النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: مع الطرائف الجحوية (١)/محمد بن أحمد الرشيد

  1. #1 مع الطرائف الجحوية (١)/محمد بن أحمد الرشيد 
    ...... الصورة الرمزية د.ألق الماضي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    الدولة
    بين الكتب
    المشاركات
    10,196
    مقالات المدونة
    12
    معدل تقييم المستوى
    31
    في مجتمعنا، وفي عالم التربية على وجه الخصوص، تسمى العطلة في آخر العام الدراسي (العطلة الصيفية).

    والعطلة معناها التوقف عن العمل، والاستراحة من مشقة الدراسة، والنفوس كما جبلها خالقها بحاجة إلى الراحة، وقد ورد في الأثر ما معناه (أريحوا النفوس ساعة بعد ساعة؛ فإن النفوس إذا تعبت كلت، وإذا كلت عميت..) فلنستريح ولنضحك بعض الوقت؛ فقد ثبت أخيراً أن الراحة مع الضحك مفيدة، وشفاء للروح والجسد.. ولعظم فائدة الراحة وطيب مردودها على العمل والإنتاج نرى المؤسسات الحكومية والأهلية تدفع بموظفيها إلى قضاء إجازة طيبة، وتساعدهم وتشاركهم أسباب الراحة فيها.

    ومع الراحة في الإجازة الصيفية أسعد معكم بالحديث عن شخصية حبيبة إلى نفوس الجميع.. إنها شخصية جحا وطرائفه.. فمن هو جحا؟

    هل هو شخصية حقيقية أم خيالية؟ يقال في احدى الروايات: إن جحا العربي اسمه الحقيقي: أبو الغصين دجين بن ثابت، وأنه ولد بالكوفة، وعاصر الباطش الجريء أبا مسلم الخراساني، وقد نمى خبره إليه فاستدعاه، واستظرفه، وجازت عليه حيلته، فحسبه أبله، أو مخبولاً، وما هو في الحقيقة بأبله ولا مخبول، ولكنه ساخر بارع، يلعب بالعقول.

    ويُسند إلى جحا «أبي الغصن» هذا اللقاء في ذكرياته التي نقلها لنا من قال إنه ابن أخيه طارق بن بهلل. قال جحا: «لقد نَمَت بعض أخباري إلى أبي مسلم الخراساني القائد الجبار الذي هزم الدولة الأموية، وزلزل كيانها، وأقام الدولة العباسية، وثبت دعائمها وأركانها، وشيد بنيانها، فامتلأت نفسي منه رعباً وفزعاً أول الأمر حين استدعاني، ثم جريت على مألوف عادتي في الاستهانة بما لا حيلة لي في دفعه من الأخطار، ومقابلته بالابتسام، ولم أكن أعلم لاستدعائه إياي سبباً. فلما وصلت إلى ديوانه علمت أن صديقي «يقطين» قد سمع «أبا مسلم» يذكُرني بالخير في أحد مجالسه، ويتنادر بما أذاعه بعض الأغبياء عني من ضروب الغفلة (مع أني لست بغافل ابداً).

    فلم يكد يتبين شوق أبي مسلم إلى لقائي حتى أخبره يقطين بمكاني، فأمر أبو مسلم باستدعائي إليه. فاعتصمت بالحذر، وتظاهرت بالبله، ولم أكد أرى صاحبي «يقطين» مع أبي مسلم، وليس معهما ثالث، حتى التفت إليه متبالهاً، وسألته متغابياً: أيكما أبومسلم يا يقطين؟ فانخدع في أمري أبومسلم على وفرة ذكائه وفطنته، واستغرق في الضحك من بلاهتي، وهكذا ضمنت الفوز في البعد عنه والنجاة من صحبته».

    وقد ذاع صيت أبي الغصن جحا، ونبه ذكره في أوائل القرن الثاني من الهجرة، وأعجب الناس بما سمعوا به من طرائفه وملحه، ثم دفعهم إعجابهم به إلى أن خلعوا لقبه على كل دعابة مستملحة، ثم أضافوا إليه، على مر الزمن جمهرة كبيرة من طرائف غيره من المبدعين، فاختلطت بفكاهاته، وتعذر التمييز بين الأصل والتقليد.

    ولم يلبث جحا أن أصبح علماً على فن من فنون الفكاهة الشرقية، بعد أن كان علماً على شخص بعينه من أفذاذ الناس، وصار جحا موئلاً تلصق به كل الملح والطرائف.

    ثم ظهر الأستاذ نصر الدين التركي في القرن الثامن الهجري «الرابع عشر الميلادي» وقد ولد في أحد بلاد الأناضول، وقد عاصر تيمور لنك، وذاع صيته، وراجت فكاهاته، وحول الناس لقبه من خوجة إلى «جحا» لتقارب الاسمين، وتشابه سمات الشخصين.

    ومهما نغفل من الشخوص الجحوية، وما أكثرها في بلاد العالم، لا نغفل «تل» جحا الألماني الملقب ب «مرآة البومة لقبح وجهه»، وهو معاصر لجحا التركي، ويكاد يكون نسخة مكررة له، إن لم يكنه، وقد أطلق عليه لقب «مرآة البومة»؛ لأن البومة - برغم إجماع الناس على استنكار صورتها - لا ترى في المرآة إلا وجهها طبيعياً لا يعاب، وهكذا كان (تل).

    ومهما يكن من أمر، فإن الطرائف المنسوبة إلى جحا وأمثاله في أي بلد من بلدان العالم تمثل، أكثر ما تمثل، ألوناً من آراء منتحليها، وروح الدعابة الأصيلة في نفوسهم.

    لم يسلم جحا من اتهامه بالغفلة حيناً، والبله أحياناً، ولقد افتن الناس في نسبة الكثير من الأقاصيص التي تصوره في صورة غافل معتوه، ينطبق عليه ذلك الوصف الكاريكاتوري البارع، الذي رسم به الجاحظ أعجب نموذج للذاهل الحالم، وألصقه بكيسان النحوي، الذي يسمع غير ما يقال، ويكتب غير ما سمع، ويقرأ غير ما كتب، ويفهم غير ما قرئ، وقد نظم بعضهم هذا المعنى، فقال:

    «تقول له زيداً فيكتب خالداً

    ويقرؤه عمرا، ويفهمه بكرا».

    وهي غفلة يكاد يتسم بها بعض المفكرين الذين يحصرون أذهانهم في فكرة بعينها.

    وليس مثل «نيوتن» ببعيد عن الأذهان، حين ألقى بساعته في ماء يغلي وأمسك بالبيضة وهو يحسبها ساعته؛ ليراقب نضجها وشيها.

    ولعل هذا المثل يفسر لنا كيف حمل الناس كثيراً من الطرائف والدعابات الجحوية على غير محملها، وفهموها على غير وجهها.

    ** ** **

    ومهما يكن من أمر، فقد كان أبو الغصن «جحا» يؤثر التباله والتغافل، وتنطوي في أعماقه نفس صافية راضية بالحياة مبتهجة، وكان أسلوبه الرائع يفيض من إشراقه ومرحه على حقائق الحياة المرة، يكسوها من ألوانه الزاهية جدَّة وإشراقاً.

    أما تل «جحا الألماني»، فقد ميزه بعض الباحثين بقسط موفور من الغفلة، كما حلا لغيره أن يعزو إليه قليلاً من الخبث، واستدل بعضهم على ضيق ذهنه وموفور غفلته بما يؤثر عنه من المغالاة في تطبيق ما يسمع حرفياً، والوقوف عند مدلول اللفظ الحرفي، غير معني بما تنطوي عليه في أثنائها من دلالات حقيقية كانت أم مجازية، وافتن المتخيلون في نسبة كثير من المفارقات في هذا الباب تمثل أكثر ما تمثل ألواناً من آراء متخيليها وروح الدعابة الأصيلة في نفوسهم.

    ** ** **

    والآن.. اقرؤوا ما كتبه جحا المعاصر إلى ولده.. قال: ولدي الحبيب.. أكتب لك هذا الجواب، فإذا لم يصلك أخبرني، لكي أرسله لك مرة أخرى. أنا أكتب لك ببطء لأنني أعرف أنك لا تجيد القراءة بسرعة. هذا الجواب سوف أرسله مع أخيك عبدالعال، وهو الآن نائم؛ لذا سأضعه في جيبه حتى لا أنساه، وأنت تعرف أخاك فهو ينسى كثيراً؛ لذا فإذا نسي أن يُعطيك إياه مد يدك في جيبه الأيمن وخذه.

    الجو هنا رائع، لم تتساقط الأمطار الأسبوع الماضي إلا مرتين فقط، المرة الأولى استمر المطر ثلاثة أيام متواصلة، والمرة الثانية أربعة أيام متواصلة كذلك.

    بالنسبة للمعطف الذي تود أن أرسله لك سيكلف كثيراً في الشحن، لأن أزراره ثقيلة جداً؛ لذا قُمت بنزع الأزرار، ووضعتها في أحد جيوب المعطف ليكون وزنه أخف مما هي مثبتة عليه. بالمناسبة فإن أخاك وجد عملاً بعد طول انتظار، وهو مسؤول عن ما يقارب ٥٠٠ شخص! تصور؟! نعم هذا حقيقي.. فهو يقوم بتنظيف الأعشاب عن القبور.

    أختك (مرزوقة) حامل، ولكننا لا نعرف حتى الآن جنس المولود، لذلك فلن يكون بإمكاني اخبارك إذا كنت ستصبح خالاً أو عماً!.. وإذا رُزقتْ بطفل فسوف تسميه على اسمي.. هذه أول مرة أسمع فيها أحداً يسمي ابنه أبويا!!

    ذهبنا مع أخيك قرني إلى بلدة مجاورة، إلا أنه وقع في مشكلة كبيرة، فقد أقفل سيارته والمفاتيح بداخلها، واضطر للعودة إلى بلدتنا ليجلب المفتاح الآخر.. لكي يخرجنا من داخل السيارة.

    مع حبي.. أبوك الحنون.

    ملاحظة: أردتُ أن أضع لك بعض النقود في الظرف، لكني مع الأسف تذكرت ذلك بعد أن أغلقته.

    مع طرافة هذه القصة وسذاجة نسجها فإنها فكاهة جميلة سطرها ذكي موهوب. فاضحكوا معه ومعنا.

    وفقنا الله جميعاً إلى الخير والصواب والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها، اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة، وأمدنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد.


    ألقٌ من السِحرِ ..أم سِحرٌ بـهِ ألقُ
    وفي حروفِكِ يأتي البدرُ والشـفقُ
    وحِـسُ قلبِكِ أثْـرَىَ لحنَ أغنيتي
    فصـار قلبي على كفَّـيْكِ ينطلقُ
    أأكتبُ الشّـِعرَ أم أُهـديكِ قافلةً
    من الورودِ عليها القلبُ والحَـدَقُ
    ورمزُ اسمـِكِ مكتُوبٌ على شَفَتي
    من قبلِ أن يُولدَ القِرطاسُ والوَرَقُ
    ثروت سليم
    رد مع اقتباس  
     

  2. #2  
    مشرف الصورة الرمزية محمد يوب
    تاريخ التسجيل
    Nov 2009
    الدولة
    الدار ابيضاء المغرب
    المشاركات
    944
    مقالات المدونة
    21
    معدل تقييم المستوى
    15
    إطلالة جميلة على شخصية ممتعة و الأجمل هو هذه الطرائف التي أتحفتنا بها.
    مودتي
    رد مع اقتباس  
     

  3. #3  
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    المشاركات
    5
    معدل تقييم المستوى
    0
    طرائف جميلة لشخصية طالما عرفناها لكنك اليوم اخي بينتها لنا بطريقة ثقافية وواضحة اكثر راقتني هذه القصص المعبرة رغم طرافتها
    لك مني كل الود
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 05/04/2010, 08:52 PM
  2. مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 14/04/2008, 07:37 PM
  3. مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 12/04/2008, 10:08 PM
  4. محمد محمد البقاش يفوز بجائزة ناجي نعمان الأدبية لسنة 2007
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 28/04/2007, 02:04 PM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •