الصورة
شعرية الإبداع
"... ويبدو أنه بقدر ما تكون الصورة غريبة وعجيبة تكون غرابة الأشياء وعجبها في الشعر. والمرجح أن تمتع هذه الغرابة المتلقي وتدهشه. وقد عبر ابن سينا عن هذا بقوله: "واعلم أن الرونق المستفاد بالاستعارة والتبديل سببه الاستغراب والتعجب"، والمرجح أيضاً أن تثمر هذه الدهشة علاقة بينه وبين النص. وبهذا تكون الصورة (مثلها مثل الأدوات الشعرية الأخرى) "هي العنصر الذي يملأ الفجوة بين النص والقارئ"، من هنا ندرك أنه لاتكمن أهمية أدوات الشعر في مجرد وجودها، وإنما في الكيفية الخاصة التي تشكلت عليها، وفي ما تتضمنه من وظائف فنية ودلالية وغيرها، مثل الانحياز بالتعبير عن العادية، ومثل التأثير، وجعلها من النص موضوعاً جمالياً قابلاً للإدراك.
وإذا نجحت الأدوات في تحقيق هذا نجحتْ في شيء آخر هو الأخذ بالشعر نحو التطور.
وحضور الصورة "طريقةَ إبداع" في الشعر قويّ أحيانا إلى حد أن تُمَثِّل "المقولَ" أو الدلالة الشعرية أيضاً. وربما يبدو هذا الحضور، في الظاهر، احتفاء ببنية الشكل على حساب بنية المضمون، أو تحيزاً إلى بنية الشكل تحيزا يوهم بخلو النص الشعري من المعنى مثل أبيات تنسب إلى كثير:
ولما قضينا من منى كل حاجة
ومسَّح بالأركان من هو ماسح
وشُدَّت على حُدَب المهارى رحالنا
ولم ينظر الغادي الذي هو رائح
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا
وسالت بأعناق المطي الأباطح
نقعنا قلوباً بالأحاديث واشتفت
بذاك صدور منضجات قرائح
ولم نخش ريب الدهر في كل حالة
ولا راعنا منه سنيح وبارح
..."
د. أبو شامة المغربي