النتائج 1 إلى 12 من 46

الموضوع: السيرة الذاتية بين الشعر والنثر

العرض المتطور

المشاركة السابقة المشاركة السابقة   المشاركة التالية المشاركة التالية
  1. #1 أدب السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة وموضوعة المكان (الجزء الثاني) 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36


    أدب السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة وموضوعة المكان
    (الجزء الثاني)

    أ ـ الكتاب القرآني
    لا شك أن الكتاب القرآني يعد من بين الموضوعات، التي ينفرد بها الأدب العربي الإسلامي دون سائر الآداب في العالم، ويتميز بها الأدب العربي الإسلامي في العصر الحديث بوجه خاص، لكن حال الكتاب القرآني اليوم، تختلف عن حاله في السابق، حين نشأته وظهوره في المجتمعات العربية المسلمة، ويعود السبب في هذا الاختلاف والتباين إلى انحراف دور هذه المؤسسة التعليمية التقليدية، وغياب الالتزام بمبادئها وبكل أهدافها الأصلية ومناهجها الأساسية، وقد ظهر هذا الزيغ ابتداء من العصور التي شهد فيها العالم العربي الإسلامي انحطاطا فكريا واقتصاديا.
    وقد شغل موضوع الكتاب القرآني اهتمام كتاب الرواية والسيرة الذاتية العربية الإسلامية الحديثة، إذ أجمعوا في إبداعاتهم على تناول نفس المشاهد والتجارب، والتمثلات والانطباعات المتعلقة بالكتاب، وهو المكان الذي يجسد إحدى العلامات المميزة للمكون الإسترجاعي الطفولي، والتي تندرج في إطار تشكيل فضاء الذاكرة الجماعية العربية الإسلامية.
    ثم إن الكتاب هو المكان المتفرد بصلته الوثيقة بطور الطفولة، الذي قل بين مؤلفي السيرة الذاتية العرب من لم يعرج عليه متذكرا في سياق سرد تاريخه الخاص، وذلك بالنظر إلى طبيعته وإلى ما يحفل به من متناقضات وذكريات، يقتسمها الخوف، والألم، والغرابة .
    لقد تم اختزال تلك الحياة المرعبة والمتقلبة، التي يحياها الطفل داخل الكتاب القرآني، في وقائع مرئية ومسموعة، ظلت مختلف طقوسها وتقاليدها منـزوية في ذاكرة كتاب السيرة الذاتية العرب، بحيث أن الكاتب العربي لا يجد أدنى صعوبة في استعراض مجريات أولى مراحل حياته التعليمية، وأكيد أن هذه المرحلة وما رحبت به من الآثار الموشومة في الذاكرة، كانت عاملا حاسما أسهم بكيفية مباشرة في تحنيط أجواء الكتاب القرآني في ذاكرة الإنسان العربي، حديثا وقديما.
    ثم إن الحديث عن الكتاب القرآني في مرآة الذاكرة الإسلامية الحديثة يُلازم الإشارة إلى موضوعات كثيرة إذ يكاد الكتاب القرآني يكون ذاكرة موضوعية مشتركة بين الذوات العربية المسلمة، فذات الأجواء ونفس المشاهد والمواقف، والمعالم المكانية المرتبطة بالكتاب القرآني هي قواسم مشتركة بين الخطابات التي يشتمل عليها أدب السيرة الذاتية العربية عموما والإسلامية بوجه خاص، وهي خطابات يشهد بعضها لبعض في العمق والجوهر، ثم إنها دالة على التشابه والمماثلة القائمة بين طبيعة الكتاتيب القرآنية في أقصى المشرق العربي وطبيعتها في أقصى المغرب العربي.
    أما الموضوعات المقرونة بالكتاب القرآني، والتي تكاد تسمه وترمز إليه، فيكفي أن نذكر منها القمع، والرعب، والضرب، والقسوة، وهي ممارسات تلحق الأذى النفسي والجسدي بالطفل في حاضره ومستقبله، ثم إن جميع هذه الممارسات وغيرها تصير صورة (الفقيه) أو (سيدنا) مختزلة لها في ذاكرة الطفل.
    ثم إن ما يعتمد في الكتاتيب القرآنية من نهج غير سليم لا علاقة له بالتربية والتعليم، بل هو في واقع الأمر وحقيقته نهج قمعي مدمر لحياة الطفل المبكرة : النفسية والجسدية، وقد ساد ـ وربما لا زال يسود في حدود معينة داخل البلاد العربية الإسلامية ـ الاعتقاد لدى طائفة من الآباء في إيجابيته وفاعليته التربوية والتعليمية، ولم يشكوا لحظة واحدة في مصداقيته، وقد ظلوا راعين له مدافعين عن بقائه واستمراريته، لأنهم وجدوا آباءهم عليه معتادين؛ بل صار لديهم عرفان وميراثا تجب حمايته من الاندثار، فكان الأطفال ضحية لذلك النهج العقيم، وكانت آثاره ومخلفاته سيئة وجلية طوال مسيرتهم الحياتية.
    تتفق إذن معظم الانطباعات عن الكتاب القرآني، وتتماهى الأوصاف لما يجري داخل هذا المكان من أحداث؛ إنها انطباعات سلبية و أوصاف مثيرة ومخيفة، تجمع على أن الطفل العربي المسلم يخوض تجربة قاسية في أولى مراحل حياته التعليمية، ويعاني منها أشد العناء، فهو مطوق بالقمع والخوف، ومهدد بالضرب والزجر لأتفه الأسباب في أي لحظة من طرف (الفقيه).
    إن المعاناة النفسية تبدأ عند هذا الطفل، وتظهر آثارها عليه قبل أن يلتحق بالكتاب القرآني، بحكم ما يتراكم في ذاكرته من مشاهد، ووقائع مسموعة منفرة ومنكرة حول ما يدور في داخل هذه المؤسسة التعليمية التقليدية؛ لقد صار الكتاب القرآني، من خلال شكله المعماري والطقوس التي تجري فيه، مؤسسة تكرس نشاطا تعليميا قائما على ممارسات قمعية.
    وتكاد تكون الأجواء السائدة داخل الكتاتيب القرآنية الحديثة صورة مرئية وسمعية واحدة، فإذا ما استعرضنا مختلف الشهادات الواردة في متون السير الذاتية العربية الإسلامية الحديثة، خلصنا من خلالها إلى مشاهد، وانطباعات، وأوصاف دقيقة للكتاب القرآني من الداخل؛ هذا العالم البسيط في مظهره، والمثير في مخبره، لا نعثر له غالبا في شهادات كتاب السيرة الذاتية العرب المحدثين إلا على صور سيئة، لا علاقة لها بتربية الطفل وتعليمه.
    ولا شك أن مجموع تلك الصور السيئة تشكلت بناء على معطيات واقعية، إذ أن إرهاب الطفل وقمعه، ثم إكراهه على الخضوع لتقليد صارم ومنحرف منتهج في التعليم، وتعرضه لسوء المعاملة من خلال ممارسة العنف البدني عليه؛ هذه كلها أفعال تراكبت سلبا في ذهن الطفل، وخلفت لديه جراحا نفسية بليغة في حياته الدراسية، كما أسهمت في تكوين شخصية مضطربة وفاقدة للثقة في نفسها، فلم يكن الأسلوب المتبع لتعليم الأطفال داخل الكتاتيب القرآنية غير فعل تكميلي لمنهجية القمع المتبعة في الوسط الأسري، وهو حصار قمعي يتحول لدى الطفل إلى مصدر للرعب والانطواء على النفس نهارا، وإلى كوابيس متلاحقة ليلا.
    لقد كان الحديث عن موضوعة الكتاب القرآني في أدب السيرة الذاتية العربية الإسلامية الحديثة مرآة عاكسة لكل ما له صلة وثيقة بهذه الموضوعة التي شغلت مكانا متميزا في الذاكرة العربية ذات الطابع الإسلامي الحديث، فهي تجسد إحدى أهم محطات طور الطفولة في البلاد العربية؛ بل إنها وشم في ذاكرة الإنسان العربي على وجه العموم.
    ومما لا شك فيه أن موضوعة الكتاب القرآني قد أمدت من تحدثوا عن أنفسهم بنفس إبداعي مثمر، ومكنتهم من امتلاك شحنة سردية ووصفية بليغة وفنية، قد سرى مفعولها واتضح أثرها في الصياغة الأدبية لجانب متميز من مرحلة الطفولة.
    ونستطيع أن نقول ـ بناء على ما اطلعنا عليه وسبرنا أغواره في شأن موضوعة الكتاب القرآني ـ إن هذه الموضوعة هي بمثابة عنوان رئيس وعلامة أساسية في مسار حياة من كتبوا سيرتهم الذاتية، إنها تجربة خصبة على مستوى ما توحي به وتفصح عنه من حقائق وإشارات، وعلى الرغم من قساوتها، فقد أفادت كثيرا في بناء قناعات مغايرة لتلك التي سادت في الماضي، وكانت سببا في إعادة النظر وتقييم العملية التربوية والتعليمية من جهة، وباعثا على التجديد، والاجتهاد، ثم بذل الجهد في سبيل تجاوز مختلف الانحرافات السابقة وكافة الممارسات العدوانية والمرضية التي يتبرأ منها العلم جملة وتفصيلا.

    ب ـ القرية والمدينة
    في البدء كان المجال الجغرافي والاجتماعي، الذي اصطلحت عليه الجماعة البشرية بالبادية، والريف، والقرية، أما المدينة أو الحاضرة فهي مكان جغرافي واجتماعي آخر، هو وليد منعطف تاريخي في دنيا الإنسان، ومن ثم فهو مجال محدث بالمقارنة مع الريف أو البادية، وقد كان الارتباط قويا وما يزال بين الكائن الإنساني والبيئة القروية، وربما بسبب قدم تاريخ القرية وعراقتها كان هذا النوع من الارتباط، وربما للسبب ذاته لا يغادر الحنين الإنسان إلى الوسط البدوي الريفي، الذي تتردد معالمه وخصائصه وأجواؤه كثيرا في متن السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة.
    ويظهر جليا في ضوء كثير من القيم والأبعاد المرتبطة بعالم القرية أن الذات المسلمة تنجذب إلى امتداد فطرتها وحسها الإنساني في المجال الطبيعي الأول، المتمثل في الريف، وهذا الانجذاب يتخذ شكل موضوعة دالة على الطبع السليم في إطار رؤية إسلامية، إذ في القرية، حيث التواصل الحميم والألفة الشديدة، يجتمع الناس لينعموا بالحديث على طبيعتهم وبكل تلقائية في أجواء بسيطة، فيصير الإنسان مسكونا بروح الجماعة، بخلاف ما تشعر به الجماعة البشرية في المدينة، حيث يسود الزيف، والغربة، والوحشة، وحيث يتفشى الخداع ويكثر ارتداء الأقنعة .
    إن المدينة مكان مفتوح، لكنها مع ذلك مكان يسوده الاغتراب والاضطهاد الإنساني، وهي في الغالب تحمل معاني معادية ونقيضة لمعاني القرية، وتأخذ في متن السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة رمز السلبية، والدخيل، والمصطنع، وذلك في مقابل الريف، والصحراء، والبحر، وهي أماكن من بين رموز الطهر، والأصالة، والسكينة، خاصة أن للمكان علاقة جوهرية بالإنسان، كما أن للموضوعات الطبيعية صلة جد وثيقة بالحالات النفسية للكائن البشري.
    إنه الاصطدام الذي تعانيه الذات المسلمة مع بيئة مدنية، تناقض طبيعة الإنسان المشبعة بصفاء القيم، وقوة الفطرة التي تشكل مناعة ذاتية، تدفع بالكائن الاجتماعي إلى الانتصار للبيئة الريفية، المحافظة على نقائها وتلقائيتها، وإعلان المواجهة والحرب على قساوة الوسط المدني، فالقرية بيئة هادئة ومونسة، بينما المدينة بيئة مضطربة وموحشة، ثم إن الحركة التي تدب في أنحاء الريف تختلف عن الحركة التي تسود أرجاء المدينة، ومن أهم ما ترتبط به الحاضرة القلق الإنساني، والفقر المادي، والفراغ الروحي، والأمل الضائع، والطموح المتكسر، وبمراحل العمر الفارغة، التي تنتقل الذات بين شعابها تائهة من جدب إلى جدب، وسط أجواء عدالة مختلة، وهذه الثغرات هي مصدر أدواء المدينة.
    ثم إن أفعال الإنسان غالبا ما تصرف في الوسط المدني وتذهب سدى عبر مسالك منحرفة ـ تفضي إلى فساد السلوك البشري، بحيث تتحكم الأهواء وتعمل على تنوعها ضد قيام وبناء وسط اجتماعي سليم، كان من المفروض أن يتحقق ويسفر عن وجهه بغير أقنعة مخيفة وصور مريبة، أما اليوم وقد تحولت المدينة إلى عالم كئيب يبعث الرعب في قلب الإنسان، ويذهب بعقله مذاهب شتى، فإن الذات المسلمة تستشعر قربها من الوسط الريفي، خاصة عندما تكون في أوج صفائها الذهني والروحي، باعتبار ما تعثر عليه من حياة مغايرة، مبنية على الانسجام والاعتدال، وهي حياة تظل الذات في شوق دفين إليها على الدوام ، لأنها الأصل والقاعدة البيئية الاجتماعية.
    لا يخفي الإنسان حبه الشديد للقرية، لكن شوق الذات المسلمة إلى الحياة الريفية البسيطة في العصر الحديث، سرعان ما سيخبو ويصطدم بحقيقة القرية ، التي لم تسلم من سيئات المدينة، وإذا أمعنا النظر جيدا، فإننا لا محالة سنكتشف أن الأديب المسلم عاش تجربة الهروب من المدينة واللجوء إلى القرية منقوصة وغير مستوفية لشروطها، لأنه أدرك بأن المدينة صارت قدوة وحلما بالنسبة إلى الريف.
    وقد نتج عن هذه الصدمة غربة مزدوجة تلاحق الذات المسلمة وتحاصرها، ثم إن الإنسان في هذه الحال سيجد نفسه مضطرا للعودة من جديد إلى البحث عن وضعه السليم ووظيفته المحددة داخل وسط اجتماعي آخر وبيئة مغايرة، بعد أن يكون قد أعياه الجري وراء سراب السعادة الوهمية، وأنهكته الحياة المادية الجافة بمتاهاتها، ثم إنه سيستشعر الحاجة في أعماق نفسه إلى طرق باب البساطة والاعتدال في الوسط الجديد، واتخاذهما بديلا للتعقيد والتطرف، فتصير لديه البداوة السوية عوضا للمدنية المنحرفة، وهذا الخيار طالما ازدراه وحط من شأنه، لما كان في غمرة انبهاره بالمظاهر دون الجواهر .

    ج ـ البحر والصحراء
    إن خطاب السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة من بين الخطابات الأدبية الغنية بجملة من الموضوعات المحورية المتميزة، التي تدخل في تشييد بناء ومعمار دلالي متكامل ومحكم، باعتبار أن لها حضورا مكثفا وقويا في مسار هذا اللون الخطابي، فالصحراء مثلا موضوعة أساسية فاعلة في الذات المسلمة، وكذلك الشأن بالنسبة للبحر، إذ أن كلا من الموضوعتين يمثل فضاء رحبا للنظر، والتأمل، والمناجاة، وعالما جد مثير لطلب السكينة والاستقرار النفسي؛ هذا فضلا عن كونهما متنفسان تعاد في قلبهما صياغة الأسئلة الحاسمة، وصفحتان مجردتان من كل زيف أو تمويه، تتلاشى فيهما حيرة الإنسان وارتيابه، ونزواته وأوهامه، فالبحر والصحراء من الأماكن الغنية بالدلالات، ومن العوالم التي تكسب الإنسان معارف متجددة وخبرات متميزة.
    ولا غرابة في كون البحر و الصحراء موضوعتين كونيتين ، دخلتا التاريخ الإنساني من أوسع أبوابه، واحتلتا ببساطتهما مكانة في حياة الأفراد، فهما من بين الفضاءات والعوالم الطبيعية، التي صاحبت الإنسان على امتداد وجوده، فكانت الصحراء مهدا احتضن رسالات التوحيد، التي كلف الأنبياء والرسل عليهم السلام بتبليغها للناس، فالبحر والصحراء منذ وجدا وهما بمثابة مرآة تنزع الأقنعة من الوجوه، ولسان كوني فصيح، يكشف حقيقة الإنسان كلما حاول الاستعلاء أو توهم القوة؛ إنهما فضاءان يلجأ إليهما الكائن الاجتماعي، عندما يضيق باختلال حياته وفسادها طلبا للحقيقة ، و بحثا عن الاستقرار و التوازن .

    1 ـ البحر
    والبحر واحد من تلك المخلوقات الكونية، التي تذكر الإنسان بوهنه وقلة حيلته في هذا الوجود، وهو واحد من تلك الآيات الشاهدة على قدرة الخالق و عظمته، وسعة رحمته سبحانه وتعالى، وواقع قائم في عالم الشهادة، وخطاب مفتوح يفصح للمخلوق العاقل عن حقيقته و يعظه؛ إنه كائن مسخر لدعوته إلى التأمل، والتدبر، واستخلاص العبر والحقائق، ثم إن اهتمام الإنسان بهذه الآية الكونية: (البحر)، ينشأ في وقت مبكر سابق عن لحظة المعاينة الفعلية، التي تمثل حدثا متميزا في حياة كل فرد، وتحقيقا لرغبة مؤجلة، وإشباعا لبعض الفضول.
    إن لقاء الإنسان بالبحر هو حدث يجمع بين كائنين، تمتد بينهما جسور من الخطاب الرمزي، والتواصل الكوني، والشبه المجازي، إذ كل من الإنسان والبحر يعتبر كائنا غامضا، ينطوي على أسرار كثيرة، ويتسم بشكل ظاهر وعالم باطن، وكلاهما متقلب لا يستقر على حال؛ إن آثار اللقاء الأول للإنسان بالبحر، التي تختزلها وتمتصها الدهشة، ويتملكها الانبهار والإعجاب وتلك المعاينة الأولى للبحر كافية لتخلف لدى الإنسان انطباعات شتى ستحفظها ذاكرته على الدوام، ذلك لأن رؤية البحر لأول مرة، يندرج بين الأحداث واللحظات الحميمية، التي لا تمحي من ذاكرة الإنسان.
    ثم إن البحر، باعتباره واحدا من بين الكائنات الطبيعية أو المخلوقات الكونية، يفضي إلى الإنسان ـ من خلال حوار خفي _ ببعض أسراره ودلالاته، بقدر ما يفضي إليه الإنسان بهمومه وانشغالاته، فتمتزج إيحاءات البحر ومظاهره بمشاعر الكائن العاقل ووجدانه، إلى الدرجة التي يبلغ فيها ذلك التمازج نوعا من الاتحاد الرمزي أو المجازي، ففي هدوء البحر واضطرابه، وفي مده وجزره، وفي سعته، وعمقه، وأسراره إشارة إلى طبيعة الإنسان وإحالة على تنوع انفعالاته، من سكون وحركة، وصمت وصخب، وسكينة وغضب، واندفاع و تراجع، وقلق واطمئنان، وظاهر جلي وباطن غامض.
    وعندما تتمكن الذات من إبرام ميثاق تواصلي بينها و بين الأمكنة و غيرها من الموضوعات في العالم الخارجي، فتجري معها حوارا حميما و مسترسلا، فإن وقع الاغتراب يكون في هذه الحال قد اشتد عليها بين بني جنسها، وتكون حدة السؤال قد شغلت كل تفكيرها، فتزداد الهوة اتساعا بين مركز الذاتية وضفاف الغيرية، مما يحتم على الإنسان البحث عن محاور بديل، بقصد أن يلتمس عنده بعض الإعانة على تبديد قوة الشك والحيرة المتنامية، وأيضا بهدف العثور على الإجابة الشافية على كثير من الأسئلة عنده، بعد أن تكون قد استفزته واستعصى عليه أمرها.



    د. أبو شامة المغربي


























    التعديل الأخير تم بواسطة أبو شامة المغربي ; 01/03/2006 الساعة 10:51 AM سبب آخر: ضبط الإخراج
    رد مع اقتباس  
     

  2. #2 أدب السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة وموضوعة المكان (الجزء الثالث) 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36


    أدب السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة وموضوعة المكان
    (الجزء الثالث)


    2 ـ الصحراء
    إن الصحراء مرآة للنفس البشرية المجردة، وللحياة الطبيعية دون قناع، ففي شساعتها وبساطتها ونظافتها عودة بالإنسان إلى فطرته وأصله ، و تطهير له من انحرافاته وأهوائه، ولا شك أن الصحراء بما هي عليه من صفات ومعالم، تجرد حياة الإنسان من كل الأقنعة والأوهام، ففي نظافتها وطهرها شفاء لما تراكم في أعماق الكائن البشري من علل وأدواء؛ إنها صارمة في كشف ضعف الإنسان ورفض عبثه وضلاله، وليست الصحراء ـ كما يعتقد أكثر أهل البلاد الغربية ـ مكانا تسوده قسوة البداوة وتمزق المجتمع؛ بل هي عند العرب وغير العرب المسلمين فضاء رحبا موحيا بأبلغ وأسمى القيم الإنسانية، ومجالا يفيض طهرا وصفاء، وخطابا كونيا مفتوحا، يوحي بالتوحيد والحياة المجردة من كل زيف وقناع.
    إن الحالات التي تعتري الإنسان وهو في قلب الصحراء متكاملة الوظائف، إذ أن هذا الفضاء الجغرافي يمثل مسرحا لاكتشاف قيمة الحياة، واختبار الطباع البشرية مجردة من كل مظهر مزيف، وعلى الرغم من بساطة الصحراء والفراغ السائد فيها، فالجديد مباغث للإنسان على امتداد أرجائها، والإنسان الذي يخوض مشقة الرحلة والسفر فوق رمالها، وبين تلالها وكثبانها المتلاحقة، يكتسب باستمرار معرفة جديدة، ويكتشف أشياء كثيرة.
    فالرحلة في الصحراء أشبه ما تكون بركوب البحر، بحيث إذا كان ركوب البحر يوحي بترقب سفينة أو رؤية يابسة قد تلوح في الأفق، فكذلك الرحلة في الصحراء توحي بترقب قافلة أو رؤية واحة قد تلوح وسط السراب، ثم إن كثبان الصحراء وتلالها تذكر كل من شاهدها بأمواج البحر.
    أما اللقاء بين الناس المتنقلين في هذه الأجواء الصحراوية القاسية، والتحدث في ما بينهم، فذو طبيعة متميزة وألفة شديدة، وتمثل الصحراء إذن منبعا للحكمة، والمبادئ، والقيم الأصيلة، فالحضارة في أبهى صورها الروحية قائمة في الصحراء، وتحديدا في شبه الجزيرة العربية، بفضل الإسلام الذي أنار أرجاءها.
    ومن ثم فالصحراء تعد سرا من أسرار الحياة، ومكانا يحث الإنسان على التخلص مما علق به من نواقص ورذائل، واكتسبه من شرور وآثام، ثم إن الصحراء آية سخرها الله لعباده لتوحي إليه بما عليه من مجاهدة نفسية، تقتضي الصبر والإيمان، وذلك في سبيل الوصول إلى الحياة الدنيوية المثلى.
    إن ثمة فضاءات لا يملك الإنسان دفع تأثيرها، فهي بمثابة مثير خارجي للمشاعر والأفكار؛ بل إنها بواعث قوية لما تحتفظ به الذاكرة الفردية من أحداث ومواقف، خاصة منها تلك التي تتصل بالحياة العقدية للإنسان، فبإمكان المرء أن يستوعب التأثير المكثف لبعض الأمكنة المتميزة، التي تبعث في النفس انطباعات مختلفة، وتعمل على إحياء مشاعر دفينة في أعماق الإنسان، كما أنها توقظ في الذهن جملة من الإدراكات والتأويلات، حتى إن الذات تستشعر جاذبية الفضاء المكاني، وتتجاوب إيجابا مع جميع ما يشتمل عليه من موضوعات وآثار فعلية بالقدر الذي تعي به غنى وخصب إيحاءاته الرمزية.
    ثم إن كل أدوات الاستقبال الطبيعية لدى الفرد، تسهم بتكامل وظائفها في تشكيل علاقات جديدة من داخل العالم الخارجي، فضلا عن كونها تمثل جسرا واصلا بين ذات الإنسان ومحيطه، حيث تختزل الأشياء ومختلف المعالم المكانية شحنات من الأفكار، والمعاني، والدلالات، وما هذه الشحنات في الأصل إلا نتيجة لما يخلفه الفرد من آثار خارج ذاته، ولما يضفيه من إنسانيته وروحه على كل الموضوعات المادية، التي تنخرط بهذا الفعل ومن هذه الزاوية في دائرة التجريد، لتدخل بعد ذلك في علاقات معقدة مع الذات.
    وعندما يحتد انفعال الأنا بالمكان، يجد الإنسان نفسه في قلب فضاء يتأمله بكل ما أوتي من قوة تركيز، وكأنه يكتشفه لأول مرة في حياته، لكنه لا يستغرب وجوده بداخله، ويرى نفسه بعضا من الحياة التي يوحي بها المكان، وجزءا من حركة في مدار، ومن ثم يدرك بأن الذات الإنسانية ليست مركزا أو محورا، وإنما هي ذرة تسبح في فلك دائري، وبالتالي يظل المكان عاملا مساعدا على اكتشاف حقيقة بهذا الحجم و هذه القيمة.

    د ـ المسجد
    يعد المسجد من بين الأماكن الرمزية والهامة في العمران الإسلامي، فهو رمز للإسلام القائم على مبدأ التوحيد، وهو كذلك رمز لوحدة المسلمين، وعلامة بارزة تطبع الحياة الإسلامية اليومية، ثم إنه دعوة في حد ذاته إلى اتباع تعاليم العقيدة الإسلامية والتمسك بها، فهو فضاء ينطق ببساطته، وهدوئه، وإيحاءاته، ومكان تطمئن إليه النفس وتنجذب إليه، وعالم يذكر الإنسان بخالقه سبحانه وتعالى و بالدار الآخرة، ويذكره بحقيقة نفسه وبوظيفته ورسالته في هذه الحياة الدنيا.
    وإذا كان المسجد يحتل مكانة كبيرة في نفوس العرب المسلمين و حياتهم اليومية، فإنه بالتالي ذو أثر بليغ في حياة الإنسان، الذي يهتدي إلى الإسلام ويدخل فيه بعد ضلال وبحث جهيد، رغبة منه في العثور على الدين الحق، ومن ثم فهو معلم جد هام وإشارة متميزة في تجربة الاهتداء، التي تعيش الذات الغربية و غيرها فصولها المثيرة، ويكفي أن المسجد (بيت الله تعالى) يرتبط في الغالب لدى الذات المهتدية بحدث دخولها في الإسلام، وذلك من خلال النطق بالشهادتين،.
    ثم إن لفضاء المسجد ولجغرافيته وهندسته الأثر الروحي البليغ في نفس الإنسان المسلم، كما أن لأصوات المؤذن الذي يرتفع بالأذان عاليا من قلب المسجد ذات الأثر، فالفضاء الفسيح، وجمال الهندسة، وعذوبة الصوت، ثم ما يظهر على وجوه المصلين من سكينة وخشوع، جميعها عناصر تمارس جاذبيتها على الذات الإنسانية؛ بل وتمنحها من قوتها الروحية وإيحاءاتها العميقة حظا وافرا، وتعكس عليها جوهر البساطة ومنتهى التواضع.
    ولا شك أن المسجد بالنسبة إلى الإنسان خطاب مفتوح على العين، والنفس، والروح، وبقدر ما هو خطاب موضوعي قائم في العالم الخارجي، بقدر ما هو دعوة إلى توحيد الخالق عز وجل، ثم إنه مثير روحي وباعث على معرفة الإسلام والتطلع إلى الحياة الآجلة الباقية؛ إنها الانطباعات، والشهادات، والأوصاف تدل على التأثير البالغ للمسجد في حياة الإنسان العربي المسلم، وهي عبارات تفضي بنا إلى حقيقة مؤداها أن المسجد مكون أساس وموضوعة مكانية رئيسة، لا يكاد يخلو منها متن السيرة الذاتية الإسلامية بوجه عام، ومتن السيرة الذاتية العربية الإسلامية بصفة خاصة.
    ومن المؤكد أن تأثير المسجد في الذات العربية المسلمة، يتمثل في عمق العلاقة القائمة بينهما، فالمسجد مدرسة تصقل فيها أخلاق الإنسان المسلم، وتسدد في رحابه سلوكاته، ويتعلم فيه الكثير من القيم الإسلامية، حتى إن تنظيمه المعماري يعكس جوهر تلك القيم، هذا بالإضافة إلى أن المسجد يلزم من يلج إليه بسمات معينة، ومعنى هذا أن هذا المكان كغيره من الأمكنة لا يشكو فراغا أو سلبية، وأن الكيفية التي يتم إدراكه بها، تزكي فيه ما يكتسيه من دلالات خاصة.
    ثم إن المسجد مكان يثير فضول الذات الحديثة العهد بالإسلام، ذلك أن أول ما يحرص عليه الإنسان المهتدي هو التعرف أكثر على هذا المكان ووصفه من الداخل بدقة متناهية، والاجتهاد في استقراء كل ما يجري فيه، ومحاولة النفاذ إلى عمق كل جزئية وثيقة الصلة به، وكأنه يحاول من خلال الكلمات أن يلتقط له صورة معبرة أساسا عن الأجواء الروحية الماثلة فيه، وأن يفضي إلى جوهر الإسلام من خلاله.
    إن المسجد بالنسبة إلى الإنسان الداخل حديثا في الإسلام فضاء يحثه على القيام بمقارنة بين أجواء التوحيد السائدة فيه، المحكومة بالخشوع والنظام، وأجواء الكنيسة التي يسودها الشرك، والضلال، والتحريف، ومن ثم تخلص الذات المهتدية إلى تلمس الفرق الكبير بين وظيفة المسجد ومدى تأثير الحياة التي تسري فيه، ووظيفة الكنيسة المفتقرة إلى روح العبادة الحقيقية، فما يستشعره الإنسان في المسجد بعيد كل البعد عما يستشعره المرتاد للكنيسة ومناقض له تماما.
    ثم إن المسجد مكان يثير فضول الذات الحديثة العهد بالإسلام، ذلك أن أول ما يحرص عليه الإنسان المهتدي، هو التعرف أكثر على هذا المكان ووصفه من الداخل بدقة متناهية، وكأنه يحاول من خلال الكلمات أن يلتقط له صورة معبرة بالدرجة الأولى عن الأجواء الروحية الماثلة فيه.
    ثم إن ما يختلج في أعماق الإنسان الغربي، المقبل على الدخول في الإسلام، أو الداخل فيه، من مشاعر وتحولات، قد يكون باعثا قويا له على استكشاف المسجد الذي يرمز في وجه من وجوهه إلى إقامة الصلاة، باعتبارها أحد أركان الإسلام الخمسة، وغالبا ما ستكون للمهتدي عين واصفة دقيقة، سيحرص من خلالها على النفاذ إلى جوهر العلاقة القائمة بين ظاهر المسجد وباطنه، وسيجتهد ما وسعه الاجتهاد في استقراء حقيقة ما يجري داخل هذا المكان المميز عن غيره من الأمكنة.

    هـ ـ مكــــة / الحج
    موضوعة مكانية أخرى نعثر لها على أصداء، وإيحاءات، ودلالات في خطاب السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة؛ إنها مكة المكرمة، وعندما يذكر هذا المكان نستحضر فريضة الحج والركن الخامس في الإسلام بكل حمولته العقدية والشعائرية ذات الأبعاد الرمزية الكبرى في حياة الإنسان المسلم، الذي يتملكه الشوق والحنين إلى حج بيت الله تعالى وزيارة مدينة مكـة، تلك الأرض الطاهرة التي ترتدي حلة من البساطة والهيبة، والتي كانت مسرحا لكثير من الأحداث التاريخية الكبيرة في صدر الإسلام، بقدر ما كانت فضاء لمشاهد ومواقف عظيمة ومازالت، ويأتي في مقدمتها مشهد الحج الذي يتكرر مرة في كل سنة هجرية.
    إن مكة موضوعة مكانية حاضرة في خطاب السيرة الذاتية الإسلامية العربية والأجنبية على حد سواء، وتكاد قراءة هذه الموضوعة أو استعادة مشهد الحج، سواء من طرف الذات العربية أم الأجنبية، تكون واحدة، ثم إن مكة / المكان، والحج / الحدث والمشهد، يجسدان في تكاملهما ذاكرة مشتركة بين الذاتين، مثلها في هذه السمة كمثل ذلك التكامل القائم بين المسجد / المكان والصلاة / الحدث، والذي يجسد بدوره ذاكرة مشتركة بينهما.

    وثمة إشارات جد مركزة تثير انتباه من يقصدون مكة وبيت الله الحرام، فاختلاف الأجناس والألوان، واللغات، واللباس الأبيض الموحد والبسيط، ثم الكعبة، والطواف، وعرفة والوقوف بها، جميعها مثيرات خارجية تذكر الإنسان بفناء الدنيا وزوال زخرفها ونعيمها، وتبعثه على تدبر آيات الله عز وجل، وإدراك ماهية النفس وقدرها، ثم تحثه على محاسبة الذات والإعداد ليوم الرحيل واستقبال الدار الآخرة.
    إنها علامات دالة في جوهرها على توحيد الله تعالى، وعلى وحدة المسلمين ومساواتهم، ولا شك أن مشهد الحج يوحي بعالم آخر جديد، كل ما فيه يشهد له بالسمو والتجرد، ويتوجه إلى الإنسان بالدعوة إلى الله عز وجل، ويذكره في العصر الحديث بذلك المجد والإرث الإسلامي القديم الذي ملأ الدنيا بنوره وأصدائه الإيمانية.



    د. أبو شامة المغربي





    التعديل الأخير تم بواسطة أبو شامة المغربي ; 01/03/2006 الساعة 10:49 AM سبب آخر: ضبط الإخراج
    رد مع اقتباس  
     

  3. #3 أدب السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة وموضوعة المكان (الجزء الرابع) 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36
    أدب السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة وموضوعة المكان
    (الجزء الرابع)

    وـ السجن و المنفى
    لقد استطاعت السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة أن تكون إنتاجا يجمع من جهة بين الحس الأدبي الإسلامي والفعل التأريخي، وأن تصير ذات وظيفة مزدوجة: جهادية ومعرفية من جهة ثانية، ثم إنها استطاعت أن تفصح في جانب مهم من متنها وخطابها عن إدانتها للممارسات الوحشية والقمعية، التي شهدها العصر الحديث في كثير من السجون والمعتقلات داخل العالم العربي الإسلامي، والتي حولت الإنسان العربي المسلم إلى ذات موشومة بالأسى والحسرة، وذاكرة تنوء بجراح غائرة، وقد تمكن كثيرون ممن تعرضوا لمحنة السجن، والنفي، والاعتقال من التعبير عن التجربة، وتسجيل شهاداتهم نثرا وشعرا.
    ثم إننا لن نكون مغالين أو مجانبين لقدر وافر من الصواب إن ألمحنا ونبهنا إلى كون تجربة السجن والاعتقال، تمثل في جزء لا بأس به من حيث الكم والكيف، داخل منظومة أدب السيرة الذاتية العربية الإسلامية، تلك الموضوعة المركزية التي تبسط سلطانها السردي على فضاءات وعوالم مكانية وزمانية، وتتخذ لها الشخوص والدلالات قطبا رئيسا؛ إنها التيمة/ الموضوعة التي كانت باعثا لكثير من الكتاب المشارقة والمغاربة على مصارحتنا بجانب متفرد من حياتهم الدامية، وإطلاعنا على تجارب عاشوها قاسية ومأساوية يجهلها أكثر الأحياء في العالم العربي الإسلامي؛ بل إن تجربة السجن والاعتقال كانت باعثا لهم على إشراكنا في بعض ما عانوه من ممارسات هادرة للكرامة، وفي بعض ما خلف جراحا عميقة في أنفسهم.
    إننا أمام تجارب دامية، كُتبت ـ على حد تعبير نجيب العوفي ـ بنبض القلب وأشفار العين؛ بل إنها خطت بأنفاس الجسد ودمائه، ونحثت عميقا في الذاكرة قبل أن تصير حروفا على ظاهر الأوراق وباطنها، ولا شك أن ما كان من حظ الصفحات وبطون الكتب ليس سوى ظلال وأصداء بعيدة من عمق التجربة القاسية والمدمرة، ومن المؤكد الواجب أن تتم قراءة هذه التجربة بنبض القلب كذلك.
    إن تجربة السجن والاعتقال والنفي تمثل إحدى أهم قضايا الاغتراب، التي ينطوي عليها أدب السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة بصفة خاصة، لأنها تحكي جانبا كبيرا من تاريخ معاناة واغتراب الذات العربية المسلمة في العصر الحديث، ابتداء من منتصف الأربعينات من القرن الماضي، ولقد كتب لهذا الأدب (أدب السجون) أن يرى النور بقوة في مصر بصفة خاصة، ابتداء من أوائل السبعينات من هذا القرن، منشورا بين قراء العالم العربي الإسلامي من جهة، وبين قراء العالم الغربي و سائر بلاد العالم من جهة ثانية، إذ أن الكثيرين عبروا عن تجربة السجن، وسجلوا تجاربهم كشهادات وثائقية حية، أو من خلال أعمال روائية، وقد ارتأى كل واحد منهم أن يبسط أمام القراء بعضا من تجربته داخل السجون والمعتقلات، فجاءت كتاباتهم في هذا الباب شاهدا صارخا، وفصولا متكاملة لواحدة من أبشع و أفظع الممارسات القمعية التي ذهب ضحيتها الإنسان العربي المسلم الحديث.
    ثم إن أدب السجون من الألوان التعبيرية، التي يتقاسمها النثر والشعر معا، ومداره من الناحية الموضوعية على المحاور التالية:
    أولا: تصوير معاناة السجين داخل المعتقل، والمتمثلة في الآلام الحسية الجسدية والمعنوية الروحية الهائلة والمستبدة بشخص السجين نتيجة التعذيب الممارس عليه، بالإضافة إلى تصوير العلاقة القائمة بقوة الإكراه بين المسجون والسجان داخل المعتقل.
    ثانيا: وصف نماذج بشرية، وأنماط سلوكية يرصدها السجين طيلة المدة الزمنية التي يقضيها داخل المعتقل.
    ثالثا: الربط بين الحياة داخل السجن والأوضاع السياسية السائدة والقائمة، وما تشهده من اختلالات ، ومفاسد، و مظالم.
    رابعا: الاستشراف النفسي المستقبلي، بين الأمل المشرق بالحرية الشاملة واليأس المطبق، الذي يسم الكلمات والعـبارات بلون قاتم، ثم النـظر إلى السـجن على أنه ابتلاء، وتجربة لها آثار وأصــداء نفسية وروحـية عمـيقة وبعيدة المدى.
    لقد كانت المفاجأة والصدمة قوية و بالغة الأثر في نفوس قراء أدب السجون والمعتقلات في العصر الحديث، وذلك لما اشتمل عليه هذا الأدب من شهادات مؤثرة حول وقائع مأساوية ودامية، فكان بحق وثيقة تاريخية كشفت عن الوجه المرعب لواقع الأمة العربية المسلمة في العصر الحديث، ولم يكن التأريخ لهذه الحقبة الزمنية، من خلال أدب السيرة الذاتية أساسا، إلا مبادرة جاءت من باب الحرص على حفظ كثير من الحقائق التاريخية، التي شهدها التاريخ الحديث للأمة العربية المسلمة، وذلك خشية ضياعها، أو طمسها، أو تحريفها.
    وقد عمل عدد من الكتاب على كتابة ونشر كل ما من شأنه أن يساعد على الإحاطة بملابسات تلك الحقبة الزمنية ومجرياتها المأساوية من جهة، بقصد الاستفادة من نتائجها المختلفة والمتعددة، وبهدف استخلاص العبر والدروس منها، وتلبية لنداء الواجب والمسؤولية، الذي يقضي بالتأريخ للدعوة الإسلامية في العصر الحديث، والعمل على استمرارها من جهة ثانية، وإنصافا كذلك للقادم من الأجيال العربية المسلمة، التي لها الحق في معرفة تاريخ آبائها وأجدادها، وماضيها وإرثها الحضاري بوجه عام، و تعد الأعمال الأدبية التي تم نشرها تباعا لهذا الغرض نمطا متميزا من أدب السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة إذ يستقي خصوصيته من انفراده بسياق تاريخي معين، وبخطاب جماعي موحد، تحكمه لغة واحدة، وعقيدة دينية واحدة، وتتطابق فيه قناعات وانشغالات وتطلعات واحدة.
    لا شك أن محنة الذات العربية المسلمة، وهي تخوض مكرهة تجربة السجن والاعتقال، كانت بالفعل عقدة مأساوية، ظل أكثر الناس في العالم العربي الإسلامي الحديث زمنا طويلا لا يعلمون وجودها، ويجهلون أحداثها الكبرى وتفاصيلها الدقيقة، لكن عددا من السجناء العرب المسلمين، الذين عاشوا تلك المأساة الدامية، حاولوا أن يترجموا شكلها ومحتواها من خلال الإدلاء بشهاداتهم، على الرغم من وعيهم وإدراكهم للعناء الذي سيلقونه في استعادة ما تعرضوا له من ألوان التعذيب والهوان، وما عاينوه من مشاهد وحشية، وعلى الرغم مما في سرد معاناتههم داخل السجون من الأذى لنفوسهم المكلومة، ومن الألم الشديد لذواتهم المتأزمة، إذ انهم رأوا التصريح بالشهادة واجبا مفروضا لا يجوز للإنسان المسلم أن يتخلف عنه، وأن من الإثم كثمان الشهادة.
    إن في تأريخ الذات المسلمة لنفسها و غيرها ـ من خلال محنة السجن، والاعتقال، والنفي ـ معاناة جديدة لا تقل مأساة ولا تخلو من مشقة، إذ من العسير على السجين أكثر من غيره أن يقرأ ما احتفظت به ذاكرته من وقائع المحنة، ثم لا يجب أن يغيب عن الأذهان كون ما وعته ذاكرة السجين الفردية هو في ذات الوقت اختزال لما اشتملت عليه الذاكرة الجماعية التي يسمها تاريخ المحنة المشترك.
    ثم ربما قد تواضع الناس منذ القديم على كون السجن في تاريخ البشرية، هو ذلك المكان المقتطع من العالم الخارجي والمعزول عنه، الذي بحكم انغلاقه وضيقه وعزلته، صارت الحياة بداخله ذات طابع خاص وطقوس غير مألوفة، باعتبار شذوذها وتناقضها مع تلك الحياة القائمة خارج أسواره، لكن الذي يحيا داخل السجن، تتطور نظرته مع مرور الأيام إلى هذا البناء، بقدر ما تتخذ الحياة في العالم الخارجي أبعادا جديدة ؛ فقط السجين وحده الذي يستطيع بين الأحياء أن يدركها حق الإدراك.
    إن من الأمكنة ما يتحول لدى الذات المسلمة من عوالم وفضاءات معاكسة إلى مجالات مكانية مساعدة، باعتبار أن هذا الضرب من الأمكنة _ مثل السجن والمنفى _ يتخذ طابعا مزدوجا، يجمع بين بعدين متناقضين، يتجسدان في تقييد الحركة و التنقل الجسدي من جهة، وفي انطلاق الفكر متحررا من القيود المادية من جهة ثانية، وتعد الحرية الفكرية و الروحية ملجأ ذاتيا، يحتمي فيه السجين والمنفي من كثرة الضغوط الخارجية الممارسة عليهما وقساوتها، ومتنفسا طبيعيا لهما، ومصدر قوة يدفعان و يتحملان بها شدة معاناتهما.
    ثم إن ما يمكن أن نفضي إليه من طبيعة الحياة الفكرية والروحية، والوجهة التي تأخذها هذه الحياة في إطار تجربة الذات المسلمة داخل السجن، نستطيع أن نستخلصه من نهج الحياة الذي تسلكه نفس الذات، وهي تعاني تجربة النفي، بحكم أن المنفى لا يقل قساوة عن السجن، ولا يختلف عنه كثيرا في التأثير، فكلاهما من طينة واحدة، إذ تعاني فيهما الذات الحصار والتضييق، بقدر ما تلاقي فيهما من الابتلاء والمجاهدة النفسية.
    ولا شك أن كلا من السجن والمنفى من أكثر العوالم والفضاءات تجسيدا للمفارقات المبنية على الثنائيات الضدية، مثل ما بين داخل السجن والمنفى وخارجهما، وما بين الانفتاح والانغلاق، وما بين السعة والضيق، وهي ثنائيات جدلية، تتكامل ولا يلغي بعضها بعضا، ومن ثم فإن الإنسان وهو في قلب السجن والمنفى يشكلان ذلك التعارض بين الحيز المكاني المادي المغلق والمعزول والباطن النفسي الرحب.
    ثم إن السجن يمثل واقعا خاصا، يجمع بين السجناء بحكم تواجدهم داخله من ناحية، وتتباين معاناتهم فيه باعتبار اختلاف انشغالاتهم ومدى تفاعلهم معها من ناحية ثانية، ومن ثم نخلص إلى أن السجن مكان يندرج ضمن الأماكن الباعثة على الحكي والكتابة، فهو فضـاء يشهد مخـاض وولادة الـتأريخ لتجربة خاصة، ذلك لأن الذات محاصرة فيه، والإنسان لا يستطيع الهـروب منه إلا بالاستغراق في التفكير، أو الاستعانة بالخيال، أو بإيجاد متنفس في أحلام ورؤى المنام.
    لكن الكتابة والتأريخ لتجربة ذاتية في مثل هذا الوضع، يظل فعلا متميزا، ونشاطا من طبيعة متفردة، يمارس السجين والمنفي من خلاله حرية الفكر والتعبير، متجاوزا بذلك آثار الاعتقال والنفي وانعكاساتهما النفسية والجسدية، خاصة آثار تلك الأفعال القمعية التي تمارس على السجين المعتقل في مكان يفرض عليه باستمرار ضروبا من الرعب والقلق، ويسيج وجوده المادي كما يحاصر حياته المعنوية.
    إن تأريخ الذات المسلمة لمحنتي السجن والنفي، هو رد فعل كبير على إهانة الإنسان المؤمن والعبث بكرامته، ودليل واضح على أن مصير كل محاولة تهدف إلى طمس الحقائق التاريخية واحد هو الفشل، هذا فضلا عن كون التأريخ للذاتين: الفردية والجماعية المسلمة وقراءة ذاكرتيهما هو ترجمة مختزلة لتجارب مأساوية، ظلت لأمد طويل مغيبة ومجهولة لدى عامة الناس.
    ثم إن هذا الضرب من الكتابة يفيد الشعور بواجب الإدلاء بالشهادة، والإخبار، والاحتجاج، والدعوة إلى التأمل في طبيعة المواقف، والأحداث، وأسبابها، ونتائجها، وكذا مواجهة النفس وتطهيرها، وأخذ الدروس والعبر من الماضي، خاصة و أن الأيام التي يقضيها المعتقل والمنفي مكرها في السجن والمنفى ليست بالقصيرة وإن كانت معدودة، وكل من الذات السجينة، والذات المنفية تحرصان ـ في قلب الحيز المكاني الضيق والمعزول ـ على استجماع ما تفرق في العالم الخارجي من دقائق الحياة الشخصية، وهو فعل تقاومان به محنة السجن والنفي.
    إننا أمام كتابة تعرفنا على أفراد حقيقيين، وتترجم لنا أحداثا وظروفا حقيقية لا نصيب للتأليف الخيالي فيها، فليست الذات وحدها التي تسجل حضورها في المنفى، وإن كانت الطرف المباشر الذي يخوض تجربة النفي، أيضا ليست الذاكرة فقط هي المنفردة بالتواجد فيه، على الرغم من أنها الملكة العقلية المسؤولة على تحنيط التجربة والاحتفاظ بها للذكرى؛ بل إن الكتابة بدورها شاهد على تجربة النفي، وحاضرة بقوة في نفس الحيز المكاني المحدود إلى جانب الذات والذاكرة.



    د. أبو شامة المغربي


    التعديل الأخير تم بواسطة أبو شامة المغربي ; 01/03/2006 الساعة 10:35 AM
    رد مع اقتباس  
     

  4. #4 أدب السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة وموضوعة المكان (الجزء الخامس) 
    السندباد الصورة الرمزية أبو شامة المغربي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    16,955
    معدل تقييم المستوى
    36
    أدب السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة وموضوعة المكان
    (الجزء الخامس)
    فليست الذات وحدها التي تسجل حضورها في المنفى، وإن كانت الطرف المباشر الذي يخوض تجربة النفي، أيضا ليست الذاكرة فقط هي المنفردة بالتواجد فيه، على الرغم من أنها الملكة العقلية المسؤولة على تحنيط التجربة والإحتفاظ بها للذكرى؛ بل إن الكتابة بدورها شاهد على تجربة النفي، وحاضرة بقوة في نفس الحيز المكاني المحدود إلى جانب الذات والذاكرة.
    إن لفعل الكتابة في المنفى قيمة أدبية و تاريخية متميزة، فهو فعل إنسان منفي، ونتاج فرد في إطار ظرف خاص، هذا فضلا عن كونه أداة مساعدة لنشاط الذاكرة، ثم إن الوجود عادة في المنفى يعني العزلة عما يجري في العالم الخارجي، لكنه في نفس الآن يعني غوص هذا العالم _ المتجسد في الوطن _ عميقا في ذات الكاتب المنفي، مما يمنح الفرصة للمخيلة كي تنشط، وللأحلام والرؤى المنامية كي تتوارد.

    إن تواجد الإنسان بغير إرادته في مكان مغلق، سواء أكان معتقلا أم منفى، هو سفر للذات بالإكراه داخل عالم محكوم بقوى معاكسة، يتحول فيه الزمن الحاضر إلى معاناة، وانتظار، وترقب؛ إنه زمن القيد والحصار العارض في مقابل زمن الحرية، وعندما يتحول الحاضر إلى فضاء للحلم، والرجاء، والإستشراف، ونافذة تطل منها الذات العربية المسلمة إلى المستقبل، يقوى الأيمان بفعل وقيمة الكتابة، وتسمو وظيفة التأريخ، باعتبار أنهما فعلان يمكنان من توثيق الأحداث، ورصد الأفكار والمشاعر، ومحاورة الذات المنفية أو المعتقلة من جهة، ويحفظان من جهة ثانية حق الأجيال اللاحقة في التعرف على أحوال أسلافهم .

    ولا شك أن ارتباط حاضر الكاتب العربي المسلم بالسجن والمنفى، واقتران المستقبل بالإنعتاق والحرية، هو في الواقع ارتباط يتحول في ظله المستقبل إلى حياة مؤجلة، تفتقدها الذات المسلمة في زمنها الحاضر، وقد وظف معظم كتاب السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة، الذين تعرضوا للنفي والإعتقال، سياقات خطابية دالة على تلك الحياة المنتظرة.

    ليست ذاكرة السجين ملكة حافظة فقط؛ بل هي كائن فاعل ينحت فاعليته في قلب المحنة والعذاب، إنها ذاكرة مسكونة بمختلف الممارسات التعذيبية، والمشاهد الوحشية الفظيعة، التي تمثل في مجموعها بعضا من المعاناة المقترنة في حياة السجين بظروف عصيبة وأمكنة محددة.

    ولا شك أن الإنسان السجين عندما يتذكر ما خاضه مكرها من تجربة الإعتقال، ويجسد ذلك بالكتابة، فإنه يبرهن على قدر كبير من الشجاعة، والفعل، والعطاء، في وقت لم يتمكن غيره من ممارسة ذلك الفعل وبذل هذا العطاء، ثم إن السجين يؤكد إنسانيته عندما يتذكر محنة الإعتقال بحمولتها القاسية، فهو يصرخ في وجه القائمين خلف مختلف الممارسات الحاطة من كرامة الإنسان، والمجتهدين في صياغة وحشد الأفعال المهينة والمشينة، محطما بذلك كل محاولات المحو والألم التي يستهدف الإنسان بها.

    إن شهادة السجين مكاشفة صريحة، وفضح صارخ لممارسة تدمير القدرة الإنسانية، وطمس الهوية والكرامة، ومؤكد أن السجين قد خبر أقصى درجات المحو الوجودي، والبشاعة والرعب، وما تذكره لمعاناة الإعتقال في جوف الدهاليز، والأقبية، ومختلف الأماكن المعتمة إلا ألم وأي ألم.
    ومن المؤكد ـ حسب اعتقادنا ـ أن أدب السجون يمثل إضافة نوعية إلى أدب السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة، ثم إنه بوجه خاص يشكل قيمة متميزة، ووجها إبداعيا بدأ في العقود الأخيرة يطل من نافذة هذا الأدب، وحتما سيشغل مكانة جد مهمة في ما يستقبل من الزمان.



    د. أبو شامة المغربي










    التعديل الأخير تم بواسطة أبو شامة المغربي ; 01/03/2006 الساعة 10:33 AM سبب آخر: تصحيح
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. ما هي السيرة الذاتية لـ ( أ.د محمود حسني مغالسة)
    بواسطة رائد المعاضيدي في المنتدى سؤال
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 02/08/2010, 07:45 PM
  2. أدب السيرة الذاتية بين الشعر والنثر
    بواسطة أبو شامة المغربي في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 210
    آخر مشاركة: 20/09/2009, 08:40 PM
  3. لمحات في أدب السيرة الذاتية
    بواسطة د.ألق الماضي في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 25/03/2008, 05:28 PM
  4. خطاب السيرة الذاتية فى نوار عين الصقر
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 28/02/2008, 05:10 AM
  5. وظائف أدب السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة
    بواسطة أبو شامة المغربي في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 16/03/2006, 10:25 AM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •