" إنها الحرب "
انتفضت من مكانها مذعورة تبكي، و قد أقلق راحتها كابوسها المزعج ، ارتمت في حضن والدتها تسائلها إلى متى يدوم الحال على حاله ، و متى يمزق ضياء الشمس غشاوة هذا الليل البهيم ، لتعانقها هذه الأخيرة في أسى ، و هي لا تحمل أي جواب إلا بضع كلمات تطمئن بها الصغيرة وتهدء من روعها ما استطاعت " قريبا يا بنيتي ، قريبا سيلمع نجم السلام في أراضينا ".
خيام نُصِبت لتضم الأسر والعائلات الفارة من جحيم الحرب التي شُنت على بلادهم ، يتقاسمون الخبز و الماء فيما بينهم ، يملأهم الخوف و الهلع و لا يعتريهم من الأحاسيس إلا السيء منها .. لهذه الأرض الجدباء النائية التجأوا لعلهم يجدون في أحضانها بعضا من الأمان الذي افقتروا إليه ..
و كما حصل في السابق ، ها هو ذا سيناريو الاغتصاب يعيد نفسه ، و ها هي جيوش العدو تقتحم مخيمهم الصغير بعد أن عثرت عليه ، و في قلب كل جندي منهم أمل بأن يصيب أكثر عدد من الضحايا و يطلق صراح أكبر عدد من الرصاصات ليحصل في الغد على الترقية الموعودة من طرف جنيرالهم ..
و من بينهم تقدم الجندي الملقب بالشجاع يحطم كل ما يجد في طريقه ، و يهشم رأس كل من وقعت عيناه عليه، بندقيته لا تخطئ الهدف ، و إنها اللحظة التي يقتحم فيها الخيمة التي تضم الصغيرة و والدتها ..
اقترب منهما في خبث واضح ، بينما اتسعت و نتأت مقلتا
الوالدة ، فالواقف أمامها ابنها الذي رحل منذ خمس سنين و لم تسمع أخباره من يومها ، إنه هو بشحمه و عظمه ، يقف ، لكن في صفوف العدو .. زمجر هو بصوت جهوَري غير مبالٍ و شد الصغيرة إليه و أغمض عينيها ثم أطلق رصاصة أصابت والدته و أخيرا أخرى أردت أخته قتيلة أرضا ، وراسما ملامح الفخر المصطنعة خرج يقص الذي حصل معه لأقرب زملائه و يرفع و إياه ضحكاتهما في غلاوة واضحة ، ليأكد له أنه جذلان بما حققه من نصر ..
ما إن أعلنت الشمس ظهور أول خيوطها حتى كان بالامكان مشاهدة اللوحة الدموية التي رُسِمت على الأرض ، و كان بمقدور أي أحد أن يستاء من منظر أشلاء الجثت المتناثرة هنا و هناك ، و بأحد الزوايا جلس الجنود ليشربوا نخبهم و وسطهم جلس الجندي الملقب بالشجاع يجيب على استفساراتهم التي كان من بينها واحد يقول : ألم تتردد حين رؤيتك لهما! .. ليقف هذا الأخير في خيلاء يرفع الكأس بيده اليمنى و يرشف منها رشفتين ثم يرميها خلفه ويقول : أنا أنوي إقامة العزاء بعد الترقية ، لكن الآن لا شيء أتشبث به إلا عنوان درسي الأول " إنها الحرب "