إسماعيل ابوبكر..
إجابة العم رمزي..
فكرة: إسماعيل أبوبكر وبكر رواشده.
عدت مسرعا إلى البيت وأنا الهث من السعي، ودموع تنساب من عيني حال تذكّري لما قاله ذلك الرجل الطيب. وأخرجت ذلك الصندوق من خزانتي، وأوقدت نار تلك المدفأة وبدأت ارمي بتلك الأوراق وأرقبها وهي تحترق شيئا فشيئا، فلم تكن يوما ما حقيقة، ومع احتراقها شعرت براحة نفسية بعد انقضاء تلك الأعوام التي ظل فيها قلبي خاويا.
كنت أراه جالسا في تلك المكتبة كلما توجهت إلى اقتناء كتاب معين، بمنظره الهادئ، وبسمته المتواضعة، واضعا نظارته على انفه وهو عاكف يقرأ ذلك الكتاب. كنت آتيه فور رجوعي من الجامعة لأخبره عن مغامراتي وما رأيت وما سمعت. كان نعم الموجه بالنسبة إلي، فقد كان يستمع إلى همومي ويتعاطف معي ويرشدني بخبرته. أخبرته ذلك اليوم عن "سلمى"، عن تلكم الساحرة الجميلة التي أحبتني، فاقتربت مني وطلبت مني أن أكون كاتبا لها في مجلتها الالكترونية.
لم أكن اقترب من الفتيات، لكني شعرت أنها مختلفة عنهن جميعا، فقد كنا نتشارك نفس الاهتمامات والأفكار، وشعرت أن روحنا واحدة وان القدر قد كتب مصيرنا سوية في لوح واحد. أحببتها من كل قلبي وصارحتها بمشاعري حال تلاقينا. واذكر أنها قالت لي في المرة الأولى التي تحدثنا فيها، أني ما أن تركت مجلسها حتى تبعتني بدموع فاضت من عينيها، وسُكبت على خدودها، وأنها شعرت بروحي تلامس روحها وأنها أخيرا وجدت فيّ توأم روحها.
مضت الأيام ونحن نزداد محبة لبعضنا، وتقوى أواصرنا. كانت تشاركني خلالها مشاعرها وآلامها ومخاوفها وكنت أراني بطلا ينتشلها من ذلك كله، وكم كان شعورا جميلا. وبعد أيام وشهور، لا ادري ما حدث فيما بيننا، فقد كثر خصامنا وجدالنا وهجرنا، وأخبرتني أنها تشعر بفتور العلاقة، وحينما سألتها عن سبب ذلك، ذكرت لي أن الوضع قد أصبح صعبا بالنسبة لها، وأنها ما عادت تشعر بمشاعر الحب مثلما كانت تشعر من قبل.
أصبحت حائرا ومشتتا، وتمردت على ظروفي المعيشية وكرهتها، وكنت احكي كل ذلك للعم "رمزي" والذي كان يبتسم لي كالعادة، ويسألني: "كيف شعورك تجاهها؟"، فأجيب: "إني اعشقها واعشق تربتها وكل ما يتعلق بها". فيسألني مرة أخرى: "وما شعورها تجاهك؟؟"، فأجيبه: "هي كذلك". فيصمت قليلا ويقول: "إذن كل شيء على ما يرام".
وفارقتني "سلمى" ذلك اليوم، واذكر تلك اللحظة التي قالت لي فيها أن علاقتنا صعبة وان الظروف والأوضاع لا تسمح بارتباطنا. فثرت عليها وقلت لها: "أين كلام الحب والتضحية والصبر؟ أين التوأمة الروحية والأحلام والآمال". وتركتني وحيدا أسائل نفسي عما جرى، حتى أني كنت ألوم نفسي أحيانا، بأنه كان علي أن ابذل مجهودا اكبر كي أحافظ عليها.
تحطمت بعد ذلك وتبلدت مشاعري وكفرت بالحب وحقيقته وتملكني اليأس، ومع هذا كله والعم رمزي يقول لي كلما ذكرنا الموضوع: "أن الحب الحقيقي لا يموت". وطلب مني أمرا عجيبا، وهو أن اجمع كل رسائل الحب واضعها في صندوق، وانتظر حتى تأتيني الإجابة يوما ما عما حدث وفرّق بيننا. وتُوفي العم رمزي.
وبعد أعوام رأيتها في إحدى الحفلات، ورأيت معها رجلا لا اذكر أني رأيته من قبل، وعرفتني به كخطيبها، واقتربت مني وسألتني عن حالي. فأخبرتها أن الأمور على خير ما يرام، وتحسّنت ظروفي، وحققت كل آمالي وطموحاتي. وهنا تبسّمت ومالت برأسها وهمست في أذني: "أتذكر تلك الأيام؟ لقد كانت أيام مراهقة وتجربة جميلة". تبسمت لها مجيبا: "لكنها كانت حقيقية بالنسبة لي، ولازلت احبك، لكني أخيرا تلقيت إجابة العم رمزي".
تمت..