تعب كلها الحياة ...بعينين مرهقتين يمشي خالد .. غالبا بخطو سريع .. مل سمعه جملة من التعابير السوقية، التي أصبحت لسان حال وسط اجتماعي .. هنا وهناك، حيث تتشابه المعالم والأحوال .. اعتاد خالد الخروج من البيت بين الفينة والأخرى، آملا أن يرى جديدا، أو يسمع به .. تراه يفكر بأمله ما إن يخطو الخطوة الأولى خارج عتبة باب البيت ..
اليوم كالعادة خرج ليعود وقد أثقلت نفس الكلمات السوقية، والعبارات الحارقة سمعه .. في الطريق إلى البيت لقي جماعة من الأشخاص .. كل بسلوكه المعين .. هذا لا ينطق إلا بأسفل الكلام، وآخر يكتفي بالإشارة من بعيد أو بالسلام .. فهو في الغالب قليلا ما يسمع حديثا طيبا ..
بقي خالد يمشي بخطى سريعة إلى أن انتهى به السير حيث البيت الذي يسكن فيه .. فكره مشغول بحالات كثيرة .. أخذ الإستغراب، والمفاجأة، والإستفهام مكانا في ذهنه .. يحاول فهم الإستغراب فتفاجئه المفاجأة، وعندما يحاول صد المفاجأة، يجد نفسه أمام الإستفهام ...
على وجه خالد بدت آثار اختلفت أسبابها، لكن الأثر الوحيد الذي قل ما يجد طريقه إلى ملامحه هو الراحة، وبتوالي غياب أثر الإرتياح والرضا .. اعتل جسمه بعلل لم يكن يرغب فيها .. كل ما كان يطمح إليه هو الوصول بسرعة إلى البيت حتى لا تنضاف علل أخرى لتزيد من سوء حاله .. هيهات هيهات .. الأمواج عاتية، والسباح احتار في أمرها.
ولما نال خالد غايته وطرق باب البيت، وفتح، ودخل .. بادر بالسلام، ثم سار إلى سريره يريد الخلود إلى الراحة .. ارتمى فوقه وكأنه يطمع في التخلص دفعة واحدة مما أثقل بصره وسمعه .. رأته أمه على حال سيئة مستلقيا، فخاطبته قائلة: من يراك على هذه الحال يحسب أنك عدت من عمل شاق .. في كلمة واحدة رد خالد ..متعب .. كانت كلمة واحدة في مسمع أمه، أما لفظها عند خالد، فكان عنوانا لصفحات طوال طرقت تفكيره مجتمعة في وقت واحد .. لم يستطع دفعها عنه ...
التقت نظرات الأم ونظرات ابنها .. كل نظرة تصب في مصب .. قبض الصمت معالم المكان .. زاغ نظر خالد عن أمه إلى حيث سقف الحجرة .. أطال النظر وبزفرة طويلة سار ببصره إلى باب الحجرة ..
كاد الدمع ينبعث من عينيه .. كان يفكر بأمر ما بنفس مضطربة تحاول أن تجد الهدوء الداخلي .. حاول العثور على أجوبة الكثير من الأسئلة المتبادرة إلى ذهنه .. استعرض سريعا ما استعرض من مشاهد .. افترض ما افترض من أسباب لها، ثم تساءل في كلمة واحدة .. لماذا؟
د. أبو شامة المغربي
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد الشرقاوي