حركة تصحيح مسار 20 فبراير طنجة


منشور رقم: (1)

انبثقت عن حركة تصحيح مسار 20 فبراير بطنجة لجنة لضبط المسار بغية السير السليم وتفادي التعثر، وتصحيح التوجه بإزالة المعوقات وتوضيح الرؤية، وكشف الأخطاء بممارسة النقد الذاتي وإعادة النظر.. انبثقت هذه اللجنة عن المجتمع المدني ومواقع إلكترونية وفعاليات في الحقل السياسي والثقافي..
ولدت هذه الحركة فأنجبت لجنتها بناء على مشاركتها في مسيرة 20 فبراير و20 مارس من سنة 2011 وملاحظتها لما رُفع من شعارات وما هُتف من مطالبات..
وإذ تُثمِّن حركة تصحيح مسار 20 فبراير مساعي المشاركين في التظاهرات والمسيرات من مختلف شرائح المجتمع، ومن شتى أطياف التيارات الفكرية والسياسية تود أن تقف على نقاط جامعة من خلالها توحد الناس على رأي عام واحد به تضغط لتحقيق مطالبها المشروعة، فجاءت اللجنة لممارسة ذلك..
إن لجنة تصحيح مسار 20 فبراير لجنة من نفس الجسم الذي يتداعى له سائر الجسد إن هو تأذى سياسيا وفكريا واجتماعيا.. يتأذى ويعتطب، وفي هذا الأذى والاعتطاب تحفيز للناس وخصوصا الشباب؛ على العمل من أجل رفع الظلم بشتى أنواعه..
ومن القيم التي يجتمع عليها كل الناس، ومن القيم التي توافق فطرة الإنسان نفوره من الظلم، فهو ينفر من الظلم طبيعيا ويميل إلى العدل طبيعيا وإن كان لا يعرف حقيقة العدل والظلم بشكل قطعي، وبما أن المجتمع المغربي خاصة، والمجتمع العربي عامة واقعان تحت وطأة الظلم السياسي والاجتماعي والثقافي.. فإن لجنة تصحيح مسار 20 فبراير لا تشذ عن القاعدة من حيث رفضها للظلم ومحاربتها له، ولكن وفق أجندة تراعي حق حتى أولئك الذين لم يشاركوا في المظاهرات..
ومن جملة ما تود تصحيحه لجنة تصحيح مسار 20 فبراير؛ التالي:

أولا: الاشتراكية

الاشتراكية كشعار مرفوع وأفكار مجسدة في ذوات؛ لم تعد تقدمية، بل أضحت رجعية، وهي رجعية في نشأتها مبدأ لمن وعى عليها، وبما أنها كذلك نظرا لتأخرها عن مواكبة الحياة وتطورها، ومواكبة تقدم الإنسان في علمه وعقله ترى لجنة تصحيح 20 فبراير أن هذا الشعار عتيق، ليس في كونه عتيقا من خلال كره القديم غير المبرر، ولكن من حيث كونه لا يقنع العقل ولا يوافق الفطرة ولا يملأ القلب بالطمأنينة، وبما أن الاشتراكية كيفما كان اسمها ومضمونها فإنها جميعها سواء، سواء تلك التي تنتمي للنظام الرأسمالي كاشتراكيات الدولة، أو تلك التي تنتمي للمبدأ الشيوعي كالاشتراكية العلمية (يطلق عليها الاشتراكية العلمية خداعا فهي أبعد ما تكون عن العلمية) فإنها جميعها قد عفا عنها الزمن، وهوجرت حتى من قبل أربابها، ولو قام كارل ماركس من قبره لسخر من نفسه ومن رجعية ما جاء به كمبدأ بديل للنظام الرأسمالي العفن..
وعليه فإن من ضمن ما يجب تصحيحه هو إلغاء الاشتراكية من الشعارات المرفوعة، والأهداف المتوخاة، فالمطالبة بتطبيق الاشتراكية أو إيجادها في معترك الحياة قصور نظر، ويكفي رؤية فسادها؛ النظر إلى المجتمعات التي طبقتها، ثم تخلت عنها، ولكن إلى بديل أتفه منها وأنتن وهو البديل الرأسمالي.

ثانيا: الأحزاب الوطنية المغربية

الأحزاب الوطنية المغربية بجميع أطيافها أحزاب ميتة، أحزاب دخلت عالم الأموات في درجة حرارة الصفر المطلق، وهي مسؤولة بدرجة كبيرة فيما آل إليه وضع المغرب حاليا، لأنها أداة تدجين يستعملها النظام متى ما شاء لتقرير ما يريد، وتمرير ما يراد، وهي من حيث علاقاتها بالشعب قد هوجرت مند زمن، وما الانتخابات البلدية والتشريعية الأخيرة التي أظهرت عزوف المغاربة بأكثر من ثلثين عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع إلا دليل مفحم يؤكد عدم مشروعيتها ونفور المغاربة منها، ومن بقي عالقا بها كالقُراد ما هو إلا منتفع أو وصولي، وما زعماؤها سوى مجموعة من الموظفين لدى الدولة تسخرهم لتنفيذ سياساتها، ومنهم من هم جواسيس لها، وعليه فهذه الأحزاب الوطنية دون استثناء حتى تلك التي لم تشارك في (الحكم) يجب أن تلغى، يجب أن تُحَلّ، وبما أن الدولة لن تلغيها ولن تحلها إلا إذا كان هناك ضغط شعبي كبير لأنها تقتات منها، وتعتاش عليها، فإن الشعب المغربي بوعيه رغم انتشار الأمية فيه بدرجة كبيرة قد أعطاها ظهره وشرع يختلق لها النكث ويسخر منها، وإذا جاءت الانتخابات وبسبب حاجة كثير من الشباب يُستعملون مقابل مال، وليس مقابل قناعات، أو وعود لأن الوعود قد أحكم الشعب المغربي عليها السِداد، ولكن ومع ذلك يصرحون لدى من يثقون بهم أنهم إنما يستغلون الأحزاب لبعض المال، وأما تلك التي لم تصل إلى هذه المهزلة بعدُ نظرا لحداثتها، فإن شبيبتها واقعة في التضليل السياسي، وعليه فإن من ضمن استهداف الصفاء والنقاء والبلورة في مسيرة 20 فبراير رفض جميع الأحزاب الوطنية ورفض التعامل معها، والمطالبة بحلها وإلغائها، فلا الحزب الذي يحمل اسما تقدميا مقبول، ولا الحزب الذي يحمل اسما رجعيا مقبول لأنها كلها أحزاب اسمية، وليس أحزابا مبدئية، ولا يستطيع أي منها أن يصير حزبا حقيقيا لأن ما يقوم عليه من أفكار ومفاهيم، وما يحمله من معالجات سياسية قد تجاوزها الزمن إلى ما هو أفصل منها وأرقى..

ثالثا: الأمازيغية

الأمازيغية ليست مبدأ، وبالتالي ليست بقابلية أن تشكل علاجا لمشاكل الناس في حياتهم. الأمازيغية لهجة ولمن لا يقبل بها لهجة؛ لغة ولا بأس، ولكنها لغة مهجورة على المستوى الشعبي لأن العربية هي لغة المغاربة بما فيهم الناطقون بالأمازيغية بسبب كونها لغة دينهم وقرآنهم، ولغة سادت ولم تزل لمدة قرون تجاوزت الألف، وعليه فإن الدعوة إلى الأمازيغية دعوة إلى لا شيء، ولا يقال أن الأمازيغية قديمة عليها، أو هي قرينتها في التاريخ، لا يقال ذلك لأن الحديث عن التوسع والانتشار والقدرة على الثبات والمرونة في تطويع المعاني والمواكبة للغات الحية والميتة والمواجهة لكل من يستهدفها رغم محاربتها خلاف الأمازيغية التي لا يحاربها أحد، لأنها لا تحمل مبدأ، خلاف اللغة العربية التي هي طاقة بواسطتها تحمل الطاقة الإسلامية وهي التي يخافها ويرتعب منها الغرب والشرق معا لأنها ذاقت المركز الأول في الدنيا، وحكمت رقاعا كبيرة من الكرة الأرضية، هذا من حيث كونها ليست مبدأ وليست لغة مبدأ (أي الأمازيغية)، وأما الدعوة إلى الأمازيغية كلهجة أو لغة فتناقَش، فاللهجة الأمازيغية التي يراد لها أن تكون لغة رسمية للبلد فيه غبن كبير للشعب المغربي، ذلك أن الشعب المغربي في أكثريته لا يتكلم الأمازيغة، بل يتكلم اللغة العربية بشكل رسمي، ( لا أعني بالرسمي الدولة) واللغات الأخرى يتكلمها كثير من المغاربة كالفرنسية والإسبانية ومنها الأمازيغية، وعليه فالأمازيغية لهجة أو لغة لا بأس عليها لأن لا أحد حاربها في الماضي ومنعها، ولا أحد يحاربها الآن، ولكن أن يعمل على إيجادها قسرا في المجتمع وإدخالها في مناهج التعليم فظلم كبير، لا أقول أن إدخال اللغة الفرنسية عدل، ولكن لكل مقام مقال، ولنناقش، فالأمازيغية ليست لغة العلم مثلها مثل العربية، هذا واضح، وليست لغة الفكر والسياسة والأدب خلاف اللغة العربية التي هي لغة المعارف والعلوم التجريبية قديما بقابلية أن تعود كما كانت، إضافة إلى كونها (أي اللغة العربية) لغة دين المغاربة في أكثريتهم، وللتذكير فقط فقد كانت لغة العلم التجريبي في القرون الأولى لنشأة المبدأ الإسلامي، ثم القرون الوسطى إلى أن انحسرت بانحسار أهلها من العلماء التجريبيين والباحثين، فإذا نحن أدخلنا الأمازيغية في مناهج التعليم عطلنا التعليم ولا شك، بل إننا يجب أن لا ندخل حتى العربية في البحوث العلمية التجريبية نظرا لبعدها عن هذا الحقل بسبب تأخر أهلها، وإن الترجمة للعلوم تأخر وليس تقدما، وهذا بحث آخر ليس مقامه هنا، ولكن ذلك لا يعني تساويها مع الأمازيغية، كلا، ليس من باب التعصب والعنصرية، بل من باب وصف الواقع، فالعلوم التجريبية التي تدرس باللغة العربية فيها تأخر كبير عن مواكبة التطور العلمي والتقني، وعليه فتحصيل العلم منطقيا يجب أن يكون باللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو الروسية أو الصينية أو أي لغة أهلها متقدمون علميا وتقنيا، والتركيز على غير اللغات التي أهلها في المقدمة تعطيل للتقدم العلمي والتقني..
ولا يقال أن ذلك ظلم للأمازيغية والعربية، لا يقال ذلك، فالأمازيغية لهجة أو لغة لمن يريد أن يتكلمها ولها أهلها يحافظون عليها، وهذا جميل، والعربية كذلك وتتميز عنها (أي عن الأمازيغية) وعن غيرها كونها لغة القرآن بالنسبة لمن يؤمنون بالإسلام دينا، أما بالنسبة للذين لا يؤمنون به دينا فهي لغة السياسة والثقافة والفلسفة والأدب ولغة العلم لمن يشتغل بالعلوم ويبتكر ويخترع ليضفي على ما اخترع وابتكر الطابع العربي (نسبة إلى اللغة)، وقد رأينا علماء ينتسبون للغة العربية قد وُفقوا، وإذا وُفق الأمازيغي لذلك فهو به، ولكن الواقع يؤكد أن التركيز على ذلك مضيعة للوقت لن يجدي شيئا في التقدم العلمي..
لقد مرت على المغاربة بما فيهم أهل المغرب العربي قرون من الزمن حافظوا فيها على لهجتهم بجانب اللغة العربية، وقد ****** كثير منهم العرب في اللغة العربية ذاتها، ولم يكن هناك مشكل بينهم حتى جاء الاستعمار الفرنسي بالظهير البربري وجاءهم من هذا الباب ليفسد عليهم وحدتهم وأخوتهم، والدعوة التي تسير في هذا الاتجاه تستهدف نفس ما استهدفه الاستعمار الفرنسي قديما وجب الحذر منه، وعليه فرفع شعار الأمازيغية بعيد كل البعد عن التطلعات الحقيقية لهذا الشعب، وضيق أفق، وتورُّم نظر..
ولنذهب بعيدا، لنفرض أننا قد فرضنا الأمازيغية لغة واتخذناها في مناهجنا التعليمية، فهل سننفق عليها البلايين من أجل نشرها في عالمنا العربي خاصة لأننا نشترك معه في وحدة القناعات والمقاييس والمفاهيم؟ هل سنجد إقبالا على تعلم الأمازيغية لتحل محل العربية التي ينطق بها كل العرب بما فيهم المغاربة؟ كيف نتعامل نحن مع أبنائنا حين يأتون من المدرسة وقد تعلموا كلمات أمازيغية؟ ثم هل تفيد في العلم والفكر والأدب؟ وإذا أفادت فكم من الوقت تستغرق حتى تصل إلى هذا المستوى من الإفادة؟ هل الأمازيغ رواد في العلوم الطبية والهندسية والفيزيائية والرياضية والفلكية وغيرها حتى تدرس تلك العلوم بلغتهم؟ كفى استغباء للناس؟
لو كانت الأمازيغية لغة العلم التجريبي لحق لها أن تُستهدف من طرف العقلاء، ومن طرف من يريد أن يقتعد المكانة المرموقة في الموقف الدولي، لو كانت كذلك لكانت وبحق اللغة الأولى في العلوم التجريبية وليس في المعارف والثقافات لأن العربية أفضل منها من حيث الثراء والغنى، ونحن لا نريد تضييع ما بناه أجدادنا لمجرد إرضاء نزوة عند هذا، أو غرور عند ذاك..
العربية والأمازيغية وكل لغات الدنيا التي هي بعيدة عن العلوم التجريبية لا يلتفت إليها من يريد التقدم العلمي والتقني، وإذا كانت هي التي تتصدر العلوم كان أولى بها أن تُتبنّى، والذي يتبناها موفق تماما، والذي يتعصب للغته ولو كانت العربية مادامت بعيدة عن العلوم التجريبية غير موفق وهو متعصب عن جهل..

رابعا: إصلاح الدستور

إصلاح الدستور مطلب رُفع في مسيرات 20 فبراير و20 مارس، ولكنه لم يكن شعارا موفقا نظرا لغياب مشروع حضاري موحد في المسيرات والمظاهرات، فالتغيير تغيير، والإصلاح ترقيع، فإصلاح الدستور يعني ترقيعه، وهذا الترقيع عبقرية غربية ظهرت حين ظهور المبدأ الاشتراكي الذي شرع يشوش على المبدأ الرأسمالي ويعمل فيه بمعاوله، وشرع ينتزع عنه مشروعيته، فبادر أهله (أي أهل المبدأ الرأسمالي) ومفكروه ومنظروه إلى خلق أفكار جديدة يرقعون بها نظامهم حتى لا ينهار أمام ضربات المعول الاشتراكي وقد نجح، وعليه فالدعوة إلى الإصلاح؛ دعوة إلى الترقيع، فالمجتمع الذي يسوده المبدأ الرأسمالي كالمغرب إذا أريد له الإصلاح معناه أريد له البقاء والاستمرار فيأتي الإصلاح بوجوه جديدة، ويذهب بوجوه قديمة، يأتي بما هو امتداد لما سبقه، وهذا ليس من التغيير في شيء، انظروا إلى الثورة التونسية فقد سرقت وصارت امتدادا لعهد ابن علي، ولكن بوجوه جديدة وشعارات جديدة وإدخال تعديلات على الحياة السياسية والاجتماعية، والثورة المصرية مسروقة أيضا وباتت امتدادا للعهد الذي كان، بل هي امتداد للنفوذ الأمريكي المتمثل في قادة الجيش وخصوصا الطنطاوي، وسيكون امتدادا لنفس النفوذ بشخصيات مدنية كالبرادعي مثلا أو أنور نور أو عمرو موسى أو غيرهم، وما التغييرات في الاستفتاء إلا ترقيعات، فالمصريون لم يغيروا في الجوهر شيئا مثلهم مثل التونسيين، وسيلحق بهم اليمنيون والسوريون والليبيون.. كل ذلك لا يمت إلى التغيير بصلة، بل هو ترقيع للنظام الرأسمالي العفن، ولا أقول أن الأصل العودة إلى الإسلام دين هذه الشعوب ودين أمتنا جمعاء، لا أقول ذلك لأنه في الأصل يجب أن يكون بديهيا لأنه مطلب حضاري، ولكننا لم نرق بعد إلى مستواه، ولم نتعقل كل التعقل حتى نطالب به ونعمل على إيجاده في معترك الحياة، لا أقول الإسلام، لأن الإسلام دين العقلاء كما قلت، ونحن لسنا من جنسهم بتعلقنا بغيره..
إن المطالبة بتغيير بنود في الدستور يجب أن ينظر إليه من حيث النتائج، فلو حصل ذلك وهاهو ذا يحصل، فهل ستتغير طريقة عيشنا لتنسجم مع حضارتنا وثقافتنا؟ الجواب لا بطبيعة الحال، وعليه فمن التصحيحات في حركة 20 فبراير إعادة النظر فيما يرفع من شعارات، وفيما يخط من مطالب.
خاسا: تغيير النظام

من ضمن الشعارات التي رفعت في مسيرة 20 فبراير شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، وقد بدا شعارا بئيسا يردده أطفال شاركوا في المظاهرات وساهموا في التخريب وقد وقفت على تخريبهم بأم عيني، والشعار كان مجرد محاكاة للشعب التونسي والشعب المصري، ولكن ومع ذلك هناك من يستهدف تغيير النظام، ولنا أن نتساءل: ما المقصود بتغيير النظام؟
المقصود بتغيير النظام تغيير الإطار الفكري والمفاهيمي الذي يقوم عليه النظام، وبما أن النظام نظام رأسمالي، فإن التغيير الحقيقي يكون من الرأسمالية إلى الاشتراكية مثلا، أو من الرأسمالية إلى الإسلام، ولكن هذا غير متصور لدى المتظاهرين، لأنهم في جمهرتهم لا يفقهون معنى تغيير النظام، وإذا سرنا مع الذين يستهدفون تغيير النظام دون أن يكن لهم تصور بديل يشمل الحياة كلها في الاقتصاد والسياسة والتعليم والقضاء والحكم والداخلية والخارجية وغيرها، فإن الشعار مجرد شعار فارغ دال على سطحية من يرفعه، وإذا نحن أمعنا النظر نجد أن لا أحد طالب بإيجاد الإسلام في واقع الحياة حتى يكون التغيير تغييرا للنظام فعلا، ولم نلحظ أحدا طالب بإيجاد الاشتراكية في واقع الحياة حتى يكون التغيير تغييرا للنظام فعلا، فكان أن ذلك الشعار كمطلب لم ينضج بعد، وما ظهر في الثورة التونسية والثورة المصرية والثورة اليمنية والليبية والسورية لن يحقق تغييرا للأنظمة، بل سيحقق تغيير الأشخاص، هذا تؤكده الوقائع، وتدل عليه القرائن، فكان الشعار مجرد شعار كما قلت، وعليه فالمقصود بتغيير النظام ليس تغييرا للنظام، بل هو تغيير لأمارات النظام، لأشكال النظام دون المساس بالجوهر، فتغيير عباس الفاسي مثلا بعباس الطاسي ليس من التغيير في شيء، انظروا إن شئتم إلى الثورة المصرية وعملية التغيير فيها، فقد أبقت على النفوذ الأمريكي ممثلا في الطنطاوي، وأبقت على النظام الرأسمالي ممثلا في نتيجة الاستفتاء..
إن تغيير النظام مطلب لا يرقى إليه إلا صاحب مبدأ يحمل مشروعا حضاريا بديلا للنظام الذي يراد إسقاطه وتغييره، وهذا بعيد عن حركة 20 فبراير، كما أنه بعيد عن حركة تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والبحرين..
وبما أن التغيير لا يستهدف النظام فعلى الأقل ومن باب الأخذ بأخف الضررين ألا نقبل برجعية أنكى من الرجعية الحالية، فالتقدمية الممثلة في الأحزاب الاشتراكية لن تجدي في التغيير شيئا، صحيح أنها تستبدل شينا بشين ولكنها لن تأتي بزين، وعليه فهي من ضمن الأدوات التي لا تمت إلى حضارتنا وثقافتنا بصلة، فيكون موضع التغيير في الأشكال والأمارات كما قلت، وليس في الجوهر، فإذا وصل الحال بأن صار المغرب ملكية برلمانية يملك فيها الملك ولا يحكم كما يدعو إليها ابن عمه الذي تبارك مسعاه أمريكا، ويدعوا إليه غيره من المغاربة، فإن النظام الذي سيوجد لن يكون إلا امتدادا للسابق، وإذا تميز عنه تميز بأن صار كوكتيلا طعمه كريه، وتجرعه عسير، وإذا وصل الحال بأن صار المغرب جمهورية فإن جمهوريته ستكون شبيهة بالجمهوريات العفنة سواء جمهورياتنا في عالمنا العربي أو جمهوريات ما كان يعرف بالمعسكر الشرقي أو جمهوريات الغرب الرأسمالي العفن..
ولا يعني ذلك أن التاريخ متوقف على ما استشرفته، كلا، التاريخ في حركة لا تنقطع، ولكنها حركة تحسب بالسنين والعقود والقرون، وعليه فإن التغيير كائن في التغيير ذاته، فلا يدوم شيء، ودوام الحال من المحال، أقول هذا طردا للتيئيس من التغيير الذي يقيم صرحا نابعا من حضارتنا وثقافتنا.
هذه إشكالية كبيرة تحتاج إلى إعمال عقل، والتحلي بالصبر في دراستها ومجاهدتها لاستخلاص الجيد منها وعزله عن الرديء، والجميل من القبيح، ولن تجد جمالا وحيدا في كلا المبدأين المستهدفين؛ الرأسمالية والاشتراكية..
فإذا كان الأمر على هذا النحو فالخيار لا يكون ببتر اليد اليمنى لتسلم اليسرى، بل يكون باختيار أخف الضررين في انتظار النضج المفقود على نوع الثقافة التي تستحق أن تشكل الحضارة التي يجب أن نحيا عليها ونتصرف وفق مفاهيمها وقيمها ومثلها، والنتيجة أنه لن يأتي من غير الملكية إلا الشر المستطير إذا لم يكن نظاما منبثقا من تراثنا وثقافتنا وحضارتنا، ونحن لسنا شنا، واختياراتنا ليست اختيارات طبقة..
بعض التقدميين والأمازيغيين في المغرب لا يستهدفون إلا نظاما قبيحا فاشيا، والسبب في ذلك أنهم لا يفقهون الأنظمة، ولا يدركون مدى أحقيتها في حكم الناس والسيادة عليهم..
ولا يقال أن هذا الطرح يخدم النظام الملكي والملكية، لا يقال ذلك وقد نوقش الموضوع بموضوعية بعيدا عن أي ميل إلى خدمة نظام على حساب نظام آخر، وإنما جاء بناء على دراسة مستفيضة، وتدبر عميق ينتهي إلى الاستنارة دائما وأبدا، وهو ما توصلنا إليه..

سادسا: سيادة القانون

من ضمن الشعارات المرفوعة إسقاط قدسية الملك، وتحقيق سيادة القانون، وهذان الشعاران شعاران مقبولان لا يستثنيان أحدا، لا يستثنى الملك لأن القدسية التي تكون لفرد من الناس تدفعه للسخرية من نفسه إذا كان ناهضا، وتعيده إلى عصر ادعاء الألوهية إذا صدق نفسه أنه مقدس، والبشر تقدموا وارتقوا فكريا ومعرفيا، ومن يزعم لنفسه القدسية يزعم لنفسه ما لا يكون، وليس الأمر محصورا في بند من بنود الدستور المغربي المتعلق بقدسية الملك، بل هناك من زعم القدسية لشيخه ولإمامه.. وذلك مما عفا عنه الدهر، وعليه فلا قدسية لأحد إلا ما كان من طبيعته القداسة..
وأما سيادة القانون فإنها لا تستثني الملك ولا ولي عهده ولا أيا كان من أفراد أسرته، فهم سواء أمام القانون، وهذه السواسية مما تجعل العدل متحققا بين الناس بصرف النظر عن نوعية الفكر والقانون المطبق، إذ لو كان القانون وضعيا وهو كذلك، أي بقابلية أن يتغير، أو بقابلية أن يصبح قبيحا بعد أن كان حسنا، فإن تطبيقه على الجميع يجعل العدل متحققا كما قلت ولو كان القانون من وضع إنسان عاجز ناقص محتاج متأثر بالبيئة التي يحيا فيها الشيء الذي لن ينتج قانونا بصفة الكمال ومع ذلك يتحقق العدل، ولا ينفلت من تطبيق القانون مذنب أو مجرم أو مدان..

سابعا: الخصخصة أو الخوصصة

الخوصصة ظلم واعتداء على الملكية العامة، فهي انتزاع للملكية الفردية أو الجماعية وتمليكها لغيرهم من الأفراد والشركات، ومنع الخصخصة (الخوصصة) لأنها ظلم واعتداء على حقوق الشعوب والأمم واعتداء على الملكية الجماعية يجعل الإنسان يقف عند مسافة واحدة مع أخيه الإنسان تجاه ما وجد في هذه الأرض مما لم تعمله يده كالبحار والأنهار والغابات والمعادن.. إذ كيف يعقل تملّك شيء طبيعة تكوينه تمنع اختصاص الفرد والشركات بحيازته؟ وكيف يعقل تملّك المعادن التي لا تنقطع؟ كيف يعقل تملك المرافق العمومية التي يتفرق الناس في طلبها إن هي ملّكت للأفراد مثل الماء والكلأ والنار؟ إن الناس تتفرق في طلب الماء إذا كان الماء مملوكا للأفراد والشركات، أو تلجأ إلى نفس الأفراد والشركات تستجدي عطفهم ورحمتهم، وتؤدي ثمنا ليس من حق الفرد أو الشركة أخذه، لأن الناس يجب أن يشتركوا (ليس اشتراكية طبعا) فيما كان من المرافق العامة للجماعة أو الشعب أو الأمة لا يحرم منه فرد واحد.
ثم إن المعادن التي سرعان ما تنقطع، ولا تكون بشكل تجاري يجوز تملكها ويؤدى عليها مستحقاتها إلا أن تكون من المعدن العدّ الذي لا ينقطع، عند ذلك لا يصح التملك من طرف الفرد ولا الدولة، لأنه ملك جماعي تشرف عليه الدولة ولا تضمه إلى ملكيتها، لأنه ليس لها، وتوزع عينه أو منفعته على الشعب أو الأمة وذلك كالبترول والماء والكهرباء والفوسفات إلخ.
ثم إنما كانت طبيعته تمنع اختصاص الفرد به لا يملّك أيضا لأنه يكون من مرافق الجماعة، فللفرد مثلا أن يملك عين ماء، ولكنه لا يصح له تملّك نهر أو واد..
وحين نورد هذا فإننا نسوقه للفت انتباه الناس إلى مخالفة ذلك للواقع، ومن هنا كانت الخصخصة أو (الخوصصة) فكرة رأسمالية خبيثة تبيح للفرد تملّك مالا يستحقه، وتبيح للدولة تمليك الأفراد والشركات ما ليس لها، لأنها لا يحق لها أن تتصرف في أملاك الشعب والأمة بتمليك الأصول كالأنهار والغابات والمراعي وما إلى ذلك، وأن تبيعه وتبيع أصوله مثلما جرى في طنجة من تمليك الغابة الديبلوماسية وغابة الرميلات لأفراد وهي ملكية الشعب.
ما تم خصخصته (أي جعله ملكا لأفراد أو شركات) لا يجعل حق استرداده متقادما، فللشعب والأمة أن تعيد ما تم خصخصته وهو لها، أي هو من الملكيات العامة لا يحق للدولة أن تملكه، كما لا تبيح الخصخصة الاعتداء على الملكية العامة للشعب والأمة، بل الخصخصة فكرة خبيثة كما قلت بها يتم سرقة أملاك الشعب..

ثامنا: الديمقراطية

جميع الثورات التي انطلقت في العالم العربي رفعت شعار الديمقراطية كمطلب رئيسي تسعى لتحقيقه.
والديمقراطية سلعة رائجة في عالمنا، حتى الذين كانوا يحملون شعار الاشتراكية تحولوا عنها إلى الديمقراطية، بل حتى الذين يحملون شعار الإسلام تحولوا عنه إلى الديمقراطية، ولنا أن نقف قليلا مع هذه الديمقراطية، لنا أن نتساءل:
أي الديمقراطيات تستهدف ثوراتنا؟
هل تستهدف الديمقراطية الغربية؟
وإذا استهدفتها، فهل تصطفي الديمقراطية الأمريكية أم الديمقراطية الفرنسية أم الديمقراطية الإنجليزية؟
هل تستهدف ديمقراطية عربية على غرار الديمقراطية الحسنية نسبة إلى ملك المغرب الراحل الحسن الثاني؟
إن وقفة متزنة يملك الإنسان فيها كل قواه العقلية دون تشنج وانفعال يدرك أن الديمقراطية في العالم ما هي إلا سلعة مستهلكة تستهلكها الدول شعارا من غير مضمون، فالديمقراطية فكرة خيالية لم تتحقق في الماضي قط، ولن تتحقق في المستقبل لأنها بغير قابلية التحقيق، ونظام حكمها كما قال ونستون تشرشل من أسوأ الأنظمة قال: ((إن أسوأ أنظمة الحكم في العالم بعد الديكتاتورية هو نظام الحكم الديمقراطي)) ومع ذلك لم يفطن لها إلا القليلون، وكيف تتحقق الديمقراطية وهي تقضي اجتماع الشعب على صعيد واحد ليحكم، وإذا قيل أن ذلك مستحيل وهو بحق مستحيل تم الانتقال إلى التمثيل، فكان للشعب ممثلون له في البرلمان يشرعون ويختارون حاكم الشعب بما يراه الشعب لأن تشريع القوانين يعود للشعب ممثلا في مجلس النواب، ولكن الناظر إلى عملية الانتخاب يدرك أنه ما كان قط هناك في البرلمانات ممثلون يمثلون الأغلبية، بل هم دائما أقلية ويمثلون الأقلية الشيء الذي يظهر فيه الاعتداء على حق الشعب في الحكم والتشريع، وفي النهاية يتبين أن الشعب لا يشرِّع ولا يحكم وهو الواقع العملي في جميع الدول التي تعتمد الديمقراطية شعارا مجرد شعار، فهي تسير بالناس إلى أن يشرعوا لبعضهم البعض في بعد تام عن المشرع الحقيقي الذي يجب أن يكون ربهم وخالقهم الذي فطرهم على ميول هو أدرى بها من غيره لأن الإنسان من خلق يده، وهو صنعته، وهو الذي لا يخطئ في سنه القوانين ووضعه الأنظمة، وهذا كما أشرت سابقا هدف العقلاء وهم ليسوا ديمقراطيين بطبيعة الحال ولا اشتراكيين، ولو كانوا مَمْدَرِيّين لكانوا على الجادة نحو التعقل، ثم إن نحن قبلنا بهذا الخيال، فمن أي الدول نقتبس الديمقراطية، هل نأتي بها من الطغيان العالمي؛ أمريكا؟ هل نأتي بها من أم مشاكلنا في التمزيق والتشتيت وخلق الكيانات الكرتونية؛ بريطانيا؟ هل من الدولة المغرورة التي تسير بجنون العظمة الفكرية والثقافية؟ هل لهذه الدول رصيد من الحسن والخير في بلادنا أم ليس لها إلا الاستعمار والاستعباد ولم تزل؟
إن وقفة متأملة في ديمقراطيات العالم يدرك أنها ديمقراطيات مصالح، فإذا كانت لأمريكا مصلحة مثلا في سرقة بترول العراق فالديمقراطية هي المدخل لاستعماره وسرقة خبراته، وإذا كانت أمريكا على لسان وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون لا تقبل نفس السيناريو التي نفذته مع بريطانيا وفرنسا تجاه ليبيا في حق سوريا؛ فلأن سوريا عميلة لها بوجه الممانعة الذي انخدع له الكثيرون، فهي التي قبلت ببشار حين اجتمعت به أولبرايت في مطار دمشق وأعطته الضوء الأخضر في خلافة والده رغم تصنيف سوريا ضمن الراعين للإرهاب الدولي، فهو مصلحتها في لبنان لحماية إسرائيل سابقا أثناء وجوده عسكريا فيه، واليوم بتحريكه لحزب الله صاحب القلب الإيراني والذراع السورية، وعليه فلا تقبل أمريكا أن يزاح عميلها وليس لها بديل كما فعلت بحسني مبارك الذي اطمأنت إلى من خلفه وهو الجيش، وإذا صعد من المدنيين رجل يحكم مصر فإن الجيش يظل في يدها هذا إذا جاء رئيس ليس على بذلته شارة العمالة لأمريكا وهو احتمال بعيد جدا.
أهذه هي الديمقراطيات التي نستهدفها؟
انظروا إلى أعرق الدول في الديمقراطية فهي دول لا قيم لها، فالقيمة الروحية والقيمة الإنسانية والقيمة الخلقية منعدمة فيها، فهي من باب المخادعة تدعي ذلك وتفسح المجال للمجتمع المدني وللكنيسة للقيام بذلك، ولكنها هي لا تعرف غير النفعية، إذ إنها (أي النفعية) مقياس الأعمال في المبدأ الرأسمالي الذي ابتلينا به، فحرية التملك ووجود مقياس الأعمال الذي هو النفعية ترتب عليه وجود الرأسمالية الضخمة، الغول المرعب لأنه دائما في حاجة إلى المواد الخام لتشغيل مصانع الغرب، ودائما في حاجة إلى أسواق لاستهلاك منتوجه وكان ذلك سببا في التنافس على استعمارنا واستعمار شعوب غيرنا، كل ذلك من أجل الاستيلاء على خيرات تلك الشعوب، بل قد حذا بها الجشع والطمع إلى خلق حروب من أجل بيع الأسلحة، وخلق أمراض من فيروسات وغيرها كأنفلونزا الخنازير لبيع الأدوية وهكذا.
................
محمد محمد البقاش رئيس لجنة تصحيح مسار 20 فبراير GSM 0671046100 / طنجة في: 01 أبريل 2011 mohammed_bakkach@hotmail.com