حين تدور الدنيا في أعيننا دورات ، و يلتف بها نهر من التشقق و النزق ، و تدق مطرقة الألم حديد قلوبنا ، عندها تبدأ أرواحنا رحلتها في سديم من زرقة تشف عن حمرة فاتحة كحمرة الفجر الأولى .
و عندما تتفتح أزهار في عيوننا ، و تمر بها نسمات الربيع على وجنتي طفلة بريئة ، و تلون قطرات من العندم جبهة حوذي يسوق عربة على جسر من ظلام في عالم جهنمي ، عندها يتفجر جدول مفاجئ من نبع صخري في جبل بعيد من جبال الغموض الراسية على أرض الأبد .
و حين تلوح راية بها خضرة فوق رؤوس صنعها الحب ، و تحلق من فوقها طيور أبابيل تأكل من جماجم الفراغ ، و تتزلزل جبال تهوي منها أشلاء من عفن ، و تبرز بضع حيات من ثقوب في جدر معبد عتيق نفته السنون إلى ما وراء الأمل ، عندها تضطرب أخادع عجوز كبير ركنه الزمن إلى جانب بيته القديم متكئاً على عكازه ، متبصراً في الماضي و القادم دون أن يسمع صوت عقله العابرون .
و حين تبدأ المزاريب القديمة عزف صوت الشجن دون أن تمر بها مياه المطر ، و دون أن يردد طالب يحفظ قصيدة من ديوان السياب كلمات عن الأطفال و النشيج ، و حين يرنو واقفون بأبصارهم نحو الأعلى مترقبين و ناظرين إلى ما لا يعرفون ، فيسمعون أصواتاً تشق الغمام و لا تليها بروق و لا رعود ،
حينها يدرك كثير من الناس أن شيئاً ما قد تبدل ... أو احترق .