صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 1 2
النتائج 13 إلى 15 من 15

الموضوع: تركيا نموذج الدولة الحائرة

  1. #13  
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,620
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    الأكراد في تركيا قبلت الحكومة العثمانية في استانبول، مرغمة، معاهدة سيفر (Sèvres)، التي عقدت في 10 أغسطس عام 1920. ولكن الحكومة الوطنية، التي شكلها مصطفى كمال أتاتورك، في الأناضول، عام 1919، رفضت الاعتراف بها، وبادرت إلى حركة وطنية، من شرقي تركيا، لتحرير الوطن التركي.
    حرص مصطفى كمال أتاتورك على ضمان انضمام الأكراد إليه، في حركته الوطنية. فأخذ، بعد مؤتمر أرضروم، عام 1919، يؤثر في زعماء الأكراد، ويطلب منهم إرجاء القضية الكردية ريثما يكتمل تحرير البلاد التركية كلها من المحتلين، وينعقد الصلح. وذلك لا يكون إلا باتحاد العنصرَين، التركي والكردي، أصحاب البلاد، كما نص الميثاق الوطني، الصادر عام 1920. وكان أتاتورك قطع لهم الوعود الصريحة، بأن تعترف تركيا للكرد، ولكردستان، بالاستقلال بمساحة أكبر وأوسع مما ورد في معاهدة سيفر. وكان عدد النواب الأكراد، الذين يمثلون كردستان في المجلس الوطني الكبير، في أنقرة، 72 نائباً.
    وفي بدايات الحركة الكمالية، في الأناضول، لم يظهر الكماليون أي بادرة سوء نحو الأكراد، بل قدموا العون للأكراد في تركستان الجنوبية (العراق)، للضغط على الإنجليز، وإجبارهم على التخلي عن الموصل.
    إزاء ذلك، لم يتخلَّ الأكراد عن الترك، إخوتهم في الإسلام، في وقت الشدة، ومواجهة العدو الأجنبي. خاصة أن قسماً كبيراً من جنوبي كردستان، كان تحت احتلال الإنجليز، كما أن الفرنسيين، كانوا يحتلون السواحل. وأما شمالي كردستان فكان تحت احتلال الروس .
    ورفض قادة جمعية تقدم الكرد، اللجوء إلى أي عمل ضد الأتراك، عندما طالب الشباب الكردي، من أعضاء الجمعية، عام 1919م، باتخاذ قرار حول إعلان استقلال كردستان، وطرد جميع القوات الأجنبية منها، بما فيها التركية. ووقف سيد عبد القادر ضد هذا الاقتراح، إذ رأى أنه لا يليق بالحركة الكردية الوقوف ضد الأتراك، في مثل هذا الظرف العصيب .
    وكان رؤساء الحلفاء، في باريس، يؤكدون للجنرال شريف باشا، رئيس الوفد الكردي إلى مؤتمر الصلح، في العاصمة الفرنسية (عام 1919- 1920)، أن إخلاد الكرد إلى السكينة والهدوء، هو ضروري، لتحقيق آمالهم القومية.
    ومن ناحية أخرى، منع رئيس الاستخبارات الإنجليزية في حلب، العقيد بل، إصدار منشور، أراد نشره الأمير الكردي، ثريا بدرخان، سكرتير جمعية الاستقلال الكردي، في حلب لكشف نيات مصطفى كمال إزاء الكرد، قائلاً: "إن أكبر خدمة، وأعظم فائدة، تقدم إلى الشعب الكردي، الآن، هي دعوته إلى الإخلاد إلى الهدوء والسكينة" .
    وكذلك حضر هذا القائد الإنجليزي إلى ملاطية، في الأناضول، حينما شعر أن الأمير الكردي جلادت بدرخان، والأمير كامران بدرخان، وأكرم جميل باشا زاده، مندوبي جمعية تقدم كردستان، يحشدون في جبال كاخته قوات كردية، لرد هجمة مصطفى كمال باشا، التي يريد أن يشنها بغتة، ومن دون سبب معلوم، على الوطنيين الأكراد. فأرسل الرائد إدوارد و.س. نويلNoelإلى المندوبين الأكراد المذكورين، يبلغهم، باسم حكومته، وجوب تفريق القوى الكردية، حالاً، وأن أقلّ مقاومة مسلحة تعرض القضية الكردية للأخطار الشديدة، بعد أن حازت قبول الدول الأوروبية.
    وأخلد الأكراد للسكون، خاصة بعد تعهّد الدول الحليفة، بأن الأتراك، إذا لم ينفذوا معاهدة سيفر (Sèvres)، سوف يحرمون من الآستانة، كذلك.
    وهكذا أضاع الحلفاء، وخاصة الإنجليز، على الأكراد فرصة تحقيق آمالهم الاستقلالية .
    وفي عام 1922، طلب مصطفى كمال من النواب الأكراد، في المجلس الوطني التركي، في أنقرة، الرد على الاستفسار، الذي وصله من رئيس الوفد التركي، عصمت باشا، إلى مؤتمر لوزان، حول رغبة الأكراد في البقاء ضمن الدولة التركية الجديدة. فردّ النائب الكردي عن أرضروم في المجلس، حسين عوني بك، عام 1922، قائلاً :" إن هذه البلاد هي للأكراد والأتراك. وإن حق التحدث من فوق هذه المنصة، هو للأُمتَين، الكردية والتركية". وأيده في ذلك النواب الأكراد في المجلس الوطني الكبير. وقوبل ذلك بالترحيب والاستحسان من أتاتورك. وبناء على هذا الجواب من النواب الأكراد، أعلن عصمت باشا، الكردي الأصل، مندوب تركيا في مؤتمر لوزان، أن " تركيا هي للشعبَين، التركي والكردي، المتساويَين أمام الدولة، ويتمتعان بحقوق قومية متساوية". وحينما وجد المشاركون في مؤتمر لوزان، أن النواب الأكراد، لا يريدون انفصال كردستان عن تركيا، وأن حكومة تركيا وعدت بتلبية مطالب الأكراد القومية، وافقوا على غض النظر عن أي فكرة لاستقلال كردستان ،وحذفوا ذكر الأكراد من الوثائق الرسمية للمؤتمر .

    وهكذا وقعت معاهدة لوزان، في23 يوليه 1923، بين الحلفاء وحكومة أنقرة الوطنية. وبهذه المعاهدة ألغيت معاهدة سيفر. وقدم الإنجليز والأتراك تنازلات بعضهما إلى بعض، في خصوص المسألة الكردية. ولم يذكر فيها شيء عن استقلال الأكراد، سوى ما جاء في المواد (38) و (39) و (44) من الفصل الثالث:
    إذ نصت المادة (38) على أن تتعهد الحكومة التركية بمنح جميع السكان الحماية التامة والكاملة، لحياتهم وحريتهم، من دون تمييز في العِرق والقومية واللغة والدين.
    ونصت المادة (39) من معاهدة لوزان على أنه " لن تصدر أي مضايقات في شأن الممارسة الحرة لكل مواطن تركي لأية لغة كانت، إن كان ذلك في العلاقات الخاصة أم في العلاقات التجارية، أم في حقل الدين والصحافة، أم في المؤلفات والمطبوعات، من مختلف الأنواع أم في الاجتماعات العامة .
    وتنص المادة (44) على أن تعهدات تركيا هذه، هي تعهدات دولية، لا يجوز نقْضها، في حال من الأحوال ، وإلا فيكون لكل دولة من الدول الموقعة معاهدة لوزان، والدول المؤلفة منها عصبة الأمم، الحق في الإشراف على تنفيذ تركيا هذه التعهدات، بدقة، والتدخل ضدها، لحملها على تنفيذ ما تعهدت به أمام العالم.
    وهكذا، أضاعت معاهدة لوزان كل الحقوق القومية للأكراد في تركيا.وكانت معاهدة لوزان خطوة إلى الوراء، مقارنة بمعاهدة سيفر (Sèvres) .
    وعلى الرغم من معاهدة لوزان، وقبَيل حل مشكلة الموصل، في عام 1925، نجد تسامحاً، في بعض التصريحات الكردية. فقد صرح فتحي بك، رئيس الوفد التركي إلى مؤتمر استانبول، الذي انعقد لحل مشكلة الموصل، عام 1924، قائلاً: "إن هذا الوطن، يخص الأُمتَين الكردية والتركية، فقط " . وكان ذلك مما يخدم الحكومة التركية، في مسألة الموصل، آنذاك.
    ثورة الشيخ سعيد بيران، عام 1925
    حينما وقعت معاهدة لوزان، لم يبقَ في تركيا من الشعوب سوى الأكراد والأتراك. ورأى الكماليون بعد قيام الجمهورية، أنه لا مكان لشعب غير الشعب التركي ، ويجب تتريك كل القوميات الأخرى، التي تضمها هذه الجمهورية، وصهرها في المجتمع التركي. ورفضوا الاعتراف بوجود شعب آخر غير الأتراك، وأطلقوا على الأكراد اسم " أتراك الجبال" ، وألغوا اللغة الكردية في المدارس والمعاهد، وحرّموا التحدث بها في الشوارع والمجالس، فضلاً عن تحريمها في المصالح الحكومية وأمام المحاكم، على الرغم من تعهداتهم السابقة، في معاهدة لوزان.
    سعى الأكراد، من جانبهم، إلى إظهار رفضهم لعدم الاعتراف بحقوقهم من جانب الحكومة التركية. فبادر الفريق خالد بك الجبرانلي، الذي كان قائداً في الألوية الحميدية، إلى تنظيم لجنة استقلال كردستان (آزادي) السرية ، وأرسل مندوبين عنها إلى جميع أنحاء كردستان، لإنشاء فروع وتشكيلات عامة لها، ولتوزيع أسلحة وذخائر حربية. ودخل في هذا التنظيم الشيخ سعيد الكردي، من قرية بيران، وهو من المشايخ ذوي النفوذ الديني لدى مريديه وأتباعه.
    وتقرر أن تبدأ الثورة، صباح 21 مارس 1925، وهو يوم الاحتفال بعيد النيروز، أو رأس السنة عند الأكراد. ولكن وصلت قوة تركية إلى قرية بيران، حيث يقيم الشيخ سعيد الكردي، في 7 مارس 1925، فنشب القتال بينها وبين أتباع الشيخ سعيد، لسبب بسيط تافه، فانفجرت الثورة في كل أنحاء كردستان. وكان من أبرز شعاراتها " إقامة كردستان مستقلة، في ظل الحماية التركية، وإعادة حكم السلطان" .
    وبادر الفريق خالد الجِبرانلي، ومن معه من الضباط الأكراد، الذين كانوا خارج المكان، الذي انفجرت فيه الأحداث، إلى التوجه إلى المكان المذكور، للإشراف على الثورة، وإدارة دفة القتال. ولكن قبض عليهم، قبْل وصولهم إلى مكان الثورة، وأعدموا من دون محاكمة. وبذلك، حرمت الثورة من اشتراك المخططين لها، والعارفين بالفنون الحربية. فقادها من لا خبرة لهم بها ولا بأسرارها.
    وتوسعت الثورة، وانتشرت في مناطق شاسعة من البلاد. ولكن الأكراد صرفوا همهم نحو السيطرة على المدن الكبيرة، في الوقت الذي كانت القوات التركية تصل إلى المنطقة ، وتصل إليها الإمدادات من كل ولايات تركيا.
    وبعد سلسة من المعارك، أخمدت الثورة. وقدِّم الشيخ سعيد ورفاقه إلى المحاكمة، وسيقوا إلى محاكم عسكرية، عرفت باسم "محاكم الاستقلال"، ثم شنقوا، وتركوا معلقين على أعواد المشانق، عِبرة لمن يعتبر. وفر قسم من المقاتلين إلى رؤوس الجبال، أو إلى الدول المجاورة، سورية والعراق وإيران.
    وأعلن رئيس المحكمة، الذي حكم بالإعدام على ثلاثة وخمسين زعيماً من زعماء الثورة، أثناء المحاكمة، في 28 يونيه 1925، قائلاً: " لقد اتخذ بعضكم إساءة استعمال السلطة الحكومية، والدفاع عن الخلافة، ذريعة للثورة. ولكنكم كنتم متفقين جميعاً على إقامة كردستان المستقلة".
    وقد استخدمت الحكومة التركية 35 ألف جندي و12 طائرة حربية، لإخماد الثورة، التي شكلت خطراً على الجمهورية التركية الناشئة. وجرى حشد ثمانين ألف جندي تركي في كردستان. ودمرت القوات التركية، بعدها، 206 قرى كردية، وأُحرق 8758 منزلاً، وقُتل 15200 شخص. وقالت، يومها، جريدة "وقت" التركية: "ليس هناك مسألة كردية، حين تظهر الحِراب التركية" .
    وتكبّد كلٌّ من الأكراد والأتراك، خسائر فادحة، من جراء هذه الثورة.
    وكان من نتائجها صدور قانون الحفاظ على الأمن أو (تقرير سكون قانوني)، الذي جرى، بموجبه، تشتيت آلاف الأُسر الكردية وتهجيرها ، ودمِّر كثير من القرى الكردية ، ونُفي زعماؤها ورؤساؤها إلى مختلف الولايات التركية.
    واختلفت الآراء حول ثورة الشيخ سعيد. فقد قيل إن الشيخ، ورفاقه، كانوا يسعون إلى إعادة الخلافة، التي ألغاها مصطفى كمال آتاتورك، عام 1923، لا إلى الاستقلال الكردي. وقالت الجرائد التركية، آنذاك، إن الجمعيات الكردية، دبرت الثورة تحت ستار الدين، لتصل إلى غايتها الوحيدة، وهي إنشاء كردستان مستقلة، في الولايات الشرقية من تركيا .
    تأسيس جمعية خويبون (الاستقلال)

    على أثر ما نزل بالأكراد، وما حل ببلادهم عقب ثورة 1925، من الخراب والتشريد ، عقدوا مؤتمراً، عام 1927، شهدته جميع الفئات الكردية ومندبو الجمعيات ورؤساء العشائر ووجوه البلاد والمراكز ، وذلك لاتخاذ القرارات السريعة، لجمع الفصائل الكردية المشتتة، واستجماع القوى، لمواصلة نضالهم ضد تركيا. وعقد المؤتمر داخل الحدود التركية، ودامت جلساته مدة شهر ونصف الشهر. واتخذ قرارات منها:
    أ.حل الجمعيات الكردية القائمة، وتأسيس قيادة موحدة للفصائل الكردية، تجمعها باسم جمعية "خويبون" (أي الاستقلال).
    ب.تدريب المقاتلين الأكراد على وسائل الحرب الحديثة، وتنظيم قوات وفق أساليب عسكرية متطورة، وإنشاء مركز عام ومقر للقيادة العليا للثورة، في جبال كردستان، في تركيا.
    ج.مة علاقات قوية بالحكومات، الإيرانية والعراقية والسورية.

    وافتتحت جمعية "خويبون" عدة فروع لها، في كردستان وخارجها. وتولى الفريق إحسان نوري باشا تأسيس منظمة عسكرية كردية، في منطقة جبل أرارات (آغري)، في كردستان التركية، تمكنت من إرسال مجموعات قتالية، حالت دون نفي الحكومة التركية السكان الأكراد من مواطنهم.

    وقد نجحت جمعية "خويبون"، عام 1930، في تنظيم انتفاضة مسلحة في إقليم أرارات (جبال آغري)، بقيادة الفريق إحسان نوري باشا. وكان السبب المباشر لاشتعالها، اتخاذ الحكومة التركية الاجراءات اللازمة لتتريك الأكراد، والأقليات الأخرى . وقد سمحت الحكومة الإيرانية للقوات التركية باستخدام الأراضي الإيرانية لمهاجمة مؤخرة المقاتلين الأكراد. وبعد حرب طويلة، قضي على الانتفاضة، بوساطة القوات والمدفعية والطائرات. واستناداً إلى إحصاءات غير رسمية، فإن 165 قرية و6816 بيتاً، قد دمرت.
    وبدا للحكومة التركية أنها قضت على الحركة الكردية . فأكد عصمت إينونو، رئيس الوزراء التركي، في خطبة، ألقاها في 30 أغسطس 1930، عدم أحقية الأكراد في الاعتراف بهم: "ليس في هذه البلاد جماعة لها الحق بادعاء كيان قومي ووطني، غير الجماعة التركية".
    وقال وزير العدل التركي، محمود أسعد أورامش، في خطبة له في سبتمبر 1930: "هذه هي عقيدتي ونظريتي: ليعلم الصديق والعدو، حتى الجبال أن سيد هذه البلاد هو التركي. فمن لم يكن من الدم التركي، ليس له في الوطن التركي سوى حق واحد، هو أن يكون خادماً وعبداً . نحن في بلاد أكثر حرية من جميع بلاد العالم. هذه هي تركيا. ولهذا، أنا لا أخفي عواطفي وأحاسيسي عن أحد" .
    وبعد القضاء على انتفاضة 1930، فقدت جمعية "خويبون" نفوذها، تدريجاً. وفي أثناء ذلك، سوِّيت النزاعات ما بين الحكومة التركية والإنجليز والفرنسيين، في المسائل العالقة، والتي تمس المسألة الكردية .
    بعد انتفاضة 1930، أمعنت الحكومة التركية في سياستها، الرامية إلى صهر السكان الأكراد، واندماجهم في المجتمع التركي. وأصدرت قانوناً يجيز لها فرض الأحكام العرفية، واستدعاء القوات إلى المناطق الكردية، في الأقاليم الشرقية من تركيا. وصدر قانون، في مايو 1937، رحِّل، بموجبه، مئات الألوف من الأكراد من مناطقهم إلى مناطق أخرى، لا يكونون فيها سوى 5% من السكان. وينص ذلك القانون على: " أن أولئك الذين ليست لغتهم التركية، يحرَمون من إعادة بناء قراهم، أو تشكيل منظمات، حِرفية أو كتابية أو طبقية، ويمنح وزير الداخلية حل هذه المنظمات. وهذا القانون ينافي ما جاء في معاهدة لوزان، من احترام حقوق الأقليات. وشرعت الحكومة التركية، بعد ذلك تنفذ حملة فكرية، لصهر الأكراد وتتريكهم .
    انتفاضة درسيم (1936-1937)
    بعد تردي الأوضاع، الاقتصادية والمعيشية، للسكان الأكراد، شهد عام 1937، انتفاضة في إقليم درسيم، الذي حوِّل إلى ولاية باسم تونجالي، في شكل عصيان كبير، تزعمه سيد رضا، وهو شيخ من شيوخ الطريقة النقشبندية. فقد شكلت الحكومة دائرة التفتيش العامة الرابعة في الولاية. وأصدر المفتش العام، الجنرال ألب دوغان، أمراً بفرض حالة الحصار على ولايات تونجالي وأليازيغ وبين جول، وطلب من الأكراد تسليم 20 ألف بندقية، وإلاّ فسينالهم عقاب شديد. وأرسل زعيم الأكراد، سيد رضا، رسالة إلى ألب دوغان، يطلب إلغاء قراره والاعتراف بحقوق السكان الأكراد. ورداً على ذلك، أرسل الجنرال ألب دوغان فرقة من المشاة، وفوجاً من الدرك، على سكان درسيم، وكانت هذه القوات مدعومة بعشر طائرات من سلاح الجو التركي. وتوقفت العمليات في شتاء 1936، بسبب الثلوج والأمطار والبرد القارس. واستؤنفت الحملة، بعد تحسّن الجو، في الربيع. واستدرج الجنرال ألب دوغان نجل الشيخ سيد رضا، لإجراء مفاوضات، ثم قتله، بوحشية. عندئذ، هبت العشائر الكردية في وجه القوات التركية، التي أحرقت الغابات المحيطة بدرسيم، لإرغام الثوار الأكراد على الخروج من الملاجئ الجبلية، ووجهت مدفعيتها صوب مواقع الشيخ سيد رضا، وفصيله. وتمكن الجنرال ألب دوغان، بحيلة إجراء مفاوضات مع سيد رضا، أن يقبض عليه، في 5 سبتمبر 1937، وقدِّم هو ورفاقه، للمحاكمة، في 10 نوفمبر 1937، وحكمت المحكمة بإعدام أحد عشر من قادة الانتفاضة. ونفِّذ الحكم في 18 نوفمبر 1937.
    وشرعت الحكومة تنكل بالسكان الأكراد. وقال وزير الداخلية التركي، وقتها، جلال بك، إن القضية الكردية لا وجود لها، بعد اليوم. وإن العصاة جرى تلقيحهم بلقاح الحضارة، من طريق القوة " في إشارة إلى الرأي التركي القائل بأن الأكراد، ما هم إلإ أتراك الجبال، الذين تخلّفوا حضارياً .
    كانت العمليات العسكرية ضد الأكراد، في درسيم، قوية وعنيفة، إلى درجة أن الحركة القومية الكردية، ظلت، بعدها، ساكنة على مدى نصف قرن تقريباً .
    ولقد عزا بعض المؤرخين هذه الثورة إلى إجراءات القمع، التي مارستها الحكومة ضد زعماء القبائل، في تلك المنطقة.
    كما أرجعها بعضهم إلى نشر قانون، هدفه تحقيق تتريك الأقليات غير التركية، واندماجها في الشعب التركي .
    وقيل إن هذا العصيان، كان مدعوماً من الاتحاد السوفيتي، وإنه زود الثوار، في درسيم ، بالسلاح والمال.
    وفي يونيه عام 1937، عقد "ميثاق سعد آباد" بين تركيا وإيران والعراق وأفغانستان، تحت إشراف بريطانيا. وكان هذا الميثاق موجَّهاً، بصورة رئيسية، ضد الحركات الكردية. فتقول إحدى موادّه :إن كلاً من الأطراف الموقعة، تتعهد باتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون قيام أي نشاط لعصابات مسلحة، أو جمعيات، أو منظمات، تهدف إلى إطاحة المؤسسات الحالية، التي تتحمل مسؤولية المحافظة على النظام والأمن، في أي جزء من حدود الأطراف الأخرى"، ولقد انتهى أثر ذلك الميثاق بنشوب الحرب العالمية الثانية .

    المسألة الكردية في تركيا بعد الحرب العالمية الثانية

    استكانت الحركة الكردية المسلحة، خلال فترة الحرب العالمية الثانية، حتى أن جريدة "صون بوستا" (Son Posta) التركية ، قالت، في 11 أبريل نيسان 1946 :
    "لا وجود في تركيا قَط لأقلية كردية، ولا مستوطنة ولا مرتحلة طلباً للرعي، ولا هي ذات وعي قومي، ولا هي من دونه" .
    ج- المسألة الكردية، في تركيا، في فترة تعدد الأحزاب، حتى عام 1980
    -
    ظلت المناطق الكردية، في شرقي تركيا، في العهد الجمهوري، تعاني التخلف، في مجالات، الزراعة والصناعة والتعليم، ويطلق عليها "المناطق المحرومة". ولم تَجِد الحكومة التركية وسيلة لإخماد الثورات والانتفاضات الكردية، غير القمع العسكري، والتهجير والنفي والتعذيب، والتمادي في حرمان الأكراد حقهم في التحدث بلغتهم، أو إصدار جريدة أو مجلة باللغة الكردية. وكان العسف والقسوة والوحشية، تزداد في فترات الانقلابات العسكرية، التي شهدتها تركيا الحديثة، في أعوام 1960 و1971 و1980 على التوالي. ولم يطرح أي حلول سلمية لهذه المعضلة، التي لا تعترف بها الحكومة، أصلاً .
    -
    لم تسمح الدساتير التركية، في أعوام 1924 و1961 و1981، للأقليات القومية في تركيا، بتأسيس أحزاب سياسية. مما ولّد في نفوس الأكراد شهوة الانتقام ، والتطلع إلى التحرر ، ورد العنف بالعنف.
    وظلت المناطق الكردية مغلقة، حتى أوائل الستينيات، حين بدأ التململ بين الأكراد، فأسسوا الجمعيات والأحزاب السرية، التي كانت تأخذ، في مسيرتها، بالمناهج الشيوعية الماركسية، اللينية أو الماوية، والاشتراكية، وأخذت تعمل بطريقة سرية، وأحياناً، متضامنة مع حزب العمال التركي اليساري، الذي حظرته السلطات، فيما بعد.
    -
    وفي أعقاب الانقلاب العسكري، عام 1960، بقيادة جمال جورسيل، أصدرت لجنة الاتحاد الوطني القانون الرقم 105، في 17 أكتوبر 1961 الذي جرى، بمقتضاه، تهجير العائلات الكردية غير المرغوب فيها، وبصورة قسرية، إلى مناطق أخرى في تركيا .
    -
    استمرت الحكومات التركية في سياسة صهر الأكراد، بعد أن منعتهم من فتح مدارس لهم، أو إصدار المطبوعات الكردية، واستخدمت محطات الإذاعة، التي أنشئت في أرضروم وديار بكر ووان، لبثّ اللغة والثقافة التركيتين بين الأكراد. وأغفلت اللغة الكردية وثقافتها.
    -
    من جانب آخر، أَولى قادة الحركة القومية الكردية في تركيا، ثقافة الشعب الكردي، اهتماماً كبيراً. فنشطوا نشر نتاجهم الأدبي باللغة التركية. فترجمت ملاحم الشعب الكردي مثل ملحمة "ميم و زين" للشاعر الكردي أحمد الخاني ( 1591-1652) باللغة التركية، عام 1968. ولكنها صودرت، ولم تصل إلى القراء.
    -
    نشأت منظمات سرية كردية، في كردستان تناضل من أجل الاعتراف بحقوق الأكراد القومية. فأُسِّس الحزب الديموقراطي الكردستاني، في تركيا في أواسط الستينيات، وحزب تحرير الأكراد، في تركيا، ورابطة الحرية، ومنظمة مقاتلي كردستان.
    -
    إلى جانب المنظمات الكردية السرية، أخذت تتشكل، في السيتينيات، منظمات شبابية، علنية، مستترة بالمؤسسات والمنظمات، الاجتماعية والثقافية، اليسارية التركية. ففي أغسطس 1969، أنشأت مجموعة من الشباب الأكراد مراكز ثقافية، في شرقي تركيا، ضمن تنظيمات حزب العمال التركي، وبارتباط وثيق معه. وبلغ عدد المنتسبين إلى هذه المراكز عشرين ألف عضو. وعملت على تطوير اللغة الكردية، والفلكلور الكردي، وتاريخ الأكراد وأدبهم، ونشطت في نشره .
    -
    أرسلت الحكومة التركية وحدات من قوات الكوماندوز والدرك، في أوائل السبعينيات، لشن هجمات على الأكراد، في مناطق: حكاري وماردين وسلوان وباطمان وبيسميلي وديار بكر وملازكرت وتوتاك وتيكمان وكار يازي وكيفي. ورافق هذه الهجمات اعتقالات بين صفوف الأكراد، والتنكيل بالسكان. وفي أوائل أبريل 1970 حاصرت قوة مسلحة من الكوماندوز مدينة سلوان، بحجة مصادرة السلاح، فلجأ الأهالي إلى العصيان ضد السلطات المحلية. وقد اعتقل أكثر من ثلاثة آلاف كردي في تلك الأحداث، إضافة إلى تفتيش البيوت وتعذيب الرجال.
    -
    وبعد إنقلاب عام 1971 أُعلنت الأحكام العرفية، وحالة الطواريء، في 26 أبريل 1971. وفي أثناء الحملات، التي شملت مناطق البلاد الرئيسية، اعتقل عدد كبير من قيادات الأكراد البارزين، من أمثال: كمال بورقاي وموسى عنتر وطارق زياد إيكنجي ومهدي زانا ومحمد أمين بوز أرسلان ويسف إيكنجي وناجي قوتلاي وجانب إيلدير وغيرهم .
    -
    وفي أغسطس 1972 حكمت المحكمة العسكرية في ديار بكر، على عالم الاجتماع البارز، إسماعيل بيشيكجي، بالسجن لمدة 13 عاماً، بتهمة نشاطه في الدعاية الشيوعية والكردية، في محاضراته، في جامعة أرضروم.
    -
    نتيجة مساعي حزب الشعب الجمهوري، الذي يسيطر عليه اليساريون، أقرّ البرلمان التركي، في ربيع 1974، قانون العفو، الذي أُطلق، بمقتضاه، المعتقلون من السجون، بمن فيهم عدد كبير من الشخصيات الكردية البارزة، من ذوي الاتجاهات اليسارية. وفي ظل تغاضي حزب الشعب الجمهوري، بقيادة بولنت أجيفيت، عن أنشطة الحركات السياسية الكردية داخل أروقة الأحزاب اليسارية ، تأسس الحزب الاشتراكي الكردستاني ، ومنظمة "طريق الحرية" (Ozgürlük Yolu)، ومنظمة "شمس الوطن" (روزا ولات).
    غير أن أكثر الأحزاب نفوذاً، في تلك المرحلة، كان الحزب الديموقراطي الكردستاني، الذي وحّد التنظيمات الكردية السرية . وفي عام 1974، طرح برنامجه، الذي تمثلت فيه التوجهات الماركسية للحركات الكردية . وكان من أهم بنوده ما يلي:
    1 -
    أن ينال الشعب الكردي حق تقرير مصيره بنفسه. ويرى الحزب أنه يمكن تحقيق هذا الهدف من طريق الثورة الوطنية والديموقراطية والنضال الشعبي. ولهذا، قرر الحزب إنشاء قوات المقاومة المسلحة (المادة الثانية).
    2 -
    يترتب على الحزب الديموقراطي الكردستاني، في تركيا، بعد تشكيل الجيش الشعبي، تطهير المناطق الكردية من القوات المسلحة التركية، وإقامة سلطة شعبية ديموقراطية في كردستان التركية. ولكي يقرر الحزب مصيره، بصورة مستقلة فإنه ينشئ جبهة معادية للإمبريالية والفاشية والإقطاعية. وتضم هذه الجبهة جميع فئات الشعب الكردي، وكل القوى الديمقوراطية الوطنية.
    3 -
    يرى الحزب أن القوى الأساسية للشعب الكردي، هي جماهير الفلاحين، ويعتمد عليهم في أنشطته، ولكنه يسترشد بأيديولوجية الطبقة العاملة (المادة الرابعة).
    4 -
    يرى الحزب، أن العدو الرئيسي لجميع الشعوب المناضلة في سبيل التحرر، القومي والوطني، هو الإمبريالية، التي أبرمت معاهدات، سياسية وعسكرية، مختلفة مع الحكومة التركية.
    5 -
    يجب رسم حدود كردستان التركية حسب العوامل، العرقية والجغرافية والاقتصادية والتاريخية (المادة السابعة).
    6 -
    ستكون اللغة الكردية لغة رسمية في كردستان التركية (المادة الثانية).
    7 -
    المجموعات العِرقية، غير الكردية، في كردستان التركية، ستوفَّر لها الظروف لتطوير ثقافتها ولغتها (المادة الثانية والعشرون).
    إذ كان الحزب الديموقراطي الكردستاني، يعمل في السر، فإنه لم يتمتع بنفوذ كبير بين الجماهير، ولم يكن لديه قوة، مادية وعسكرية، كافية لتحقيق أهداف الكراد في حق تقرير المصير.
    -
    في عام 1975، شكلت الشبيبة الكردية، في كلٍّ من استانبول وأنقرة، جمعيات ثقافية علنية، باسم "نوادي الثقافة الثورية الديموقراطية" (Devrimci Demokratik Kültür Dernekleri)، انضم إليها عدد كبير من الأعضاء السابقين في المراكز الثقافية في شرقي تركيا. وأظهرت نشاطاً ملحوظاً في المناطق الكردية، مثل: ديار بكر وقزلتبه وديرابك ومازي داغ والجزيرة وحكاري وغيرها .
    -
    كما عملت في كردستان التركية، وبصورة علنية، جمعية النساء الثورية الديموقراطية، ومجموعة المعلم الديموقراطي، ومنظمات أخرى، تزيد على عشر جمعيات ومنظمات كردية، صغيرة ومتنوعة ، ذات صبغات سياسية مختلفة.
    -
    أواخر ديسمبر 1978، وقعت حوادث دموية في مدينة قهرامان مرعش، في جنوبي شرقي تركيا، راح ضحيتها أكثر من مائة شخص، وجرح المئات، نتيجة للصراع بين السُّنة الذين مثلتهم ميليشيات الحزب التركي القومي، اليميني المتطرف، أتباع ألب أرسلان توركش، وبين العلويين، الذين كان أغلبهم من الأكراد. ومن الفور، أعلنت الحكومة حالة الطوارئ، لمدة شهرين في ثلاث عشرة ولاية من ولايات تركيا، التي تسكنها أغلبية كردية .
    -
    في مارس 1979، أصدرت القيادة العسكرية، في ظروف حالة الطوارئ قرارات تمنع صدور وبيع أكثر من عشرين جريدة يسارية، ومنها المطبوعات الكردية، الصادرة باللغتين، التركية والكردية، مثل: "روزكاري"، و"روزا ولات"، و"الشباب الديموقراطي الثوري" (Devrimci Dimokrat Gençlik)، وغيرها.
    -
    في النصف الأول من أبريل 1979، زار العراق قائد الأركان العامة للجيش التركي، الجنرال كنعان أفران، وأجرى مباحثات للتنسيق بين البَلدين في مقاومة الحركات الكردية.
    عناصر دولة:
    رد مع اقتباس  
     

  2. #14  
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,620
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    أوجلان رمز مرحلة فارقة في نضال شعبه يؤكد الواقع السياسي انه ليست ثمة قوة عالمية او اقليمية تتعاطف مع الاكراد صدقاً وتقبل باقامة دولة لهم وتلك كانت قناعة تاريخية قديمة غالباً ما كانت تتجاوزها الظروف لحين من الزمن, وسرعان ما تعود هذه القناعة لتسيطر على الاذهان.فقد كان تشتيت الاكراد مطلب عالمي واقليمي, وحاول الغربيون دائماً تعضيد ذلك بالعمل على تشرذم الاكراد داخلياً , فتم استقطابهم الى محاور متنافرة وتلك سياسة لا تزال تحقق أهدافها بنجاح حتى الآن.
    ويرى المراقبون ان فترة كفاح عبدالله اوجلان وحزبه شكلت فاصلاً حاسماً في تاريخ هذه القضية فقد حولها الى قضية حقوق وقضية انسان وأيديولوجيا اكثر من كونها صراع مصالح, لقد فصل القبض عليه تاريخا عن تاريخ. قاد اوجلان وفريقه السياسي الممثل بحزب العمال الكردستاني حرباً ضد السلطة التركية منذ عام 1982 فكان ضحية الحرب شبه الأهلية هذه اكراد واتراك صفاهم اوجلان ليبقى هو وحزبه المرجع الاول والاخير. ويشير الدارسون الى انه لم يترك طريقه للانفراد بالسلطة الا واتبعها حتى التصفية الجسدية لمعارضيه, كما الحقت الحرب دماراً كاملاً بالاقتصاد في المناطق الكردية من تركيا.. ومن هنا جاء القبض عليه كانتصار شعبي وسياسي للحكومة التركية. ورث حزب العمال الكردستاني منظمة الشباب الثوري الماركسية التي كانت تعرف باسم (ديف كينج) وهي منظمة يسارية تركية لم تكن تود الشعب الكردستاني, فنبذ اوجلان عضويتها واستقطب عدداً كبيراً من كوادرها ذات الاصول وكون بهم النواة الاولى لحزب العمال على أسس ماركسية لينينية ستالينية في غاية التشدد والولاء للفكر الشيوعي الاصولي بكل حرفياته, واعلن انه كرس حزبه الجديد لهدف واحد هو محاربة (الامبريالية) التركية لتحرير الوطن الكردي. كان اوجلان مندفعاً ايديولوجياً بشكل مختلف عن المنطق الجديد الذي يتعامل به اصحاب العقيدة الاساسيين في موسكو, تجاه تركيا, رغم ان اهمية الملف الكردستاني لم تتضح لروسيا الا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي, بينما كان اندفاع تركيا مدعوماً امريكياً للهيمنة على الدول الاسلامية المنسلخة عن الاتحاد السوفييتي. ومع ظهور النفط القزويني وسعي تركيا لتسيير خطوط النفط الاذري والكازاخستاني عبر اراضيها, اتجهت روسيا لاستخدام ورقة الضغط الكردية لانذار تركيا.. وظل استخدامها ذاك مقصوراً على السماح لاوجلان وحزبه بتنظيم اعمال حزبه واقامة المؤتمرات والمهرجانات الخطابية وذلك افزع تركيا, فسكتت عن القصف الروسي للشيشان, وشجع ذلك الروس عن نبذ الورقة الكردية. وبدأت تركيا تحصي الدقائق لمغادرة عبدالله اوجلان روسيا, وصار اوجلان وحزبه محظورين في روسيا, وذلك ما اطرب قادة الترك, رقصت مؤسساتهم العسكرية طرباً وهيأت نفسها لحصار (متمردي الحزب) في مناطق جبلية بشرق تركيا وفي شمال العراق وفي كل مكان كان يمكن ان تجدهم فيه فقد تغيرت المعادلة الجيوسياسية وعلى تركيا الان ان تنهي هذا الامر للأبد. كان اوجلان قلقاً ازاء فكرة الفناء السياسي او الروحي لكنه ضيق على نفسه كثيراً باتخاذ ذلك الموقف الايديولوجي الذي ضيع عليه بقية فرص المناورة ويرى المراقبون انه طابق بين كل من موقف امريكا وتركيا وذلك في تبسيط شديد للامور ينزع اليه عادة غلاة الايديولوجيين. لكن اوجلان كان متجهاً للتحول السياسي وهذا امر تمر به كل الثورات, انه يحارب وينهك ويستنزف عدده ويكسب الرأي العام ويفاوض, ما يهم ان يشغل الطرف الآخر دائماً.
    الاكراد في حسابات تركيا والمنطقة اشكالية الحركة الكردية في تركيا كبيرة, فالأخيرة لا تعترف اساساً بوجود اية أقليات على أراضيها ويرى كثيرون انه من الخطأ البالغ اطلاق لفظ أقلية على أكراد تركيا لأنهم يشكلون ما يقرب من ثلث سكان تركيا ويقدرون بحوالي 20 مليون نسمة اليوم, بينما الثلثين الآخرين ليسوا عرقاً واحداً فيهم الارمن والعرب والشركس وبعض الاعراق الاخرى وتواجد الاكراد على الاراضي التركية اقدم من تواجد الاتراك, الا ان الامر نسبي ويعود الى اختلاف في وجهات النظر التاريخية والمرجعيات. لكن تركيا متشددة تجاه الجنسية التركية (لقد نقل عن شيللر قولها ذات مرة: ان كل من يعيش على تراب تركيا هو تركي.. هكذا قال اتاتورك, ان في بلدي اربعين اقلية لكنهم لن يكونوا خارج هذا القانون) . ولذلك فالأتراك يرون انه لا يجوز بأي حال تقسيم الشعب التركي الى قوميات خاصة, خاصة وان جميع مواطني تركيا (اكراد وغيرهم), يتمتعون بحقوق المواطن العادي وعندما تحسست الادارة التركية النزوع للانفصال من المنظمات السياسية الكردية اعتبرت ان هذه المنظمات تدخل في دائرة الارهاب. حتى عندما تراجع اوجلان عن فكرة الدولة الكردية المستقلة ونادى بحكم ذاتي لكردستان التركية, ادركت تركيا ان ذلك ضد مبادىء اتاتورك في وحدة الوطن ومقدمة لا شك فيها للانفصال, وهكذا جاء القبض على اوجلان ضرورة محتمة وعدته انتصاراً لقوميتها.
    أزمة وعلاقات متشابكة تركيا في أزمة بحثها عن الهوية كانت ممزقة بين الانتماء الى اوروبا وآسيا ومنطقة الشرق الاوسط, وعانت سياساتها من تذبذبات بسبب الاوضاع الداخلية مما يسمى بالصراع بين الاتجاهين العلماني والتيار الاسلامي. والحكومة التي ترسم سياساتها الخارجية, تعطي للجيش الحق في تحديد ما هو مرتبط بالامن والدفاع, وهكذا كان الشأن مع القضية الكردية, حكومة تركيا تزعم بعدم وجود مشكلة مع أكراد تركيا بينما مؤسستها العسكرية تسلك منهجاً آخر في القضاء عليهم, حتى لو تطلب ذلك اختراق حدود الجيران والضغط عليهم بقضية المياه. ان الطابع العام لعلاقات تركيا وجوارها هو علاقات صراع وتناقض والبداية من الشرق حيث ايران والتي تتهمها تركيا بمساعدة (الانفصاليين الاكراد) والناشطين شرق الاناضول, وهي تضيف الى ذلك مخاوفها من تأثيرات الثورة الاسلامية في ايران على الاتجاهات الاسلامية في تركيا فقد غدت الاخيرة قوة يحسب حسابها منذ سنوات طويلة وتعدها الحكومة التركية أكبر تهديد للنظام العلماني. وعلاقات تركيا بالعراق لا تقل تردياً عن علاقاتها مع ايران خاصة وان الدولة التركية غدت اكثر الدول تدخلاً في شئون العراق خاصة في الشمال منه وهو تدخل له ابعاد ومستويات مختلفة ومنها الاحتياجات العسكرية المتلاحقة والتي ازدادت بشكل مستمر بعد حرب الخليج الثانية 1991 بحجة ملاحقة الانفصاليين الاكراد. جعلت تركيا من نفسها قوة مؤثرة في صراعات الاكراد وفي حسابات القوى الكردية في الشمال العراقي وجندت بعضا من تركمان شمال العراق وربطتهم بجهازها الامني العسكري في اطار استراتيجيتها الرامية للاستيلاء على الموصل وضمها لها. اما علاقات تركيا مع سوريا, فترى المصادر انها وصلت الى الهاوية في العام الماضي واوشكت تركيا القيام بعمل عسكري واسع ضد سوريا بعد أزمة افتعلتها انقرة متهمة دمشق بمساعدة عبدالله أوجلان وحزبه.. تصاعدت حدة هذه الملفات مع تطور العلاقات الاسرائيلية ـ التركية ـ الامنية مشكلة ضغطاً على سوريا والعراق معاً. ويرى خبراء مركز الدراسات الاستراتيجية والسياسية بالاهرام ان تركيا في طريقها الآن لان تحقق انتصاراً عسكرياً وان تسحق التمرد العسكري الكردي وليس فقط مجرد التخلص من اوجلان فهي تستخدم سياسة الاذرع الطويلة في ملاحقة افراد حزب العمال الكردستاني خارج الحدود التركية وبخاصة داخل حدود العراق. ويضيف الخبراء ان سياستها هذه تقوم على الهجوم المستمر وبالاسلحة الثقيلة على قواعد حزب العمال الكردستاني, لاضعافه, لكنها بالمقابل ساعدت على تقوية المشاعر القومية بين الاكراد سواء في داخل تركيا او خارجها بهذه السياسة.
    رد مع اقتباس  
     

  3. #15  
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,620
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    حزب العمال الكردستاني في بداية الثمانينات أطلق شاب كردي يدعى مظلوم دوغان أمام المحكمة العسكرية التركية في ديار بكر (آمد) صرخته الخالدة ( به رخودان جيانه- المقاومة حياة) وهو متكىء على كتفي جنديين حملاه إلى قاعة المحكمة بصعوبة بالغة من غرفة تعذيبه المظلمة لينقل النضال التحرري الكردي في شمال كردستان إلى مستوى لم يبلغه قط من قبل وليهز بدفاعه البطولي أركان الطغمة العسكرية التي استولت على الحكم بانقلاب عسكري في عام 1980.. مما أجبر جلاديه على حرقه حيا في يوم نوروز الذي يعتبره الكرد عيدهم القومي والادعاء بعدها بأنه انتحر، وإن كان هذا الزعم صحيحا فلأنه لم يعد يتحمل التعذيب الوحشي.. مظلوم دوغان هذا كان عضوا قياديا في حزب العمال الكردستاني رغم صغر سنه وأصبح رمزا وطنيا للمقاومة والفداء والثبات أمام الفاشية التركية. فماذا حدث لحزب مظلوم دوغان؟

    معلوم أن حزب العمال الكردستاني قد ظهر في أواخر بعد انهيار الثورة الكردية الكبرى (1961-1975) التي قادها البارزاني الخالد في جنوب كردستان من أجل الحكم الذاتي لكردستان العراق والديموقراطية للعراق، وكان ظهور مثل هذا الحزب نتيجة طبيعية ورد فعل قوي على ماقامت به الولايات المتحدة الأمريكية وعميلها الكبير الشاه محمد رضا بهلوي في ايران بالتنسيق مع حكومات أخرى في المنطقة من طعن للحركة الوطنية الكردية التي كانت طموحاتها معتدلة واقليمية لا تطرف إسلامي ولا آيديولوجية شيوعية فيها. وتم الغدر بالأكراد من خلال تحقيق اتفاق بين حكومتي العراق وايران في الجزائر عام 1975 دون أي مراعاة لطموحات الشعب الكردي العادلة، وعلى الرغم من أن قيادة الحركة الكردية وضعت ثقتها في أن الولايات المتحدة الأمريكية ستدعمها لتحقيق توازن سياسي واستراتيجي في العراق بعد أن مالت حكومة البعث للسوفيات ميلا شديدا وعقدت معهم معاهدة تعاون قوية تتناول مختلف المجالات، فإن الولايات المتحدة تخلت عنها وتنكر وزير خارجيتها آنذاك هنري كيسنجر لوعوده التي قطعها للزعيم الكردي مصطفى البارزاني بوقاحة لامثيل لها.

    ولما كان هذا بمثابة ضربة للشعب الكردي بأسره فإن رد الفعل الكردي كان قويا بحيث مالت معظم الحركات السياسية الكردية صوب اليسار . وفي شمال كردستان ، ساهم في تأجيج هذا الاتجاه التعنت اليميني المحافظ ضد أي حق من الحقوق القومية للشعب الكردي والتنامي العشوائي المتطرف لليسار التركي وازدياد أعمال العنف ضد الوطنيين الأكراد من قبل الفاشيين الأتراك وبخاصة تنظيمات "الذئاب الغبراء" لآلب اصلان توركيش والتوسع الكبير للآيديولوجية الشيوعية على المستوى العالمي وبخاصة في البلدان المتخلفة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ونجاح بعض الثورات المسلحة في الصين وكوبا وغيرهما. وكانت الثورة الفلسطينية بنشاطاتها الواسعة في منطقة الشرق الأوسط واتجاهاتها العديدة وبخاصة أجنحتها اليسارية مثار انتباه واهتمام الشباب الأكراد وذات جاذبية عجيبة في صفوفهم ، فكان ظهور حزب العمال الكردستاني متطرفا في الآيديولوجية، حادا في أسلوب العمل، شديدا في التنظيم وشاملا في المطالب القومية السياسية للشعب الكردي، فنادى باستقلال كوردستان وبالعمل من أجل تحقيق فيدرالية شيوعية في منطقة الشرق الأوسط وبالنضال الثوري المسلح ضد الفاشية التركية على الرغم من قلة الامكانات وضعف التنظيم وعدم وجود خبرة في المجالين السياسي والعسكري . ويعترف زعيم الحزب عبد الله أوجلان المحكوم عليه بالاعدام في سجن ايمرالي التركي بأن حزبه بدأ متطرفا ومثاليا وغير مجرب ، ويأتي اعترافه هذا بعد ربع قرن من تأسيس حزبه في كتابه المترجم إلى العربية " دفاعي منعطف على مسار الحل الديموقراطي " الذي لايرد فيه لفظ كردستان إلا مرتين أوثلاثة وفي سياق نقل كلام على لسان مصطفى كمال (أتاتورك) ، في حين يطنب فيه الحديث عن الديموقراطية والجمهورية التركية ويمدح الكمالية الطورانية...

    ومن أجل فهم التحولات الأخيرة التي حدثت في حزب " مظلوم دوغان" وسائر المناضلين الذين قدموا أرواحهم في ساحات القتال أو ماتوا تحت التعذيب أو تم اغتيالهم من قبل الكونترا غريلا والمنظمات شبه العسكرية التركية والذين قضوا جوعا في اضرابات عن الطعام حتى الموت أو تم تصفيتهم من قبل قيادة الحزب نفسه أو أحرقوا أنفسهم احتجاجا وتضامنا مع زعيمهم الذي رفعوه إلى مستوى الأنبياء كابراهيم وموسى وعيس ومحمد واعتبروه زرداشت العصر الحديث ، يجب تقسيم تاريخ حزب العمال إلى ثلاث مراحل:

    - مرحلة النضال من أجل استقلال كردستان والمجتمع الشيوعي ( من التأسيس عام 1979 إلى 1993)

    - مرحلة التراجع عن هدفي الاستقلال والشيوعية ( من 1993 إلى اعتقال أوجلان في شباط / فبرايرعام 1999)

    - مرحلة التحول عن الأهداف القومية إلى رفع شعار " الجمهورية الديموقراطية" (منذ اعتقال واختطاف أوجلان)

    كان ظهور حزب العمال الكردستاني بعنفوانه الوطني وتضحيات كوادره الثوريين ومقاومتهم للتعذيب والإرهاب العسكري التركي وتصديهم لمختلف التيارات اليسارية الانتهازية في تركيا بعد رقاد طويل للحركة الوطنية الكردية وتشتت وانشقاقات متتالية فيها ، ونتيجة لما حدث للشعب الكردي في جنوب كردستان بعد انهيار الثورة أملا كبيرا في أن يتحرر الشعب الكردي من قيوده ويتقدم بخطى سريعة صوب الحرية والحياة . وبدأت مناقشات حادة وواسعة داخل صفوف الحركة الوطنية الكردية في كل مكان وساهم في تعزيز هذا الاتجاه المغني الثوري (شفان) الذي حول أشعار (جيكرخوين) الثورية والطبقية إلى سلاح قوي بيد الحزب واستطاع بصوته الجهوري الرائع أن يلفت انتباه كل الشعب الكردي إلى شمال كردستان وإلى الثورة المرتقبة تحت لواء الحزب الجديد المولود من رحم الطبقات الشعبية المسحوقة من عمال وفلاحين فقراء.. وازداد هذا الدعم الشعبي بشكل ملحوظ بعد هروب قادة الحزب الناجين من القتل والاعتقال ومنهم عبد الله أوجلان إلى سورية ولبنان وتمكنهم بعد جهد جهيد من اقامة علاقات رفاقية ثورية مع بعض أجنحة وقادة الثورة الفلسطينية وبناء نقطة ارتكاز لهم في البقاع اللبناني بعد أن أبدوا مقاومة رائعة في قلعة شقيف في وجه الجيش الاسرائيلي أثناء زحفه على جنوب لبنان ..

    وباحتضان حزب العمال الكردستاني من قبل الحكومة السورية في الثمانينات ودعمها من قبل الثورة الايرانية المعادية لأمريكا وتركيا وكذلك من قبل النظام العراقي الذي طمح في استخدام الحزب ضد المقاومة الكردية التي اندلعت من جديد في كردستان العراق ، ونتيجة لممارسة كوادر حزب العمال وقيادته نضالهم السياسي بشكل جدي والتزام واحتراف لا مثيل لهما من قبل في تاريخ الحركة الكردية واستعداد الحزب للقيام بالنشاط المسلح في شمال كردستان لمع نجم عبد الله أوجلان الذي انتهز الوضع واتساع رقعة نشاط الحزب عالميا لتثبيت مركزه كزعيم أوحد للحزب مستخدما سلاح التصفيات السياسية والجسدية ضد كل من تخول له نفسه الاعتراض على نهجه القاسي والمتسم بالعداء لكل ما هو خارج الحزب من دول وحكومات وأحزاب ومنظمات دولية وأشخاص ذوي آراء وانتقادات .. وتم له ذلك وبخاصة بعد اعلان الحزب الثورة من أجل استقلال كردستان وتحقيق الشيوعية في عام 1984 وهرع الأكراد من كل مكان يؤيدون هذا الحزب بدمائهم وأموالهم وكوادرهم وبكل ما يطلبه الحزب منهم ، وبخاصة الشباب الكردي السوري الذي كان يرى أمامه حركة قومية كردية مشتتة وضعيفة وعاجزة عن تحقيق أي هدف من أهدافهم القومية أو الطبقية في الجزء الملحق بسورية من كردستان فالتحق الآلاف منهم ، فتيانا وفتيات بصفوف الثورة المسلحة تاركين دراساتهم وأعمالهم وبلادهم التي بحاجة ماسة إلى سواعدهم.

    وفي الحقيقة ليس هناك طرف كردي إلا وساعد حزب أوجلان أو حاول التقرب منه والتحالف معه ، حتى الحزب الديموقراطي الكردستاني برئاسة مسعود البارزاني الذي أمد الحزب بالعتاد والسلاح وتوصل معه إلى اتفاق ثنائي كردستاني في الوقت الذي كانت عناصر قيادية من حزب العمال الكردستاني تحاول بشتى السبل اقامة علاقات سرية مع أجهزة الاستخبارات العراقية (حسب الوثائق المنشورة فيما بعد والتي في أيدينا نسخ منها) وتبدي استعدادها للانخراط في القتال ضد "الجيب العميل في الشمال العراقي" مقابل ايوائهم ودعمهم من قبل الحكومة العراقية. وكانوا يقصدون بالجيب العميل "الحزب الديموقراطي الكردستاني" ولا أحد غيره.
    بعد اعلان الثورة تنامى عدد مقاتلي حزب العمال بصورة متزايدة وساهم في تقوية ذلك نشاط المنظمات الكردية العمالية والطلابية في أوروبا التي أمدت الحزب من خلال جمع التبرعات وتنظيم الاحتفالات واستخدام الضغط والاكراه أيضا في تحقيق تمويل منظم بملايين الدولارات شهريا لقيادة الحزب التي تمكنت بتلك الأموال من توسيع رقعة تنظيمها وبلورته والاستفادة من سائر الخبرات العلمية والتكنولوجية لبناء خلفية جماهيرية عظيمة ومتماسكة داخل البلاد وخارجها، وفي كل أجزاء كردستان وفي جمهوريات الاتحاد السوفييتي حيث تتواجد جاليات كردية كثيرة، وأصبح الحزب عمليا أقوى تنظيم كردي على الاطلاق من سائر النواحي المالية والتنظيمية والاعلامية والتكنولوجية واشتهر دوليا من خلال تطرفه واثارته المشاكل اليومية للحكومات الأوربية وممارسة القتل والاغتيال وحرق المحلات التجارية التركية وتنظيم المظاهرات المتواصلة وتوسيع المنشورات على نطاق واسع وتنظيم الاضرابات عن الطعامحتى الموت سواء في سجون تركيا أو في المدن الأوربية.. فازدادت قيادة الحزب غرورا واعتقدت بأنها لن تقهر بعد اليوم وستحقق أهداف الشعب الكردي في الاستقلال والحرية ، ولذلك فإنها حاولت تصفية مختلف التنظيمات الكردية الأخرى من ديموقراطية ويسارية وشيوعية واسلامية لتنفرد بالساحة وتحقق هدفها الشيوعي الذي لا يقبل شيئا آخر إلى جانبه، أو ارغامها على الانخراط في برلمان شكلي أحدثه في أوروبا ومؤتمر وطني كردستاني له اليد العليا فيه، إلا أن نقطة الضعف البارزة في مسيرة الحزب كانت مسألة الشخصية التي تحدث عنها عبد الله أوجلان بنفسه في كتاب ضخم جعله كانجيل للثوار في حين لم يطبقه على نفسه مطلقا.


    لقد ترك الحزب – برضى منه أو رغما عنه – المجال لأن يتفرد أوجلان بالزعامة ويصبح التمثال الذي يركع حوله كل الأعضاء والأنصار ويصفقوا له ويقروا له بكل شيء ولايعارضوه في شيء، والذين انتبهوا إلى هذه النقطة الضعيفة تم تصفيتهم سياسيا أو جسديا دون رحمة ومنهم حسين يلدرم وعصمت دوغان وسليم جوروكايا وممد شنر وكثيرون آخرون…


    ولكن التغيرات التي طرأت على المستوى العالمي وانهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية وعدم تطور الكفاح المسلح إلى حرب المدن رغم التضحيات الجسيمة (حوالي 30000 ) قتيل، مقابل ازدياد عنف القوات المسلحة التركية وممارسة سياسة التطهير والابادة وإفراغ القرى وتدمير البلدات الصغيرة (حوالي 4500 قرية) وتسخير حزب الله التركي للقيام بالتصفيات الجسدية (أكثر من 15000 جريمة قتل غامضة) وهروب الملايين من الكرد إلى غرب تركيا وظهور منشقين أقوياء في صفوف القيادات الداخلية وضغط الحكومات المعنية بالقضية الكردية على قيادة أوجلان وكذلك وقوف الحكومات الأوربية مجتمعة في وجه التحول صوب العنف على الساحة الأوربية، إضافة إلى وضع اسم حزب أوجلان في قائمة المنظمات الإرهابية، والأخطاء السياسية الفادحة وبخاصة نقل الصراع المسلح إلى ساحة جنوب كردستان ضد القوى الوطنية الكردية وفي مقدمتها الحزب الديموقراطي الكردستاني.... كل ذلك أوقع أوجلان بين فكي كماشة قوية وأجبره على التراجع والتنازل والانكفاء ، وبخاصة منذ عام 1993 ..


    وفشل أوجلان في الاستمرار في وقف العمليات الحربية من طرف واحد تلبية لإلحاح من رئيس الجمهورية التركية توركوت أوزال الكردي الأصل عن طريق السياسي الكردي جلال الطالباني المتحالف معه آنذاك ، فما كان منه إلا أن ألقى التبعة على مسؤول عسكري كبير في حزبه هو سليم صاقيق زاعما بأنه لم يلتزم بأوامره الشخصية في حين ادعى الأخير بأنه كان ينفذ أوامر القيادة بحذافيرها ، وكانت التهم المتبادلة من جملة الأسباب في أن يهرب صاقيق إلى جنوب كردستان مثل آخرين من رفاقه ، حيث خطف بعد ذلك من قبل القوات التركية وحكم عليه بالاعدام ولايزال حيا في السجن ..

    ولقد اضطر أوجلان في محاولة يائسة لتفادي تحميله مسؤولية الإرهاب والاغتيال والتصفيات داخل حزبه وخارجه من قبل المجتمع الدولي فأعلن مرارا بأنه لم يعد في موقع يؤهله لفرض سيطرته التامة على حزبه الكبير وبأن هناك من يقوم بأعمال تخريبية بقصد الأساءة إليه وبأنه كلما يزور معسكره في البقاع يسمع بأن أحد مسؤوليه هناك (هوكر) الذي هرب إلى كردستان العراق كان يقوم بتصفية الرفاق الحزبيين داخل المعسكر دون علمه أو أوامره. وكان لابد أن يتخلص أوجلان من مسؤولين آخرين مثل (ممد شنر) الذي كان يقود المقاومة داخل السجون الرهيبة من قبل فأرسل من يغتاله في الجزيرة السورية بذريعة أنه من عملاء السلطة التركية ، كما اضطر للقيام بمثل هذه الأعمال ضد قياديين آخرين رفضوا أن يتخلوا عن نهج مظلوم دوغان الثوري.


    إزاء هذه الاضطرابات والضغوط والانتكاسات العسكرية وبسبب انهيار الخلفية الايديولوجية على الصعيد العالمي كان لابد لأوجلان ومؤيديه أن يعرضوا السلام على الجنرالات الأتراك ويلتقوا بهم سرا ، إلا أن الحكومة التركية التي لاتقبل بوجود الشعب الكردي وكانت تحلم بانتصار ساحق على حزب العمال الكردستاني أصرت على موقفها المتعنت تجاه حل سلمي للقضية الكردية ولكنها حاولت دفع حزب العمال بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى نقل المعركة كليا إلى داخل كردستان العراق لضرب الكرد بعضهم ببعض وتشتيت قواهم وتصفية الانجازات التي حققها أكراد العراق بعد انتفاضة 1991 وتحت غطاء الحماية الدولية وفي مقدمتها بناء ادارة كردية وتحقيق نموذج ديموقراطي وتحولهم عن فكرة الحكم الذاتي إلى المطالبة بالفيدرالية ومن ثم اقرارها من قبل البرلمان الكردي في الاقليم وتطوير القوى المادية والاقتصادية والحربية والتنظيمية بحيث باتوا يشكلون قوة لايستهان بهم تحسب لها تركيا ألف حساب وتخشى من أن يحققوا أهدافهم القومية في العراق فيؤثروا في خريطة المنطقة وبالتالي في الخريطة السياسية والجغرافية لتركيا أيضا. ولبى حزب العمال الكردستاني النداء ، بصورة غريبة ، وتوالت المعارك ضد قوى الشعب الكردي في الجنوب وتعرض حزب العمال لفشل سياسي ذريع وانتكاسة عسكرية شبه مدمرة..

    وهكذا بدأت قيادة أوجلان تطرح مشاريع سياسية جديدة اختفى منها مصطلح "الاستقلال الوطني" واكتفت بالدعوة إلى حل سلمي ضمن حدود الدولة التركية يتلاءم مع ظروف تعايش الشعبين التركي والكردي وواقع تحول سريع في العلاقات الدولية وفي النظام الاقتصادي العالمي بشكل خاص.

    ومنذ عام 1989 بدأت تركيا بحملة دولية محمومة وبممارسة ضغوط رهيبة على سوريا لاجبارها على التخلي عن أوجلان وهددت باعلان الحرب عليها لانتزاعه منها في أقرب وقت. فكان ما كان وخرج أوجلان من سوريا ولبنان لا باتجاه كردستان حيث آلاف الفتيان والفتيات يحملون السلاح بأمره ومستعدون للذود عنه بأرواحهم وانما باتجاه روسيا وأوروبا حيث توقع أن العالم قد صدق ادعاءاته الأخيرة بأنه رجل مسالم ولايريد الحرب ويرفض الارهاب ونسي النضال الطبقي ، كما ظن أن أوروبا ستحميه وأنها لن تتخلى عن مثلها في موضوع حقوق الإنسان، ولما رأى بأم عينيه مئات الألوف من العمال والطلاب الأكراد والنساء والأطفال يهرعون من كل أنحاء أوروبا لزيارته في روما ويقضون الأيام والليالي في الشوارع مطالبين بحمايته ومنحه حق اللجوء السياسي والاعتراف به زعيما للشعب الكردي ، وكيف أن كل أقنية التلفزيون والاذاعات قد جعلت من موضوع فراره مادة مثيرة للغاية شرع بإطلاق عبارات قاسية اتهم فيها مجموعات كبيرة من المثقفين الكرد الواعين وأطرافا عديدة من الحركة الوطنية الكردية بالضعف والخيانة والارتباط بالأجنبي وأظهر نفسه رجل خلاص للشعب الكردي وقوة يهابها العالم وحقيقة تاريخية لامناص من قبولها كما هي .. وفشلت زوجة الرئيس الفرنسي الراحل ميتران وسكرتير رئيس وزراء ايطاليا ماسيمو ديلما في اقناع أوجلان بعدم ترك ايطاليا حتى ولو أدخلوه السجن ، فحبذ الذهاب إلى كينيا بعد أن رفض استقباله الروس واليونانيون وبرفقته بعض المرافقات من حزبه اللواتي لن يتمكن من الدفاع عنه في حال تعرضه لهجوم غادر.. وانتهى الأمر بأوجلان ليعلن فوراعتقاله وهو لايزال في الطائرة التي تقله إلى تركيا بأنه مستعد لخدمة الدولة التركية وكيف لا وأمه التي أنجبته تركية ..

    وهنا تبدأ المرحلة الثالثة من حياة حزب العمال الكردستاني الذي فقد باختطاف أوجلان رأسه المفكر وقائده الأوحد..وعلى الرغم من تهديدات شقيقه الاعلامية بأنه سيحول تركيا إلى مجزرة كبيرة شعر الأكراد بأن بداية النهاية لحزب مظلوم دوغان تلوح في الأفق.. وصرح يومئذ سليم جوروكايا المختفي في ألمانيا منذ هروبه من معسكر البقاع اللبناني ومعارضته لسياسة أوجلان للصحافة الألمانية بأن حقيقة رئيس حزبه أوجلان ستظهرجلية للعالم الآن.

    ويمكن رؤية ملامح هذه المرحلة بوضوح لكل من قرأ دفاع أوجلان أمام المحكمة وما تلى ذلك من تصريحات صادرة عنه أو عن شقيقه عثمان أوجلان الذي تولى مركزه بالنيابة أو تصريحات اللجنة المركزية للحزب ، تتجاوز حدود تغيير اسم الحزب والتخفيف من تطرفه، وتتلخص في :

    الكف عن النضال الآيديولوجي ، الكف عن النضال القومي ، الكف عن النضال الثوري وهذا يعني أن حزب العمال الكردستاني قد تحول عن مبادئه النظرية بمائة وثمانين درجة ..



    وبإلقاء نظرة على كتاب أوجلان الذي ذكرناه من قبل نخرج ببعض النقاط الهامة والمثيرة حقا والتي منها ادعاؤه المستمربأن الديموقراطية دواء كل العلل الاجتماعية والسياسية في الدنيا وأن حزبه لم يقيم بصورة جدية وعلمية سياسة مصطفى كما (أتاتورك) الحكيمة والصائبة وبخاصة قمعه للتمردات الكردية التي وصفها بالانفصالية البدائية والقومية الضيقة والرجعية المتخلفة والمذهبية المدمرة والارتباط بالأجنبي ومحاولة يائسة لاعادة الخلافة والسلطنة متناسيا بأن سياسة مصطفى كمال كانت سياسة أبادة إجرامية من الطراز الأول سواء ضد الأرمن أو الأكراد أو العرب أو اليونان والبلغار وأنه كان المدعوم من قبل الانجليز والفرنسيين وأنه كان عنصريا حاقدا.


    كما أن أوجلان – وحزبه يؤيده في كل شيء – يضرب على هذا الوتر باستمرار "وحدة الوطن والمصالح والدين" وهو شعار أتاتوركي في المرحلة الأولى من حركته لخداع الكرد وتسخيرهم في الحرب ضد اليونان والبلغار والانجليز.. ويسعى بشتى السبل لارضاء المؤسسة العسكرية التركية والشريحة الحاكمة في البلاد في محاولة يائسة لاقناعهما بأنه وحزبه معه سيعملان باخلاص على لجم الحركة القومية الكردية وتفكيك أوصالها وتقريبها من مسار النظام .. وأخطر شيء في مداخلته الطويلة هذه هو دفاعه المستميت عن الميثاق المللي التركي الذي يتنكر لكل حقوق الأقليات القومية في البلاد ويرى في تركيا شعبا واحدا ولغة واحدة ووطنا واحدا وما عدا ذلك يجب بتره وازالته بالعنف.. ولابد من القول بأن حديث أوجلان عن بعض الحقوق القومية الكردية هي محاولة يائسة للتستر على الانحراف التام الذي اتخذ مساره لديه والذي سيؤدي بحزبه إلى الارتماء في أحضان السياسة الرسمية للدولة التركية الطورانية العنصرية المعادية لطموحات كل القوميات الأخرى غير التركية في البلاد وبخاصة الأكراد والعرب.. وما حملة إعلام حزب العمال الكردستاني الحامية لانقاذ " اللغة الكردية" سوى تضليل وقناع زائف يخفي وراءه حقيقة الخروج عن الخط الوطني للحركة التحررية الكردية التي لاتلتقي في شيء مع الميثاق المللي التركي..

    إن القضية الكردية في شمال كردستان معرضة لانتكاسة رهيبة بدخول حزب العمال في هذه المرحلة التي يدعي زعيمها بأنها قفزة نضالية ثورية لامثيل لها بتخليه عن أهداف الشعب الكردي وعن الكفاح الثوري وعن مطالب الجماهير الكادحة التي عانت الأمرين منذ اندلاع الحرب عام 1984.. والشعب الكردي يريد الحرية وليس انقاذ لغته القومية فحسب. وإن قرار تغيير اسم الحزب الذي دافع عنه قادة الحزب في تصريحاتهم الاعلامية الأخيرة للتملص من كردستانية الحزب هو بمثابة ورقة طلاق بين الأوجلانية والحركة الوطنية الكردية.

    وقد قرر الحزب تغيير السياسة التي يتبعها من اجل تحقيق هدفه وأعلن تغيير اسمه الى مؤتمر الحرية والديمقراطية الكردي (كاديك)، وقال بأنه سيخوض من الآن فصاعدا حملة سلمية من اجل حقوق الشعب الكردي .
    وكان زعيم حزب العمال عبدالله اوجالان قد دعا عقب القاء السلطات التركية القبض عليه عام 1999 حزبه الى وقف اطلاق النار، ولكن الحكومة التركية رفضت طلبه .

    حزب العمال الكردستاني

    في بداية الثمانينات أطلق شاب كردي يدعى مظلوم دوغان أمام المحكمة العسكرية التركية في ديار بكر (آمد) صرخته الخالدة ( به رخودان جيانه- المقاومة حياة) وهو متكىء على كتفي جنديين حملاه إلى قاعة المحكمة بصعوبة بالغة من غرفة تعذيبه المظلمة لينقل النضال التحرري الكردي في شمال كردستان إلى مستوى لم يبلغه قط من قبل وليهز بدفاعه البطولي أركان الطغمة العسكرية التي استولت على الحكم بانقلاب عسكري في عام 1980.. مما أجبر جلاديه على حرقه حيا في يوم نوروز الذي يعتبره الكرد عيدهم القومي والادعاء بعدها بأنه انتحر، وإن كان هذا الزعم صحيحا فلأنه لم يعد يتحمل التعذيب الوحشي.. مظلوم دوغان هذا كان عضوا قياديا في حزب العمال الكردستاني رغم صغر سنه وأصبح رمزا وطنيا للمقاومة والفداء والثبات أمام الفاشية التركية. فماذا حدث لحزب مظلوم دوغان؟

    معلوم أن حزب العمال الكردستاني قد ظهر في أواخر بعد انهيار الثورة الكردية الكبرى (1961-1975) التي قادها البارزاني الخالد في جنوب كردستان من أجل الحكم الذاتي لكردستان العراق والديموقراطية للعراق، وكان ظهور مثل هذا الحزب نتيجة طبيعية ورد فعل قوي على ماقامت به الولايات المتحدة الأمريكية وعميلها الكبير الشاه محمد رضا بهلوي في ايران بالتنسيق مع حكومات أخرى في المنطقة من طعن للحركة الوطنية الكردية التي كانت طموحاتها معتدلة واقليمية لا تطرف إسلامي ولا آيديولوجية شيوعية فيها. وتم الغدر بالأكراد من خلال تحقيق اتفاق بين حكومتي العراق وايران في الجزائر عام 1975 دون أي مراعاة لطموحات الشعب الكردي العادلة، وعلى الرغم من أن قيادة الحركة الكردية وضعت ثقتها في أن الولايات المتحدة الأمريكية ستدعمها لتحقيق توازن سياسي واستراتيجي في العراق بعد أن مالت حكومة البعث للسوفيات ميلا شديدا وعقدت معهم معاهدة تعاون قوية تتناول مختلف المجالات، فإن الولايات المتحدة تخلت عنها وتنكر وزير خارجيتها آنذاك هنري كيسنجر لوعوده التي قطعها للزعيم الكردي مصطفى البارزاني بوقاحة لامثيل لها.

    ولما كان هذا بمثابة ضربة للشعب الكردي بأسره فإن رد الفعل الكردي كان قويا بحيث مالت معظم الحركات السياسية الكردية صوب اليسار . وفي شمال كردستان ، ساهم في تأجيج هذا الاتجاه التعنت اليميني المحافظ ضد أي حق من الحقوق القومية للشعب الكردي والتنامي العشوائي المتطرف لليسار التركي وازدياد أعمال العنف ضد الوطنيين الأكراد من قبل الفاشيين الأتراك وبخاصة تنظيمات "الذئاب الغبراء" لآلب اصلان توركيش والتوسع الكبير للآيديولوجية الشيوعية على المستوى العالمي وبخاصة في البلدان المتخلفة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ونجاح بعض الثورات المسلحة في الصين وكوبا وغيرهما. وكانت الثورة الفلسطينية بنشاطاتها الواسعة في منطقة الشرق الأوسط واتجاهاتها العديدة وبخاصة أجنحتها اليسارية مثار انتباه واهتمام الشباب الأكراد وذات جاذبية عجيبة في صفوفهم ، فكان ظهور حزب العمال الكردستاني متطرفا في الآيديولوجية، حادا في أسلوب العمل، شديدا في التنظيم وشاملا في المطالب القومية السياسية للشعب الكردي، فنادى باستقلال كوردستان وبالعمل من أجل تحقيق فيدرالية شيوعية في منطقة الشرق الأوسط وبالنضال الثوري المسلح ضد الفاشية التركية على الرغم من قلة الامكانات وضعف التنظيم وعدم وجود خبرة في المجالين السياسي والعسكري . ويعترف زعيم الحزب عبد الله أوجلان المحكوم عليه بالاعدام في سجن ايمرالي التركي بأن حزبه بدأ متطرفا ومثاليا وغير مجرب ، ويأتي اعترافه هذا بعد ربع قرن من تأسيس حزبه في كتابه المترجم إلى العربية " دفاعي منعطف على مسار الحل الديموقراطي " الذي لايرد فيه لفظ كردستان إلا مرتين أوثلاثة وفي سياق نقل كلام على لسان مصطفى كمال (أتاتورك) ، في حين يطنب فيه الحديث عن الديموقراطية والجمهورية التركية ويمدح الكمالية الطورانية...

    ومن أجل فهم التحولات الأخيرة التي حدثت في حزب " مظلوم دوغان" وسائر المناضلين الذين قدموا أرواحهم في ساحات القتال أو ماتوا تحت التعذيب أو تم اغتيالهم من قبل الكونترا غريلا والمنظمات شبه العسكرية التركية والذين قضوا جوعا في اضرابات عن الطعام حتى الموت أو تم تصفيتهم من قبل قيادة الحزب نفسه أو أحرقوا أنفسهم احتجاجا وتضامنا مع زعيمهم الذي رفعوه إلى مستوى الأنبياء كابراهيم وموسى وعيس ومحمد واعتبروه زرداشت العصر الحديث ، يجب تقسيم تاريخ حزب العمال إلى ثلاث مراحل:

    - مرحلة النضال من أجل استقلال كردستان والمجتمع الشيوعي ( من التأسيس عام 1979 إلى 1993)

    - مرحلة التراجع عن هدفي الاستقلال والشيوعية ( من 1993 إلى اعتقال أوجلان في شباط / فبرايرعام 1999)

    - مرحلة التحول عن الأهداف القومية إلى رفع شعار " الجمهورية الديموقراطية" (منذ اعتقال واختطاف أوجلان)

    كان ظهور حزب العمال الكردستاني بعنفوانه الوطني وتضحيات كوادره الثوريين ومقاومتهم للتعذيب والإرهاب العسكري التركي وتصديهم لمختلف التيارات اليسارية الانتهازية في تركيا بعد رقاد طويل للحركة الوطنية الكردية وتشتت وانشقاقات متتالية فيها ، ونتيجة لما حدث للشعب الكردي في جنوب كردستان بعد انهيار الثورة أملا كبيرا في أن يتحرر الشعب الكردي من قيوده ويتقدم بخطى سريعة صوب الحرية والحياة . وبدأت مناقشات حادة وواسعة داخل صفوف الحركة الوطنية الكردية في كل مكان وساهم في تعزيز هذا الاتجاه المغني الثوري (شفان) الذي حول أشعار (جيكرخوين) الثورية والطبقية إلى سلاح قوي بيد الحزب واستطاع بصوته الجهوري الرائع أن يلفت انتباه كل الشعب الكردي إلى شمال كردستان وإلى الثورة المرتقبة تحت لواء الحزب الجديد المولود من رحم الطبقات الشعبية المسحوقة من عمال وفلاحين فقراء.. وازداد هذا الدعم الشعبي بشكل ملحوظ بعد هروب قادة الحزب الناجين من القتل والاعتقال ومنهم عبد الله أوجلان إلى سورية ولبنان وتمكنهم بعد جهد جهيد من اقامة علاقات رفاقية ثورية مع بعض أجنحة وقادة الثورة الفلسطينية وبناء نقطة ارتكاز لهم في البقاع اللبناني بعد أن أبدوا مقاومة رائعة في قلعة شقيف في وجه الجيش الاسرائيلي أثناء زحفه على جنوب لبنان ..

    وباحتضان حزب العمال الكردستاني من قبل الحكومة السورية في الثمانينات ودعمها من قبل الثورة الايرانية المعادية لأمريكا وتركيا وكذلك من قبل النظام العراقي الذي طمح في استخدام الحزب ضد المقاومة الكردية التي اندلعت من جديد في كردستان العراق ، ونتيجة لممارسة كوادر حزب العمال وقيادته نضالهم السياسي بشكل جدي والتزام واحتراف لا مثيل لهما من قبل في تاريخ الحركة الكردية واستعداد الحزب للقيام بالنشاط المسلح في شمال كردستان لمع نجم عبد الله أوجلان الذي انتهز الوضع واتساع رقعة نشاط الحزب عالميا لتثبيت مركزه كزعيم أوحد للحزب مستخدما سلاح التصفيات السياسية والجسدية ضد كل من تخول له نفسه الاعتراض على نهجه القاسي والمتسم بالعداء لكل ما هو خارج الحزب من دول وحكومات وأحزاب ومنظمات دولية وأشخاص ذوي آراء وانتقادات .. وتم له ذلك وبخاصة بعد اعلان الحزب الثورة من أجل استقلال كردستان وتحقيق الشيوعية في عام 1984 وهرع الأكراد من كل مكان يؤيدون هذا الحزب بدمائهم وأموالهم وكوادرهم وبكل ما يطلبه الحزب منهم ، وبخاصة الشباب الكردي السوري الذي كان يرى أمامه حركة قومية كردية مشتتة وضعيفة وعاجزة عن تحقيق أي هدف من أهدافهم القومية أو الطبقية في الجزء الملحق بسورية من كردستان فالتحق الآلاف منهم ، فتيانا وفتيات بصفوف الثورة المسلحة تاركين دراساتهم وأعمالهم وبلادهم التي بحاجة ماسة إلى سواعدهم.

    وفي الحقيقة ليس هناك طرف كردي إلا وساعد حزب أوجلان أو حاول التقرب منه والتحالف معه ، حتى الحزب الديموقراطي الكردستاني برئاسة مسعود البارزاني الذي أمد الحزب بالعتاد والسلاح وتوصل معه إلى اتفاق ثنائي كردستاني في الوقت الذي كانت عناصر قيادية من حزب العمال الكردستاني تحاول بشتى السبل اقامة علاقات سرية مع أجهزة الاستخبارات العراقية (حسب الوثائق المنشورة فيما بعد والتي في أيدينا نسخ منها) وتبدي استعدادها للانخراط في القتال ضد "الجيب العميل في الشمال العراقي" مقابل ايوائهم ودعمهم من قبل الحكومة العراقية. وكانوا يقصدون بالجيب العميل "الحزب الديموقراطي الكردستاني" ولا أحد غيره.
    بعد اعلان الثورة تنامى عدد مقاتلي حزب العمال بصورة متزايدة وساهم في تقوية ذلك نشاط المنظمات الكردية العمالية والطلابية في أوروبا التي أمدت الحزب من خلال جمع التبرعات وتنظيم الاحتفالات واستخدام الضغط والاكراه أيضا في تحقيق تمويل منظم بملايين الدولارات شهريا لقيادة الحزب التي تمكنت بتلك الأموال من توسيع رقعة تنظيمها وبلورته والاستفادة من سائر الخبرات العلمية والتكنولوجية لبناء خلفية جماهيرية عظيمة ومتماسكة داخل البلاد وخارجها، وفي كل أجزاء كردستان وفي جمهوريات الاتحاد السوفييتي حيث تتواجد جاليات كردية كثيرة، وأصبح الحزب عمليا أقوى تنظيم كردي على الاطلاق من سائر النواحي المالية والتنظيمية والاعلامية والتكنولوجية واشتهر دوليا من خلال تطرفه واثارته المشاكل اليومية للحكومات الأوربية وممارسة القتل والاغتيال وحرق المحلات التجارية التركية وتنظيم المظاهرات المتواصلة وتوسيع المنشورات على نطاق واسع وتنظيم الاضرابات عن الطعامحتى الموت سواء في سجون تركيا أو في المدن الأوربية.. فازدادت قيادة الحزب غرورا واعتقدت بأنها لن تقهر بعد اليوم وستحقق أهداف الشعب الكردي في الاستقلال والحرية ، ولذلك فإنها حاولت تصفية مختلف التنظيمات الكردية الأخرى من ديموقراطية ويسارية وشيوعية واسلامية لتنفرد بالساحة وتحقق هدفها الشيوعي الذي لا يقبل شيئا آخر إلى جانبه، أو ارغامها على الانخراط في برلمان شكلي أحدثه في أوروبا ومؤتمر وطني كردستاني له اليد العليا فيه، إلا أن نقطة الضعف البارزة في مسيرة الحزب كانت مسألة الشخصية التي تحدث عنها عبد الله أوجلان بنفسه في كتاب ضخم جعله كانجيل للثوار في حين لم يطبقه على نفسه مطلقا.


    لقد ترك الحزب – برضى منه أو رغما عنه – المجال لأن يتفرد أوجلان بالزعامة ويصبح التمثال الذي يركع حوله كل الأعضاء والأنصار ويصفقوا له ويقروا له بكل شيء ولايعارضوه في شيء، والذين انتبهوا إلى هذه النقطة الضعيفة تم تصفيتهم سياسيا أو جسديا دون رحمة ومنهم حسين يلدرم وعصمت دوغان وسليم جوروكايا وممد شنر وكثيرون آخرون…


    ولكن التغيرات التي طرأت على المستوى العالمي وانهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية وعدم تطور الكفاح المسلح إلى حرب المدن رغم التضحيات الجسيمة (حوالي 30000 ) قتيل، مقابل ازدياد عنف القوات المسلحة التركية وممارسة سياسة التطهير والابادة وإفراغ القرى وتدمير البلدات الصغيرة (حوالي 4500 قرية) وتسخير حزب الله التركي للقيام بالتصفيات الجسدية (أكثر من 15000 جريمة قتل غامضة) وهروب الملايين من الكرد إلى غرب تركيا وظهور منشقين أقوياء في صفوف القيادات الداخلية وضغط الحكومات المعنية بالقضية الكردية على قيادة أوجلان وكذلك وقوف الحكومات الأوربية مجتمعة في وجه التحول صوب العنف على الساحة الأوربية، إضافة إلى وضع اسم حزب أوجلان في قائمة المنظمات الإرهابية، والأخطاء السياسية الفادحة وبخاصة نقل الصراع المسلح إلى ساحة جنوب كردستان ضد القوى الوطنية الكردية وفي مقدمتها الحزب الديموقراطي الكردستاني.... كل ذلك أوقع أوجلان بين فكي كماشة قوية وأجبره على التراجع والتنازل والانكفاء ، وبخاصة منذ عام 1993 ..


    وفشل أوجلان في الاستمرار في وقف العمليات الحربية من طرف واحد تلبية لإلحاح من رئيس الجمهورية التركية توركوت أوزال الكردي الأصل عن طريق السياسي الكردي جلال الطالباني المتحالف معه آنذاك ، فما كان منه إلا أن ألقى التبعة على مسؤول عسكري كبير في حزبه هو سليم صاقيق زاعما بأنه لم يلتزم بأوامره الشخصية في حين ادعى الأخير بأنه كان ينفذ أوامر القيادة بحذافيرها ، وكانت التهم المتبادلة من جملة الأسباب في أن يهرب صاقيق إلى جنوب كردستان مثل آخرين من رفاقه ، حيث خطف بعد ذلك من قبل القوات التركية وحكم عليه بالاعدام ولايزال حيا في السجن ..

    ولقد اضطر أوجلان في محاولة يائسة لتفادي تحميله مسؤولية الإرهاب والاغتيال والتصفيات داخل حزبه وخارجه من قبل المجتمع الدولي فأعلن مرارا بأنه لم يعد في موقع يؤهله لفرض سيطرته التامة على حزبه الكبير وبأن هناك من يقوم بأعمال تخريبية بقصد الأساءة إليه وبأنه كلما يزور معسكره في البقاع يسمع بأن أحد مسؤوليه هناك (هوكر) الذي هرب إلى كردستان العراق كان يقوم بتصفية الرفاق الحزبيين داخل المعسكر دون علمه أو أوامره. وكان لابد أن يتخلص أوجلان من مسؤولين آخرين مثل (ممد شنر) الذي كان يقود المقاومة داخل السجون الرهيبة من قبل فأرسل من يغتاله في الجزيرة السورية بذريعة أنه من عملاء السلطة التركية ، كما اضطر للقيام بمثل هذه الأعمال ضد قياديين آخرين رفضوا أن يتخلوا عن نهج مظلوم دوغان الثوري.


    إزاء هذه الاضطرابات والضغوط والانتكاسات العسكرية وبسبب انهيار الخلفية الايديولوجية على الصعيد العالمي كان لابد لأوجلان ومؤيديه أن يعرضوا السلام على الجنرالات الأتراك ويلتقوا بهم سرا ، إلا أن الحكومة التركية التي لاتقبل بوجود الشعب الكردي وكانت تحلم بانتصار ساحق على حزب العمال الكردستاني أصرت على موقفها المتعنت تجاه حل سلمي للقضية الكردية ولكنها حاولت دفع حزب العمال بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى نقل المعركة كليا إلى داخل كردستان العراق لضرب الكرد بعضهم ببعض وتشتيت قواهم وتصفية الانجازات التي حققها أكراد العراق بعد انتفاضة 1991 وتحت غطاء الحماية الدولية وفي مقدمتها بناء ادارة كردية وتحقيق نموذج ديموقراطي وتحولهم عن فكرة الحكم الذاتي إلى المطالبة بالفيدرالية ومن ثم اقرارها من قبل البرلمان الكردي في الاقليم وتطوير القوى المادية والاقتصادية والحربية والتنظيمية بحيث باتوا يشكلون قوة لايستهان بهم تحسب لها تركيا ألف حساب وتخشى من أن يحققوا أهدافهم القومية في العراق فيؤثروا في خريطة المنطقة وبالتالي في الخريطة السياسية والجغرافية لتركيا أيضا. ولبى حزب العمال الكردستاني النداء ، بصورة غريبة ، وتوالت المعارك ضد قوى الشعب الكردي في الجنوب وتعرض حزب العمال لفشل سياسي ذريع وانتكاسة عسكرية شبه مدمرة..

    وهكذا بدأت قيادة أوجلان تطرح مشاريع سياسية جديدة اختفى منها مصطلح "الاستقلال الوطني" واكتفت بالدعوة إلى حل سلمي ضمن حدود الدولة التركية يتلاءم مع ظروف تعايش الشعبين التركي والكردي وواقع تحول سريع في العلاقات الدولية وفي النظام الاقتصادي العالمي بشكل خاص.

    ومنذ عام 1989 بدأت تركيا بحملة دولية محمومة وبممارسة ضغوط رهيبة على سوريا لاجبارها على التخلي عن أوجلان وهددت باعلان الحرب عليها لانتزاعه منها في أقرب وقت. فكان ما كان وخرج أوجلان من سوريا ولبنان لا باتجاه كردستان حيث آلاف الفتيان والفتيات يحملون السلاح بأمره ومستعدون للذود عنه بأرواحهم وانما باتجاه روسيا وأوروبا حيث توقع أن العالم قد صدق ادعاءاته الأخيرة بأنه رجل مسالم ولايريد الحرب ويرفض الارهاب ونسي النضال الطبقي ، كما ظن أن أوروبا ستحميه وأنها لن تتخلى عن مثلها في موضوع حقوق الإنسان، ولما رأى بأم عينيه مئات الألوف من العمال والطلاب الأكراد والنساء والأطفال يهرعون من كل أنحاء أوروبا لزيارته في روما ويقضون الأيام والليالي في الشوارع مطالبين بحمايته ومنحه حق اللجوء السياسي والاعتراف به زعيما للشعب الكردي ، وكيف أن كل أقنية التلفزيون والاذاعات قد جعلت من موضوع فراره مادة مثيرة للغاية شرع بإطلاق عبارات قاسية اتهم فيها مجموعات كبيرة من المثقفين الكرد الواعين وأطرافا عديدة من الحركة الوطنية الكردية بالضعف والخيانة والارتباط بالأجنبي وأظهر نفسه رجل خلاص للشعب الكردي وقوة يهابها العالم وحقيقة تاريخية لامناص من قبولها كما هي .. وفشلت زوجة الرئيس الفرنسي الراحل ميتران وسكرتير رئيس وزراء ايطاليا ماسيمو ديلما في اقناع أوجلان بعدم ترك ايطاليا حتى ولو أدخلوه السجن ، فحبذ الذهاب إلى كينيا بعد أن رفض استقباله الروس واليونانيون وبرفقته بعض المرافقات من حزبه اللواتي لن يتمكن من الدفاع عنه في حال تعرضه لهجوم غادر.. وانتهى الأمر بأوجلان ليعلن فوراعتقاله وهو لايزال في الطائرة التي تقله إلى تركيا بأنه مستعد لخدمة الدولة التركية وكيف لا وأمه التي أنجبته تركية ..

    وهنا تبدأ المرحلة الثالثة من حياة حزب العمال الكردستاني الذي فقد باختطاف أوجلان رأسه المفكر وقائده الأوحد..وعلى الرغم من تهديدات شقيقه الاعلامية بأنه سيحول تركيا إلى مجزرة كبيرة شعر الأكراد بأن بداية النهاية لحزب مظلوم دوغان تلوح في الأفق.. وصرح يومئذ سليم جوروكايا المختفي في ألمانيا منذ هروبه من معسكر البقاع اللبناني ومعارضته لسياسة أوجلان للصحافة الألمانية بأن حقيقة رئيس حزبه أوجلان ستظهرجلية للعالم الآن.

    ويمكن رؤية ملامح هذه المرحلة بوضوح لكل من قرأ دفاع أوجلان أمام المحكمة وما تلى ذلك من تصريحات صادرة عنه أو عن شقيقه عثمان أوجلان الذي تولى مركزه بالنيابة أو تصريحات اللجنة المركزية للحزب ، تتجاوز حدود تغيير اسم الحزب والتخفيف من تطرفه، وتتلخص في :

    الكف عن النضال الآيديولوجي ، الكف عن النضال القومي ، الكف عن النضال الثوري وهذا يعني أن حزب العمال الكردستاني قد تحول عن مبادئه النظرية بمائة وثمانين درجة ..



    وبإلقاء نظرة على كتاب أوجلان الذي ذكرناه من قبل نخرج ببعض النقاط الهامة والمثيرة حقا والتي منها ادعاؤه المستمربأن الديموقراطية دواء كل العلل الاجتماعية والسياسية في الدنيا وأن حزبه لم يقيم بصورة جدية وعلمية سياسة مصطفى كما (أتاتورك) الحكيمة والصائبة وبخاصة قمعه للتمردات الكردية التي وصفها بالانفصالية البدائية والقومية الضيقة والرجعية المتخلفة والمذهبية المدمرة والارتباط بالأجنبي ومحاولة يائسة لاعادة الخلافة والسلطنة متناسيا بأن سياسة مصطفى كمال كانت سياسة أبادة إجرامية من الطراز الأول سواء ضد الأرمن أو الأكراد أو العرب أو اليونان والبلغار وأنه كان المدعوم من قبل الانجليز والفرنسيين وأنه كان عنصريا حاقدا.


    كما أن أوجلان – وحزبه يؤيده في كل شيء – يضرب على هذا الوتر باستمرار "وحدة الوطن والمصالح والدين" وهو شعار أتاتوركي في المرحلة الأولى من حركته لخداع الكرد وتسخيرهم في الحرب ضد اليونان والبلغار والانجليز.. ويسعى بشتى السبل لارضاء المؤسسة العسكرية التركية والشريحة الحاكمة في البلاد في محاولة يائسة لاقناعهما بأنه وحزبه معه سيعملان باخلاص على لجم الحركة القومية الكردية وتفكيك أوصالها وتقريبها من مسار النظام .. وأخطر شيء في مداخلته الطويلة هذه هو دفاعه المستميت عن الميثاق المللي التركي الذي يتنكر لكل حقوق الأقليات القومية في البلاد ويرى في تركيا شعبا واحدا ولغة واحدة ووطنا واحدا وما عدا ذلك يجب بتره وازالته بالعنف.. ولابد من القول بأن حديث أوجلان عن بعض الحقوق القومية الكردية هي محاولة يائسة للتستر على الانحراف التام الذي اتخذ مساره لديه والذي سيؤدي بحزبه إلى الارتماء في أحضان السياسة الرسمية للدولة التركية الطورانية العنصرية المعادية لطموحات كل القوميات الأخرى غير التركية في البلاد وبخاصة الأكراد والعرب.. وما حملة إعلام حزب العمال الكردستاني الحامية لانقاذ " اللغة الكردية" سوى تضليل وقناع زائف يخفي وراءه حقيقة الخروج عن الخط الوطني للحركة التحررية الكردية التي لاتلتقي في شيء مع الميثاق المللي التركي..

    إن القضية الكردية في شمال كردستان معرضة لانتكاسة رهيبة بدخول حزب العمال في هذه المرحلة التي يدعي زعيمها بأنها قفزة نضالية ثورية لامثيل لها بتخليه عن أهداف الشعب الكردي وعن الكفاح الثوري وعن مطالب الجماهير الكادحة التي عانت الأمرين منذ اندلاع الحرب عام 1984.. والشعب الكردي يريد الحرية وليس انقاذ لغته القومية فحسب. وإن قرار تغيير اسم الحزب الذي دافع عنه قادة الحزب في تصريحاتهم الاعلامية الأخيرة للتملص من كردستانية الحزب هو بمثابة ورقة طلاق بين الأوجلانية والحركة الوطنية الكردية.

    وقد قرر الحزب تغيير السياسة التي يتبعها من اجل تحقيق هدفه وأعلن تغيير اسمه الى مؤتمر الحرية والديمقراطية الكردي (كاديك)، وقال بأنه سيخوض من الآن فصاعدا حملة سلمية من اجل حقوق الشعب الكردي .
    وكان زعيم حزب العمال عبدالله اوجالان قد دعا عقب القاء السلطات التركية القبض عليه عام 1999 حزبه الى وقف اطلاق النار، ولكن الحكومة التركية رفضت طلبه .
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. مقال: تفجيرات بوسطن والأسئلة الحائرة ؟؟
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى مجلة المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 26/05/2013, 11:06 AM
  2. سقراط المثالي الذي تحول الى نموذج فلسفي
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى فسيفساء المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07/12/2010, 06:19 PM
  3. خلف الدائرة
    بواسطة حسن_العلوي في المنتدى القصة القصيرة
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 15/04/2010, 10:59 PM
  4. قصة قصيرة / الدائرة
    بواسطة الباشق محمد بلغيث في المنتدى القصة القصيرة
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 16/11/2008, 02:31 PM
  5. الاستشهاد بقصص المربد في نموذج
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى الواحة
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 09/08/2008, 12:00 PM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •