الأخ والصديق عبد الله نفاخ .. تحية طيبة ..
هكذا قرأت النص قراءة متواضعة ..
مسافة زمنية تفصل بين البطل والمكان ، مكان ينام على ماض مشحون بالذكريات .. فرغم تغيره أمام غبار الزمن ، فإنه مارس سلطته على نفسية البطل ، فجعله متردداً متوتراً قلقاً .. وشتان بين مكان الأمس واليوم ..
تردد البطل في معانقة المكان بصدر رحب ، وكلما خطا تناسلت مجموعة من الذكريات لصيقة بالنفس والذات والمكان .. ذكريات شاهدة على الزمن الغابــــر ..
أعتقد أنها ذكريات لا يود البطل أن يخبشها ، / يغلق باب ذكرياته الهادرة كالسيل / والواقع ، مهما حاول ، فلن يستطيع إغلاق توالدها .. لأنها مرتبطة بسلطة الماضي الكامن في تجاويف الذاكرة ، وكأن الحاضر ناب عن الماضي وقام بفتحها بالتدريج قسراً عنه ..
تيمة " الندم " تهيمن على النص، ويمكن اعتبارها دعامة لمسار الحكي من بديته إلى نهايته ،مما ينم عن نفس طويل للسارد في صنع الأحداث وتطورها ، تيمة ولدت عدة قيم عند البطل الحفيد منها : التوبيخ للذات والنفس / التفريط واللامبالاة / التأخر في زيارة جدته / كل هذه القيم جسدها السارد عن طريق مؤشرات لغوية واضحة : تأخر عن زيارتها زمناً / يتذكر تفريطه في حقها / ..
بفنية متميزة جر السارد القارئ لمتابعة الحكي الشيق ،حكي حثنا على التعاطف وتحريك إنسانية لا حد لها .. ونحن نعتقد أن الموت عادياً ، لكن السارد غير دفة السرد فجأة من أجل تحفيز القارئ ، وتكسير أفق انتظاره ،
في بداية النص ، كانت وتيرة السرد هادئة مما فسح المجال أن يغوص البطل في ذاته ، وأن يكشف مشاعره وخواطره .. فكان لا بد أن يمزج بين السرد والوصف ليعطينا ومضات عن وضعية جدته وهي ميتة : / جدة فاضلة / مسحة من شباب / قوية / ثابتة / صارمة /.. دون أن يشير إلى حياتها الماضية ..
عندما نقرأ النص بإمعان ، نستشف أن كلماته كانت تسابق الزمن ، كأنها شحنات داخلية نابعة من شعوره تجاه ثلاث وسائط : الذكريات ، المكان ، الجدة .. كلمات لم يجد فيها السارد عناء في إنتاجها ، فهي تتدفق على لسان البطل في تواز مع حالته النفسية ، وسرعة الزمن نحو هدف واحد وهو : اللحاق بالجدة .. .. لكن السرد فتر بعدما وجد جدته جثة هامدة .. لغة سهلة متراصة يلا حقها قلم سيال من أجل تدوينها وترتيبها، ووضعها في المكان المناسب ..
وفي نهاية النص ، جاء السرد سريعاً ومختصراً ، ركز فيه السارد على شخصية أخرى ، تحاصره التيمة السابقة : " الندم " وهي مفاجأة جديدة للقارئ ، فالاعتقاد المستنبط من بداية النص أن كلمة " سامحيني " هي صادرة من حفيد الجدة .. إلا أنها صادرة من الذي ساهم في الحادث رغم أنه لقي نفس المصير .. / كان ينظر إلى الأمام / ملقى على الأرض / ..
نص جميل ، تشع فيه إنسانية لا حد لها ، وما قيمة الأدب إن لم يكن إنسانياً .. ؟
اعتمد السارد على تصوير الوضعيات تصويراً دقيقاًَ ومحكماً : وضعية البطل وهو يتذكر / وضعية البطل وهو يتفقد جدته / وضعية البطل وهو يصارع فكره وشعوره /..وضعية بطل وهو يطلب المسامحة / كلها وضعيات قاسمها المشترك : الإنسانية .. وعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان ..
جميل ما كتبت أخي عبد الله ..
الفرحان بوعزة ..