يقـول المؤلـف عن الأستراتيجيات السـت التاليـة (13-18) :
"مثل السداسية الأولى، يمكن انتهاج هذه السداسية عندما تكون غير مقيد بعنصري الوقت والموارد، بهدف تحقيق النصر عبر الهجوم المباشر"
الإستراتيجيـة الثالثـة عشـرة
(( اضرب العُـشب لتستفز الثعبان ))
يقول المؤلف:
إذا عجزت عن كشف نوايا العدو، شن هجومًا مباشرًا عليه، لكن اجعله شكلياً بطريقة تسمح لك بمراقبة ردود أفعال العدو، والتي ستكشف لك عن نواياه الحقيقية.
يضرب بالمثال الآتي:
تحكي الأساطير الهندية عن قاض صيني حكيم، عُرضت عليه قضية سرقة، المتهمون فيها كثر، والأدلة فيها غير كافية. فكر القاضي في حيلة: أعلن للمشتبه فيهم عن جرس سحري يستطيع أن يميز السارق من البريء، ولا يلزم سوى أن يلمس المشتبه بهم الجرس وإذا رن الجرس كان هذا معناه أنه هو السارق. جمع القاضي المشتبه فيهم، وشاركهم صلاة خاصة لهذا الأمر، ثم جعل كل منهم يدخل بمفرده على هذا الجرس المزعوم والذي تمت إحاطته بستائر تحجبه عن العيون. كان القاضي قبلها قد دهن الجرس، ولذا كان من السهل ملاحظة أن أصابع الجميع قد علق بها الدهان، عدا رجل واحد خاف أن يلمس الجرس، والذي اعترف بجرمه فيما بعد.
======
التعليـق
======
من مميزات الإستراتيجية كما نرى وفرة الوقت و الموارد مما يدفع القائد لاستهلاك بعضهما لجس نبض الخصم و معرفة نواياه...
كشف نوايا الخصم تعني معرفة خططه العسكرية و أسلوب هجومه أو دفاعه و قوة جيشه من ناحية المعنويات و الحجم... قبل بدء الحروب و المعارك يسعى كل طرف إلى التنصت على الآخَر عبر جواسيس إما أفراد أو آلات... كشف نوايا جيش ما سيجعله لعبة بيَـد عدوه فيسهل المكر و الإيقاع به و يتنبَه العدو من مكره...
فأهمية معرفة نوايا الخصم كبيرة و لكنْ أحيانا يعجز القائد عن كشفها فيلجأ للمكر و الحِيل... من ذلك ما تذكره الإستراتيجية الحالية بشن هجوم شَكلي و دراسة ردود أفعال الخصم...
نجاح الإستراتيجية يعتمد بشكل كبير على فهم ردود أفعال العدو و دراسة الاحتمالات على سبب ردة الفعل تلك... فمثلا لو قامت مجموعة من الجيش بهجوم و كانت ردة فعل الخصم بوابل من السهام دون استخدام تشكيلات قتالية هجومية كمُشاة و فرسان فسينطبع للقائد أن الخصم ينـوي الدفاع فقط دون الهجوم... أما لو كانت ردة الفعل دفاعية مع هجوم مضاد ضعيف فسيحتاج القائد إلى عرض عدة احتمالات فلا يجزم بشيء حتى يحتاج إلى تكرار هجمات شكلية و تنويعها ليكشف نوايا خصمه أو يترجح له نية ما...
أسلوب الهجوم الشكلي متنوع فمثلا يُمكنه الهجوم بتشكيلات قليلة و ضعيفة مع الاستعانة بمؤثرات صوتية و بصرية للخداع لمحاولة تضخيم حجم القوة المهاجمة بنظر عدوه حتى يعتقد العدو بأن الهجوم بدأ فيُبطبق خطته و من ثم تنكشف الخطة للقائد...
أحيانا يهجم القائد بتشيكلات أكبر طالباً منها هجوم شَكلي دون خوض قتال حقيقي عن طريق الكَر و الفـر... و الأسلوب الحالي أقرب لخداع العـدو حيث تكون ردة فعله هي الخطة التي ينوي القتال بها...
كل ذلك لن ينجح إلا إنْ تمكن القائد من مراقبة أرض المعركة و ردة فعل عدوه... الإستراتيجية مع دقة ملاحظة القائد ستكشف خبايا و خدع أعدها العدو كنوع الأسلحة التي سيدافع أو يهجم بها و كيفية انتشار قواته لحظة الدفاع أو الهجوم و حجمها ليتنبأ بكمائن أو التفافات ربما قام بها...
لا يعني ذلك أن الخطة ستنكشف تلقائيا... بل ربما يحتاج القائد وقتاً ليكتشف نوايا الخصم و أحيانا يُكرر الهجمات الشكلية بأشكال عدة... خلال الوقت و مراقبته الدقيقة لأرض المعركة و ما حولها لمتابعة تحركات خصمه...
كما نلاحظ كذلك فحين دمج الإستراتيجية الحالية مع إستراتيجيات ماضية سيُعطيها قوة أكبر... فتكرار الهجمات الشكلية بعمليات الكَـر و الفَـر سيُعطي القائد فائدتين فأولا يكشف نية خصمه و ثانياً سيوقع خصمه بفخ الروتيـن... حيث يتوقع الخصم طبيعة الهجوم التقليدية كل مرة بالكفر ثم الفر... بالتالي سيهجم القائد بأسلوب مغاير بإحدى عمليات الكَـر بشكل لا يتوقعه الخصم و قد اعتاد الروتين مما يعني خسائر بصفوفه أو هزيمة...
المزج بين الإستراتيجيات و تنويعها ميزة إستراتيجية بحد ذاتها و تقود لحسم المعارك بصورة أكبر حتى إن فطن العدو لبعض الإستراتيجيات فسيغفل عن أخرى إلا ما شاء اللـه...