النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: حوار في السماء - قصة قصيرة

  1. #1 حوار في السماء - قصة قصيرة 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    السعودية
    العمر
    54
    المشاركات
    66
    معدل تقييم المستوى
    15
    حوار في السماء
    قصة قصيرة
    كتبها : أحمد كمال
    ( فيلسوف القصة )
    نادى قائد الطائرة عبر المكبرات ، المتبقي من زمن الرحلة دقائق معدودات ، تهللت أساريري ، ورحت أفرغ سعادتي من جسدي المهتاج ، أفرك رأسي ، أدعك عيني ، أقلب كفي ، فبعد قليل سأعود إلى الديار ، وأنهي سنوات الغربة ، وأيام الفرار .
    أتلفت حولي أبحث عن صديق ، أفضفض له بتلك المشاعر ، وهذا الالتياع ، وإذا برجال وسط الممر يقفون ، يمسكون في أيديهم ، أجهزة الجوال ، ويلوحون بها لأعلى ، ويصيحون في هياج :
    - لا حراك .... الطائرة مختطفة .... وإلا هلاك !
    أدركتني صدمة شلت لساني ، وساد سكون ملأ كل وجداني ، وراح كل ركاب الطائرة في فضاء الكون ضائقون ، ولكن جاءتني فكرة طائشة ، لمعت في أم عقلي صائبة ، إذا كنا هالكون ، فلماذا لا أجري حوار ، مع هؤلاء الرجال ؟! أغوص في أعماق نفوسهم، كيف أنهم قادرون، أنفسهم يقدمون ؟! فأشرت للرجل عند آخر الممر ، فجاء ولما مني اقترب ، سألته بأدب :
    - إذا كنت قد اتخذت القرار .... واقترب موعد الانتحار .... فدعني أعرف السبب ، ومن أين جاءك كل هذا الثبات ؟!
    فنظر إلي الرجل بدهشة ، واستغراب ، كأن قد فاجأه السؤال ، إلا إنه قال :
    - أنا أريد الانتقام ، فأمام عيني لا أرى إلا الظلام ، وهؤلاء إخواني ، من قتل أبويه ، ومن سحق أبناءه ، ومن اغتصبت زوجته ، أو شقيقاته ، وربما بناته ، أو ربما أغتصب وطنه بأكمله !!
    فأسرعت متسائلاً :
    - ولكن هل لك أعداء على متن هذه الطائرة المحلقة في الفضاء ؟!
    فأسرع في هياج قائلاً :
    - كلهم أعداء ، وإن لم يكن فكلهم فداء !
    فأسرعت في هياج أكثر منه قائلاً :
    - ولكنك يا سيدي تريد أن تنتقم من أبرياء ، لأبرياء ، وعدوك المجرم صنع منك مجرماً بامتياز ، فما الفرق بينكما الآن ؟!
    فنظر إلي مستغرباً ، وبدا على ملامح وجهه علامات الاقتناع ، فأسرعت واقفاً ، أصيح في سعادة غامرة قائلاً :
    - هيــــا .... فليأتيني كل الأطفال الموجودين على الطائرة !
    وامتلأ الممر بالأطفال ، الواحد تلو الآخر ، يركضون كالملائكة ، ويحبون على أذرعتهم ، في همة ، ونشاط ، وكأن الطائرة قد أصبحت روضة في السماء ، ولما التئم جمعهم ، أمسكت أحدهم ، يشع من وجهه نور الصفاء ، ويلمع في عينيه بريق اللقاء ، وسألت الرجل قائلاً :
    - يا أيها الرجل .... هل لك من بين هؤلاء الأطفال أي أعداء ؟!
    فأسرع صائحاً ، متبرئاً ، في هياج قائلاً :
    - لا .... لا .... إنهم أبرياء !
    فصحت فيه مبتسماً قائلاً :
    - إذن دعنا ننقلهم إلى مؤخرة الطائرة !
    فهز برأسه موافقاً ، وهو لي شاكراً لفت الانتباه ، ثم رحت أصيح مجدداً قائلاً :
    - يا أيتها النساء .... فلتأتيني من فوركن ، إن كنتن تردن النجاة !
    فامتلأ ممر الطائرة ، بعشرات النساء ، وكأننا في جنات النعيم ، ومن حولنا ترفرف الحور العين ، فوضع الرجل نظره في الأرض على استحياء ، فسألته مباغتاً قائلاً :
    - يا أيها الرجل .... هل لك أعداء من بين هؤلاء النساء ؟!
    فرد في حشرجة دهماء ، بصوت طفل أدركه الحياء قائلاً :
    - لا .... لا .... الأعداء لسن من هؤلاء النساء !
    فصحت فيه مستنكراً قائلاً :
    - إذن دعنا ننقلهن إلى مؤخرة الطائرة !
    فهز الرجل برأسه موافقاً على استحياء ، إلا إني رحت أصيح من جديد ، قائلاً :
    - يا أيها الشيوخ .... فلتأتوني من فوركم ، إن أردتم نجاتكم !
    فامتلأ الممر من جديد ، بعشرات اللحى والرؤوس ، والشيب يتوجها ، كأننا في جنة الفردوس ،والملائكة تزينها ، فداهم الرجل بكاء ، وراح يجهش في هياج ، وأنا أسأله معنفاً قائلاً :
    - يا أيها الرجل .... .... .... هل لك أعداء من بين هؤلاء الشيبان ؟!
    فرد بانتحاب ، وقد فاض الدمع من عينيه أنهار ، بمرارة ، وانكسار ، قائلاً :
    - لا .... لا .... هؤلاء فوق رؤوس كل العباد !
    فصرخت فيه قائلاً :
    - إذن دعنا ننقلهم إلى مؤخرة الطائرة !!
    فهز رأسه موافقاً ، وهو يشعر باختناق ، ورحت أتفحص وثائق الرجال ، حتى عثرت على اثنين من الأعداء ، واحد من جيش الاحتلال ، والثاني من قوات أعالي البحار ، فصرخت فيه قائلاً :
    - هؤلاء هم الأعداء .... سبب البؤس والشقاء
    فهز برأسه موافقاً ، ومهللاً ، أن أدرك أخيراً الأعداء ، ولكني صحت فيه قائلاً :
    - إذن دعنا ننقل بقية الرجال إلى مؤخرة الطائرة !
    فهز برأسه موافقاً ، ومؤكداً ، ثم رحت ادنوا برأسي من رأسه ، وأهمس في أذنه قائلاً :
    - من أجل هذين الوحشين ، تريد أن تقتل كل هؤلاء الأبرياء ؟!
    فرد بنفس الهمس قائلاً :
    - وماذا ترى يا أيها الحكيم ؟!
    فعدت أهمس في أذنه ثانية ، وأنا أشير عليهما ، وهما يرتجفان ، قائلاً :
    - دعنا نقذف بهما من الطائرة .... ونرضي النفوس الثائرة .... وكل الركاب غير شهداء !
    فهز برأسه موافقاً ، ومتحمساً لذاك القرار ، وراح يشاور أصحابه ، وعاد بعد وقت قصير بالموافقة ، واتجهنا جميعاً صوب باب الطائرة ، حتى نقذف بالمجرمين ، ولما فتحنا الباب ، وهبت عاصفة الهواء ، صاح جندي أعالي البحار قائلاً :
    - يا سيدي .... أنا لم تطأ قدمي تلك الديار ، ولم أقتل أحداً ، ولم انتهك عرضاً ، ولم اسرق أي أموال ، فبأي ذنب ، تريق دمي هباء ، ولي على متن الطائرة ، زوجة ، وأطفال ؟!
    فتأملت الرجال ، وصحت فيهم ، وعاصفة الهواء تتدفق عبر الباب ، قائلاً :
    - أترون الآن هذا الجندي من الأعداء ؟!
    فصاحوا جميعاً على صوت رجل واحد قائلين :
    - لا .... لا يا سيدي طالما لم تطأ قدماه الديار !
    فأشرت له أن يذهب ، ويلتحق ببقية الرجال ، فراح يصيح ، ويهلل ، كأنه نجا من الممات ؟! شاكراً إلهنا الذي في السماوات ، وبقى الجندي الأخير ، جندي جيش الاحتلال ، صمت ، لم يدر ما يقول ، كيف يمكنه أن يدافع عن نفسه ؟ فهو سارق وطن ، ومتحد للزمن ، وخالق محن ، لكل الأبرياء ، فنظرت له برحمة ، بإشفاق ، وقد اشتدت عاصفة الهواء ، فسألته قائلاً :
    - ألن تدافع عن نفسك يا أيها الإنسان ، يا جندي رمزه الغطرسة ، والعنفوان ؟!
    فصمت ، وملامح وجهه بلا عنوان ، فصحت فيهم قائلاً بحماس :
    - يا أيها الرجال .... إن الشجاعة تقتضي أن لا يقتل إلا في ساحة القتال ، حتى لا ينال منا شرف البطولة الجوفاء
    فهز الرجال برؤوسهم موافقون ، فأشرت له أن يلتحق ببقية الرجال ، فركض الرجل كطائرة نفاثة بلا انتظار ، وإذا برجل يربت على كتفي متسائلاً قائلاً باستغراب :
    - ولكن نحن هكذا لن نقتل أحداً من الأعداء ، ولن نصبح في عداد الشهداء ؟!
    فنظرت له مستغرباً ما قال ، وضربت بيدي على صدره قائلاً بارتياح :
    - يا أيها الرجال ... ألا تدركون أنكم أقوى مما كان ، لقد أقمتم حياة ، أنجيتم الأبرياء ، وعفوتم عن عدوكم عند المقدرة ، وعرفتم طريق الجهاد ، وحلاوة الاستشهاد ، ولم يستطع عدوكم ، أن يجعلكم مثله مجرمون ، أفلا تكتفون ؟!!
    فارتسمت بسمة على شفاههم ، وأغلقنا الباب ، ورحنا نتبادل العناق ، تلو العناق ، وعاد قائد الطائرة ليتحكم بها من جديد ، وعاد الركاب إلى مقاعدهم ، يلتقون كأنه يوم عيد ، ورحن المضيفات يقدمن الحلوى ، وأكواب العصير ، حتى قبلت إطارات الطائرة ، إسفلت المطار ، فرحت ازفر بلهفة ، واشتياق ، وفي قلبي صياح ، للوطن المستباح ، ومن فرط سعادتي وقفت في هياج صارخاً بأعلى صوتي كالأطفال الصغار ، ومن خلفي كل الركاب يرددون :
    - الحـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـوار ، الحــــــــــــــــــــــــوار ، الحــــــــــــوار
    تمت ،،،،
    أحمد كمال سالم
    إنسان حر وحر وحر
    رد مع اقتباس  
     

  2. #2 رد: حوار في السماء - قصة قصيرة 
    قاص مربدي الصورة الرمزية خليد خريبش
    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    1,114
    مقالات المدونة
    2
    معدل تقييم المستوى
    20
    أخي أحمد كمال،مشكور على المساهمة،سأعود لهذا النص.تحياتي.
    رد مع اقتباس  
     

  3. #3 رد: حوار في السماء - قصة قصيرة 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    السعودية
    العمر
    54
    المشاركات
    66
    معدل تقييم المستوى
    15
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خليد خريبش مشاهدة المشاركة
    أخي أحمد كمال،مشكور على المساهمة،سأعود لهذا النص.تحياتي.
    شكراً لمرورك من هنا
    وأنتظر عودتك
    مودتي
    أحمد كمال سالم
    إنسان حر وحر وحر
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. المبدع العربي والغرب((حوار مع الباحث عبد السلام زيان))
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 21
    آخر مشاركة: 04/12/2013, 09:05 PM
  2. قصة قصيرة جداً : خوار البقر
    بواسطة حسن علي البطران في المنتدى القصة القصيرة
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 17/04/2009, 09:37 AM
  3. الوعي العربي .حوار اديان ام حوار للطرشان
    بواسطة علاء ابراهيم في المنتدى قبة المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 21/11/2008, 05:17 PM
  4. قصة قصيرة جداً(حوار)
    بواسطة محمدذيب علي بكار في المنتدى القصة القصيرة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 21/11/2008, 01:30 PM
  5. رجل من غير هذا الزمان قصة قصيرة
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى القصة القصيرة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 22/02/2007, 07:16 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

عرض سحابة الكلمة الدلالية

ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •