بين زوجين............محمد محضار

عدت إلى البيت هذا المساء،، كان صامتا يخيم السكون على أرجائه .. دلفت إلى غرفة النوم، كانت تبدو موحشة، غادرتها إلى غرفة المكتبة، فوجدتها أوحش منها، أحسست بانقباض كبير يجثم على صدري ويخنق أنفاسي.. لم أملك نفسي فتهاويت على إحدى الأرائك، وأشعلت لفافة تبغ ثم مضيت انفث دخانها بعصبية .. لم أشعر لحظة انبجست من عيني دمعتان، ووجدتني كطفل صغير ضاعت منه لعبة عزيزة على نفسه، لقد أدركت الأن كم أنت مهمة في حياتي، وكم أنا مدين لك بلحظات السعادة التي ظللت أحياها .. وأنني مخطئ في حقك، بل ربما مخطئ في حق نفسي حين تحاملت عليك، وشنفت أسماعك بعبارات جارحة لم تواجهيها إلا بدموع مدرارة .. خلتها أنئذ دموع تماسيح تغطين بها زلاتك، التي لم تكن تستحق مني في الحقيقة ذلك الهيجان والغضب .. بل ربما لو كنت منحتك فرصة للدفاع عن نفسك لكان الإشكال الحاصل بينناحل بأسرع مما قد يتصور.. لكن قتل الله التهور والتسرع.. ، فقد جعلتك تغادرين البيت وأنت حزينة مكروبة .. تحملين ألف هم وهم، وتختلج أعماقك بآنات الآم والحسرة.. لم أشعر بالندم إلا بعد ساعات من ذهابك،، فقد خمدت نار ثورتي، ووضعت بيني وبين نفسي النقط على حروفها، فاكتشفت أنني صاحب الزلات لا أنت.. وحز في قلبي كثيرا أن أطردك من البيت دون رحمة
راودتني فكرة مصالحتك لكن عزة نفسي.. جعلتني أستبعد ذلك، وأحاول تناسي كل شيء حتى إشعار اخر.. لكن إلى متى أتناسى وأنا أعلم أن حبك جزء لا يتجزأ مني .. ووجودك إلى جانبي واقع لا غنى لي عنه .. قد أكون زوجا عاقا بحق وحقيقة إن استمررت في تجاهل نداء قلبي وواصلت مسيرتي دونك.
ألقيت نظرة على ساعتي، كأن عقرباها يشيران إلى التاسعة والنصف ليلا.. جالت بخاطري فكرة الذهاب إليك رغم أن الوقت متأخر والجو بارد .. ولم يطل بي التفكير إذ سرعان ما هرعت إلى سيارتي .. وانطلقت بسرعة جنونية نحو بيت أسرتك .. لم أكن أنتبه إلى إشارات المرور وعلامات الوقوف، فشوقي إليك ورغبتي الجامحة في الوصول عندك في أقل وقت ممكن كانا يعميانني عن كل شيء.
وفي إحدى فترات سيري، مرقت من أحد الأزقة الفرعية إلى شارع رئيسي دون انتباه .. ويشاء حظي العاثر أن أصطدم بسيارة كانت تعبر الشارع .. هذا كلما تذكرته لاني غبت عن الوجود من أثر الصدمة التي تلقيتها في أم رأسي.
وعندما فتحت عيني لاول مرة.. أدركت بسرعة بأنني في المستشفى، وتنبهت إلى أنني مشدود إلى السرير بحزامين جلديين، وأن حبل زجاجة السيروم مغروسة في ذراعي بواسطة إبرة، واستطعت أيضا أن أحس بالضمادات التي كانت تغلف
رأسي، والجبس الذي يكسو قدمي اليسرى، وجلت بنظراتي في أرجاء الغرفة .. فتبينتك قابعة في إحدى زواياها وأنت شاردة واجمة.. لدرجة أنك لم تحسي بي لحظة استيقظت من غيبوبتي.
ونطقت اسمك بصوت ضعيف.. فأسرعت إلي ملهوفة وجثمت عند أقدام السرير، وأمسكت يدي بين راحتيك ومضيت تذرفين دموعك.. وتهادي إلى أسماعي صوتك الحبيب مشوبا بألم وحسرة، وأنت تقولين:
- أحبك يا عصام أكثر من أي إنسان في هذه الدنيا.
وأجبتك وأنا أرسم على شفتي ابتسامة:
- أعرف هذا يا حبيبتي.. فأرجو صفحك.


وقلت وقد علت وجهك معالم الحزن والكآبة:
- لا تقل هذا يا عصام.. أنا الشقية الظالمة.. لن أغضبك منذ اليوم مهما عملت في..
وقطع علينا حبل مناجاتنا دخول أحد الأطباء.. وقد أقبل علي يهنئني على نجاتي، ثم ما لبث أن قال:
- يمكنك أن تخرج من المستشفى بعد يومين على أكثر تقدير.
وصمت برهة.. ثم التفت إليك وقال:
- وأظن أن عقيلتك ستكون أحسن ممرضة لك في البيت ..
ورددت أنت بصوت خاجل :
- العفو سيدي الطبيب.



محمد محضار مدينة وادي زم...ربيع 1984