تبقى الصورة ثابتة وراسخة المعالم يحاول جاهدا وئدها ونسيانها لكنها جاثمة على عقله تؤرقه وتقض مضجعه , عندما يخرج الى عمله يجد انه تحرر قليلا مع انغماسه فيه , الذي يمسح الصورة من مخيلته لفترة فيتجرد من الصمت الذي طالما جرفه نحو الأفكار التي هي غارقة في الألم والحزن المزمن , جسدا طفولى قدم الى الحياة فاكتمل في النمو لكنه أصبح أسيرا للإعاقة التي أخذت منه التواصل مع محيطه إلا من الإشارة , قيد ته عن الحركة إلا بكرسي متحرك هو السبيل نحو فك العزلة والوحدة التي تكبله أحيانا , فيشعر بوجوده وكيانه .
تتسرب إليه أحيانا أحلام اليقظة التي تبحر به الى شاطئ الأمل الذي يضم فيه حلم الخلاص فتغمره النشوة وتحلق به نحو السعادة التي تبقى به بعيدا حتى يعود الحلم مسرعا هارباً من قسوة الكلمات والعبارات التي تحاول ان تصطاده فتعيد نبش الذاكرة أليوميه وإخراج المعاناة وتعليقها أمامه لكي يتفحصها من جديد , في يوم ما هام بخطى متكاسلة في الشوارع فوقع بصره على ذلك الجسد الجالس في نهاية الشارع مستندا الى جدار صاحب ثياب متسخة وممزقه فاقد البصر ذو يدا واحدة يستجدى المارة فتوقف واخذ يعيد النظر ويرسم المشهد بشكل أدق ممعن في التفاصيل التي راحت تجول في فكره فيسأل نفسه أين هذا من حال ابني ؟ كيف تتعامل أسرته معه ؟ لماذا يترك في هذا الحال ؟ هل يستجدى بإعاقته ؟ لماذا يهمل في هذا الشارع ؟ تراكمت التساؤلات في رأسه وأخذت تفك قيد معاناته وتزيل شي من الألم الذي يستوطن في داخله فكانت مثل الذخيرة التي زادت في عتاده جعلته يتحمل المواجهة مع حال ابنه الذي أراد بكل ما أوتي من قوه في البحث عن إخراجه من حالته التي ذهبت أدراج الرياح لكنه بعدما أدرك ان انه ليس الوحيد الذي يعيش في هذه الحياة الذي نزل القدر في واقعه , فهناك من بعض البشر من بني جنسه وجد أن الإعاقة تضرب إطنابها في أسرهم وبشكل قد تكون فيه اشد إيلاما من واقعه وتبعث على الشفقة والعطف , عندها رمى أفكاره اليائسة والمتذمرة في صحراء النسيان وامتطى الحقيقة التي أخذته الى واحة الإيمان بقضاء الله وقدره في خلقه وانه سوف يلقى الثواب الأوفى أن هو سار في درب الاحتساب والصبر على المبتلى الذي هو اختبار لقوة إيمان المسلم .