تعد رواية " أولاد حارتنا " للكاتب العالمي المصري نجيب محفوظ من الكتب التي أثارت أزمات قبل أن تضم بين دفتي كتاب ؛ فمنذ نشرها مسلسلة في صحيفة الأهرام عام 1959 م وهي محاطة بسلسلة من الاتهامات التي وضعتها في معتقل حقيقي ورمزي – في آن – إذ منع الأزهر انتشارها بل وطباعتها وتوزيعها في مصر ؛ لتهجمها على الأنبياء والرموز الدينية بل والمولى سبحانه ؛ فكان المنع بدافع ديني لم يحظ بالقبول من جانب ثلة من المثقفين الذين أعادوا لنا تلك القضية الأزلية ( العلاقة بين الدين والأدب ) .

وإذا كان الدين هو الذريعة التي منعت بها الرواية في مصر ، وأججت فيها الثورات - التي ما إن تخمد حتى تعود مرة أخرى - ؛ فإنه هو ذاته قد عاد ليكون الذريعة التي يفرج عن الرواية باسمه ؛ فقد شهدت الساحة الثقافية منذ مديدة محاولات من قبل الإخوان لاستمالة الكاتب " نجيب محفوظ " وإقناعه بإعادة نشرها من خلال زيارتهم له وإهدائه قلما فاخرا ؛ للتعبير عن تقديرهم له ولقلمه ، ولكن المفاجأة كانت من قبل الكاتب الذي اشترط لإعادة نشرها في مصر أن يوافق الأزهر على ذلك ، وأن يكتب مقدمتها أحد رجالات الدين !! وهي بادرة حملت بعض الأقلام على التشهير بالكاتب ووصفه بالسلبية تجاه بعض المواقف ، بل إن بعضهم قد أخذ في استعادة تاريخية ومواقفه التي وسمت بأنها سلمية سلبية .

لكن المفاجأة الأكبر من تصريح محفوظ هي : أنه قد تم بالفعل فك الحصار عن تلك الرواية ؛ إذ قدم لها الكاتب الإسلامي أحمد كمال أبو المجد ، ووصفت الطبعة التي صدرت في مصر - للمرة الأولى بشكل رسمي - بأنها الطبعة المصرية الشرعية !!

وهذا يقودنا إلى تساؤلات عدة :

  • أأصبح الدين مزمارا ينفخ فيه كل ناعق ويؤجج العامة ؛ إذ إن الرواية قد منعت باسم الدين ، ورفع عنها ذاك المنع باسم الدين أيضا ؟!؟
  • ما مصير تلك الطبعات التي صدرت عن دار الآداب بالعشرات حين وسمت الطبعة المصرية بالشرعية ، أهي طبعات كفرية ؟!؟
  • كيف نتعامل مع تلك النصوص والدراسات التي كتبت حول الرواية ، خاصة تلك التي جرّمتها وأدانتها ؟!؟
  • أينبغي علينا أن نعيد قراءة النصوص خاصة الدينية باسم تغير الزمان ؟!؟
أسئلة كثيرة لا يمكن حصرها أثارها خبر الإفراج عن تلك الرواية ولعل من أبرزها : أيعني هذا الإفراج تتابع الإفراجات عن الكتب الأخرى التي عرفت باسم كتب الأزمة ؟!؟