نعم نعم يا صديقى .. هى قريتى .. تقع إلى الجنوب قليلا .. يحدها من الشرق نهر النيل العظيم .. ومن الغرب الرياح البحيرى .. ثم مديرية التحرير .
بإذنك .. سأقوم إلى النافذة .. أحب أن أرى مشهد الشمس وهى تغيب .. تضحك ؟ آه فهمت سبب ضحكك الآن .. لقد هبط الليل منذ وقت .. ! كم الساعة الآن ؟ يا إلهى .. ! لقد مضى الوقت معك بسرعة رهيبة .. نعم نعم .. ففى مثل هذا الوقت تماما .. فى مثل هذه اللحظة .. تنام قريتى .. ينام كل شىء .. حتى الحقول الخضراء .. المزروعات .. الأشجار .. حتى الشوارع .. تعيش فى انتظار حلم جديد يحمل صبحا .. تحمل صفحته لون الحب وإشراقة شمس .. كل شىء فى قريتى ينام .. حتى النسيم .. النيل .. السماء بنجومها اللامعة الرائعة .. كل شىء يا صديقى ينام .. إلا أنا !
تضحك ثانية ؟!
تسألنى لم لا أنام .. ؟
لا لا لا .. لا تذهب بك الأفكار بعيدا ..
ليس هذا هو ما حرمنى لذة النوم .. أنا لا أحب النوم بطبعى ..
لذلك أسهر الليل .. لأعد نجومه .. لأسطر أحلاما أفشل فى تحقيقها .. وأحيانا : أسهر لأبكى ..
آه .. يا صديقى ..
لقد ضربت على الوتر الحساس ..
تسألنى عن الحب فى قريتى ..؟
الحب يا رجل ؟!
طبعا عرفت قريتى الحب .. منذ منتصف العقد الثامن من القرن الماضى ، عندما دخلتها الكهرباء ، ودخل التليفزيون معها .. نعم .. لقد علمنا التليفزيون الحب .. علمنا كيف نحب .. كيف نهمس بالكلمات الحلوة .. العذبة .. كيف نكون فى رقة النسيم .. وعلمنا أيضا كيف نكون قساة .. !
تسأل : كل هذا من التليفزيون ؟
يال سذاجة السؤال .. !
وهل هذا شىء .. أمام ما فعله فينا التليفزيون ؟
يال جرأتك !!
تسأل عن أشهر قصص الحب فى قريتى ؟
لا لا طبعا .. ليس عيبا أن تسأل مثل هذا السؤال .. وأنا لن أبخل عليك بإجابته ..
لقد وقعت فى قريتى قصص حب كثيرة .. لم تصل إلىَّ أخبارها .. لما يحيط مثل هذا النوع من القصص من سرية وكتمان .. واسمح لى .. سأحكى لك أشهر قصة حب عَرِفْتُهَا .. وقعت أحداثها فى قريتى .. أعرف كل تفاصيلها ..
لأننى بطلها ..
إنها قصة غرامى أنا ..
نعم .. نعم .. كانت فى رقة النسيم ، اسمها ( نعيمة ) لها خطوات راقصة ، وحولها هالة تميزها .. وتحميها من نظرات المتسكعين من شباب القرية ..
لا .. لا .. أنا لم أحبها على الإطلاق .. لقد سبق وقلت لك .. كنت مشغولا بالليل والسهر .. وعدِّ أكبر قدر من نجومه ..
أبدا لم تصارحنى بحبها فى بادىء الأمر .. كنت ألمح فى عينيها نظرات حالمة سارحة .. تحيطنى فى حنان واضح .. كلا .. لم أفعل شيئا حينها .. كنت أتجاهلها .. وعندما أخلو بنفسى ؛ كنت أبتسم منتظرا ..
لا يا صديقى لم يطل بى الإنتظار .. فقد جاء يوم ابتسمت لى فيه ، فى بادىء الأمر لم أعرها أدنى اهتمام .. وكررت هى الإبتسامة مرة ثانية .. وثالثة .. ورابعة .. ثم اضطررت أنا للابتسام لها ، مدفوعا لمعرفة : ماذا بعد ؟
فى أحد أيام الصفاء ـ بينى وبين نعيمة ـ قالت لى : إن تلك النظرات التى كانت تحيطنى بها فى حنان ؛ قد تعلمتها من فيلم ( تليفزيونى ) ناجح اسمه ( النظرات الحالمة ) .. وأنها ابتسمت لى أكثر من مرة ؛ لأنها كانت خير وسيلة نجحت فى لفت نظر الحبيب ؛ فى فيلم آخر اسمه ( المطاردة ) .. !
بينى وبينك يا صديقى .. لقد ابتسمت فى نفسى عندما سمعت من ( نعيمة ) ذلك .. لا لا لا .. لم تكن ابتسامتى فرحا وسعادة .. بل كانت حزنا ..
كانت ( نعيمة ) .. ولم أكن أنا ( حَسَنَاً ) ..
لقد كانت تتحدث كثيرا .. لم يكن حديثها جديدا ، سمعته فى عشرات الأفلام التليفزيونية ، لذلك لم يكن حديثها صادقا .. لم يكن تعبيرا عما يجيش داخلها .. فقط .. كانت تعيد علىَّ نفس الكلمات بمزيد من الرقة والدلال ( المصطنعين ) .. وكان علىَّ أن أحسم الأمر بسرعة .. كل شىء ..
تسألنى ماذا فعلت ؟
لقد أنهيت كل شىء بينى وبين ( نعيمة ) ..
فكلماتها لم تكن لى .. كانت لآخر مجهول ..
هكذا إذن يا صديقى .. يجب أن يموت الحب فى قريتى .. لأنه تقليد .. زائف .. وغير صادق ..
آآآآآه .. أعرف طبعا ..
لم تعجبك نهاية قصتى مع ( نعيمة ) .. !
ماذا كنت تريدنى أن أفعل ؟ .. أواصل ؟ لا .. لا .. صدقنى لا أستطيع .. أنا لم أحبها .. ولا هى أحبتنى .. أحبت آخر غيرى .. حدد ملامحه الفيلم التليفزيونى .. عاش دوما فى مخيلتها .. فلم يفارقها ..
كانت تتخيله أنا .. !