مضى سريعا قطارنا.. لا أذكر من أين ركبت ، ولكننى أعلم تماما عدد المحطات التى أردت الوقوف فيها ولو قليلا.. ولم أفعل.. خوفا من أن يفوتنى القطار ، لم أفهم حينها أن قطارى لم يكن ليفوتنى.. ولا أن يركبه غيرى ، ولكنى خدعت نفسى ببراعة فأجدت.. حتى سخر الناس منى ، فضحكت معهم على نفسى.. وقطارى يقطع الأرض والزمن متقدما كأنه فارس جسور.. لا يألو على ماض ولا حاضر.. نظرت من نافذة العمر القصير.. على وديان تاهت أقدامى فيها يوما ، وأشجار لم تنمو برغم الماء الذى يجرى تحتها أنهارا ، وضحكات خرجت من نفسٍ شحيحة على الفرح ، طمس الدخان المحترق معالمها.. فلم يبق منى إلا شهوة وطول أمل.. بحثت عن شهيق جديد فلم أجد.. وإذا اللافتات على الرصيف تؤذننا بقرب الوصول.. لمحطة النهاية ، أغلقت نافذتى ولملمت حقائبى ومتاعى.. فما وجدت إلا مهلهلات تخضبت بالسواد.. فتذكرت حينها.. أنى لم أملك يوما تذكرة للركوب.