكي لك حكاية السفرة الرابعة، فإنها أعجب من هذه السفرات.

    ثم إن السندباد البحري أمر بأن يدفعوا إليه مائة مثقال من الذهب على جري عادته وأمر بمد السماط فمدوه وتعشى الجماعة وهم يتعجبون من تلك الحكاية وما جرى فيها ثم إنهم بعد العشاء انصرفوا إلى حال سبيلهم، وقد أخذ السندباد الحمال ما أمر له من الذهب وانصرف إلى حال سبيله وهو متعجب مما سمعه من السندباد البحري وبات في بيته. ولما أصبح الصباح وأضاء بنوره ولاح قام السندباد الحمال وصلى الصبح وتمشى إلى السندباد البحري وقد دخل عليه وتلقاه بالفرح والانشراح وأجلسه عنده إلى أن حضر بقية أصحابه وقدموا الطعام فأكلوا وشربوا وانبسطوا فبدأهم بالكلام وحكى لهم الحكاية الرابعة.
    (السندباد)
    رد مع اقتباس  
     

  7. #7 رد : الحكاية الأولى من حكايات السندباد البحري 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Apr 2006
    المشاركات
    11
    معدل تقييم المستوى
    0
    اخي سندباد
    شكرا على هته القصص
    المحبوكة بتفان و روعة
    بدأت لتوي في قراءتها
    و ساعود اليها كل ما تسنى لي ذلك
    شكرا مرة ثانية
    لتكن بخير
    اختك "ضوء القمر"
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. من مكابدات السندباد المغربي/ محمد علي الرباوي
    بواسطة محمد علي الرباوي في المنتدى الشعر
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 15/08/2011, 02:31 AM
  2. ديوان فصل فى الحكاية
    بواسطة عطاء في المنتدى مكتبة المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11/11/2010, 03:58 PM
  3. حكايات لانا والجنية مانا .. الحكاية الأولى
    بواسطة ايهاب هديب في المنتدى القصة القصيرة
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 03/09/2009, 09:57 PM
  4. الحكاية....
    بواسطة محمد عبدالله في المنتدى إسلام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12/03/2009, 02:07 PM
  5. الآخر...........محمد البدري
    بواسطة محمد البدري في المنتدى الشعر
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 18/08/2007, 05:22 PM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •