في سياق التناقل الإسرائيلي لخطابي رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو، كتب مراسل "هآرتس" باراك رفيد تحت عنوان "العرض الهجومي لعباس ودرس في التاريخ من نتانياهو" أن ما حصل في الأمم المتحدة هو تسونامي السياسي وعزلة دولية، مؤكدا على عدم الثقة بنتانياهو لدرجة أن زعماء العالم لا يصدقون أي كلمة ينطق بها.

ولفت بداية إلى أنه كان من المتوقع أن يلقي عباس كلمته بعد كلمة رئيس جنوب السودان سيلفا كير، وبالنتيجة فقد اكتظت قاعة الأمم المتحدة بالقادة ووزراء الخارجية، كما امتلأت مقاعد الضيوف والصحافيين بسرعة، بانتظار الحدث المركزي، وعندها فوجئ الجميع بتغير ترتيب الخطابات، وصعد إلى المنصة رئيس أرمينيا.

وبينما يشير إلى العشرات الذين لم يجدوا مقعدا لهم ووقفوا في أطراف القاعة، دخل عباس وسط تصفيق حار من الحضور، وبدأ خطابه الذي وصفه بـ"الهجومي والحاد". وبحسبه فإن بعض ما قاله يصم آذان يوسي بيلين وشمعون بيرس. ويشير إلى أنه عندما تحدث عن فلسطين كأرض مقدسة لعدة أديان، ذكر المسلمين والمسيحيين ولم يذكر اليهود.

وكتب أن عباس تحدث عن التطهير العرقي الذي تقوم به إسرائيل في القدس المحتلة، وتنكيل جيش الاحتلال والمستوطنين بالمزارعين الفلسطينيين والمرضى المتوجهين لتلقي العلاج الطبي. وأضافت الصحيفة أن كل ذلك لم يمنع الغالبية المطلقة من الحضور في القاعة من التصفيق والوقوف عندما لوح عباس بنسخة من الطلب الذي قدمه إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون للاعتراف بالدولة الفلسطينية.

وفي حديثه عن الإسرائيليين خلال خطاب عباس، كتب أن الأداء الإسرائيلي وصل إلى قمة الحرج خلال كلمة عباس، حيث أن وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان الذي دخل بعد عدة دقائق من بدء الخطاب، قرر استغلال حدث دبلوماسي دولي مرة أخرى لأهداف "سياسية داخلية".

وعندما بدأ عباس يتحدث، وقف ليبرمان بشكل تظاهري وغادر القاعة، وكأنما "محمود أحمدي نجاد هو الذي يقف على المنصة"، حسب قوله. وعلل ذلك لاحقا بأنه احتجاج على حملة أبو مازن ضد "إسرائيل". وبعد دقيقتين غادر الوزير يولي إدلشطاين القاعة، وحتى مندوب "إسرائيل" في الأمم المتحدة رون بروسور غادر القاعة "تاركا وراءه نائبة التعيس حاييم فاكسمان، الذي وجد عزاء له في مندوبة الولايات المتحدة سوزان رايس والتي كانت لا تقل عنه تعاسة".

ويضيف الكاتب أن نتانياهو وصل إلى نيويورك في "حالة نفسية قتالية"، حيث أن سلسلة مقالات نشرت في الصحافة الأمريكية ألقت عليه المسؤولية عن الجمود في ما يسمى بـ"عملية السلام"، إضافة إلى أنه كان غاضبا مما أسماه "الحوار النيويوركي". ويتابع الكاتب أن الإعلام الإسرائيلي أصبح بالنسبة لنتانياهو "الشيطان الأصغر"، في حين أن الصحافي الأمريكي توماس فريدمان بات "الشيطان الأكبر"، فمن جهة يسخر من كل من ينسب أهمية أو تأثيرا لفريدمان، ومن جهة ثانية يواظب على قراءة كل مقال يكتبه ويغضب في كل مرة. وكان قد تطرق في خطابه إلى الصحافة بالقول إن "الصحافة السيئة أفضل من مديح جيد"، وأن "الصحافة الأفضل هي الصحافة التي يتجاوز إحساسها بالتاريخ وجبة الفطور وتعترف بالاحتياجات الأمنية المشروعة لإسرائيل".

كما يشير الكاتب إلى أن تصريحات رئيس الولايات المتحدة الأسبق بيل كلينتون، والتي وصف فيها نتانياهو بأنه السبب في عدم الوصول إلى "السلام"، الأمر الذي زاد من غضب الأخير لدرجة أنه طلب من البيت الأبيض إصدار بيان يتنصل فيه من التصريحات. ويتابع رافيد أنه عندما صعد نتانياهو إلى المنصة ظهرت أماكن فارغة في أجزاء كبيرة من القاعة، حيث أن عددا كبيرا من الممثلين، وخاصة العرب، غادروا القاعة فور إنهاء أبو مازن خطابه. كما انقطع التصفيق الحاد خلال خطاب نتانياهو، وكان الوحيدون الذين صفقوا له هم المستشارون الذين تجمعوا حول البعثة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة صغيرة من الناشطين الصهاينة.

وبحسب "هآرتس" فإن نتانياهو وصل الأمم المتحدة للدفاع عن نفسه وعن سياسة حكومته أمام الانتقادات الدولية، ولكنه كان هجوميا، وتوجه في خطابه إلى الرأي العام الإسرائيلي أكثر مما توجه إلى الجالسين في القاعة. وأضاف أنه تركز في خطابه على المخاوف الأساسية لكل إسرائيلي، بداء من "غيتو وارسو" مرورا بصواريخ حماس وحزب الله، وانتهاء بالبرنامج النووي الإيراني.

ووصف الكاتب نتانياهو بأنه مثل معمر القذافي عندما وقف في القاعة نفسها قبل عام وطالب بتفكيك الأمم المتحدة، حيث تركز نتانياهو في هجوم حاد على المنظمة الدولية التي كان قرارها في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 1947 حاسما في إقامة "دولة إسرائيل". وكتب ساخرا أنه من بين "المجاملات" التي أغدقها نتانياهو على الأمم المتحدة "مسرح العبث" و"بيت الكذب" و"المكان المظلم".

ويتابع الكاتب أنه بدلا من بشائر سياسية جديدة أو مبادرة رائدة لتخليص "عملية السلام" من الطريق المسدود التي وصلت إليها، وإخراج إسرائيل من الضائقة الدبلوماسية، فقد اختار نتانياهو أن يقدم للحضور درسا في "تاريخ شعب إسرائيل من أيام الملك حزقيا، مرورا ببوغرومات روسيا وحتى يومنا هذا". وأضاف أن "نتانياهو يعتقد أن كل ما سيفعله لن يفيد، حيث نشأت رواية مفادها أن الفلسطينيين يريدون السلام، في حين أنه رافض ومستمر في البناء في المستوطنات"، ولذلك، وبحسب نتانياهو، "يجب قول الحقيقة حتى يدرك العالم". وبينما يشير الكاتب إلى أن نتانياهو قد يكون محقا في مشاعره، فإنه يجب أن يسأل نفسه "كيف وصل إلى وضع لا يصدق أحد في العالم أي كلمة ينطق بها؟".

ويخلص الكاتب إلى أنه بالرغم من أن الدولة الفلسطينية لم تقم في نهاية الأسبوع، وعلى ما يبدو لن تقوم في المستقبل المنظور، فإن معركة الخطابات في الجمعية العامة، التي انتصر فيها أبو مازن، هي بدون شك حدث تاريخي. فالاستقبال الفاتر الذي كان من نصيب نتانياهو وعدم ثقة قادة العالم به كانت بارزة في ظل الدعم الكبير الذي ناله أبو مازن من المجتمع الدولي.. هكذا يبدو التسونامي السياسي وهكذا تكون العزلة الدولية.

وفي السياق ذاته، أكدت زعيمة المعارضة الإسرائيلية رئيسة حزب (كاديما) تسيبي ليفني، أن التصفيق الذي قوبل به الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال إلقاء خطابه أمام الدورة 66 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، يدل على "عزلة إسرائيل دولياً". ونقل راديو "إسرائيل" عن ليفني قولها "إن خطاب الرئيس عباس لم يعجبها، لكنها نوهت إلى التصفيق الذي قوبل به"، معتبرة أن "الأمر يدل على عزلة إسرائيل دوليا". وتمنت زعيمة المعارضة أن ينجح رئيس الوزراءالإسرائيلي بنيامين نيتانياهو في استئناف المفاوضات لكي تقوم الدولة الفلسطينية بالاتفاق دون تحرك المجتمع الدولي لفرضها على "إسرائيل".


محرر موقع المنار