هاد انت ياهادي في صبرك وجلدك في محبتك وكرهك، في تحيتك ومصافحتك ،تغمرك السكينة والوقار ،أفصحت عن عتمة الليل، سلبت كل قواك ومع ذلك لاتمتثل ،لقد قيدتك العادة كما قيد حمار الحكيم ،فصرت مكبلا بلا قيد ،زنزانة بها ورود وتحف ،تفرقها عن الزنازين المعروفة شبابيك من حديد ،هواؤها يحمل جراثيم قاتلة فتاكة متحكمة في الداخل إليها والخارج منها ،دمع مختلط بالتراب ،فكان الفاصل بينها وبين ثراها أياما معدودات ،لازالت صورتها أمامي رافعة يديها إلى السماء راجية الرفق من الله تعالى بما اصابها من جبروت وعادات سيئة اجتمعت في قلوب حقيرة، من ناقصات الدين والعقل أولئك اللواتي أفسدن نشأة بني الخلق فغدون ينسجن حكايات مبتدعة عن خيرة النساء ،أخطاء تلو الأخطاء ،يجر بعضها إلى بعض ،ترتطم الأماني والتناقضات فيختلط الأمر ولايدري من البدء شيئا ،يسمع ويرى والسكون جاثم على حركته وصوته ،لايدري كيف ان له أن يترنح بين القوة والضعف، وبين كذب ويقين ،حصادة دراسة تقضم كل شئ يعترض طريقها فغدت بذلك افعى سامة تنفث سمها في كل فريسة من نفس الفصيلة المفضلة، غير ابهة بالاشواك و الحواجز، تختار من السنبلات احسنها فكانت اخر فرائسها البذرة الأولى فاقتلعتها من جذورها دون رحمة ولا شفقة ، حيث ألقت بها خارجا في مرحلة ضعفها ،فكانت اخر مرة يراها ،لم يبق امامه إلا تلك الصورة العلقة التي لم تزلها الأيام ،بل بقيت كعلامة استفهام لجروح غير ملتئمة ،يزيد ندبها كل لحظة وحين ،لاجدوى من كل هذا وذاك ولاغرض ولا هدف .من منا يستطيع أن يعيش بدون هدف؟ إن صاحبنا هذا لايعرف من اليوم إلا ساعات يخلد فيها إلى نفسه لايهمه شئ إلا عباراته المريرة ،منزويا كعادته ،فيبدوا بجلسته أنه على مايرام مع انه فاض به الهم كما فاض الإناء من كثرة ماء فتبلل الطين ونبتت نبتة يانعة تلوح من بعيد طلبا ليوم جديد يمحي ألم الماضي وياتي بفرح أكيد،يتوق لواحة جميلة فيها خضرة وماء ووجه جميل ناطق سحرا وبهاءا....