النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: " اليد اليمنى "

  1. #1 " اليد اليمنى " 
    كاتب تونسي الصورة الرمزية فيصل محمد الزوايدي
    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    الدولة
    تونس
    المشاركات
    213
    مقالات المدونة
    1
    معدل تقييم المستوى
    17
    الــــــيَدُ اليُـــمــنـى ..

    مضى الليلُ كَما مَضَت ليالٍ و أُخرى عَلى عَزْفِ نُواحي، كَما مَضى العُمرُ، كما مَرَّ الساربونَ عَلَى نَزْفِ جِراحي .. أُغلِقُ دَهاليزي الـمُعتِمَةَ تـحتَ غِطاءٍ ثَقيلٍ مِنَ الصوفِ و الـخَوْفِ فَتَتَبَدَّدَ سَحائِبُ الـخَدَرِ و تَتَنادى شارِداتُ الأَفكارِ إلـى الانتِظامِ فـي فِكرَةٍ واحِدَةٍ : هذا يَومٌ لا مَثيلَ لَهُ .. لا يَومَ لَهُ مَثيلٌ .. أَقفِزُ مِنَ الـمضجَعِ و أُسرِعُ إلـى الـمغسَلِ ، لَكنّي أَتـجمد أمامَ الـمرآة فهذا الرجلُ ظلَّ ينظرُ إلـي بِـحَيْرَةٍ كأن الإنسانَ لغزٌ .. أَوَ لَيسَ كذلكَ قالَ لـي .. ؟ أَرفُضُ أَنْ أُجيبَه فَما أَظُنُّ فـي العُمرِ مُتَّسعًا للسؤالِ .. أَتَـهَيَّأُ للاغتِسالِ كالعادَةِ فَأَمُدُّ يدي اليُمنـى نَـحوَ حَبلِ الـماءِ الـمُتَدَفِّقِ كالسنين، لا تَـهـدَأُ و لا تَعبَأُ بالـمُتعَبينَ .. أَنظُرُ إلـى اليَدِ الـمُمتَدَّةِ و يتبادَرُ سُؤالٌ يَفْجَأُنـي لِأَوِّل مَرَّةٍ : و لِمَ اليُمنـى ؟ أَلِأَنّـي تَعوَّدتُ ذلكَ .. أَغسِلُ اليُمنـى ثُـمَّ اليُـسرى و أَمسَحُ ظاهرَ الأجفانِ و أَسيرُ كالأَسيـرِ فَأَتَـحَدَّثُ لِأَقولَ باطِلا و أَطـــمَئِنَّ غافِلا و أَضحَكَ نِفاقًا ..أَرتَدي ثِيابًا داكنَةً أَلوانـها لَعَلَّها تَستُرُ عيوبًا لا يستُرُها إلا القَبـرُ مَتـى قُبِرتُ. أرسُـمُ على فَمي اِبتِسامَةً صفراءَ أو بيضاءَ ، سِيانَ فَما عادَ للألوانِ عِندي تَـمايُزٌ.. هُوَ لَونٌ واحدٌ قَاتِـمٌ حالِكٌ لَـن أُخبِرَكُم بِهِ .. وَ أَمُرُّ أمـامَ دُكانِ العـمِّ صالـح ، أُلقـي إلَيْهِ تَـحيَّةَ الصباحِ و أُصافِحُهُ بِيُمْنايَ بِتَوَدُّدٍ ظاهرٍ و أَلعنُهُ فـي سِرّي فَأنا مَدينٌ لَهُ بِـمالٍ أَقرضَنيهِ مُنذُ أَمَدٍ .. أَمضي فـي الطريقِ أَتَتَبَّعُ أعجازَ النساءِ و ما ظَهَرَ مِن زينَتِهن، أَقصِدُ الـمقهى فَما لـي مِن مَلهى غيرها لِأُجالِسَ صحبًا أُشارِكهم لَغوًا و بَغْيًا عَلى الآخرينَ.. أَتَتَبَّعُ على التلفازِ مُطرِبَةً هيفاءَ تكشِفُ ساقَيْها البَديعَتَيْنِ لِتُثبِتَ أنَّ صوتَـها جـميلٌ ، لَكنَّ ساقَيْها لا تُثيرانِ العَناكِبَ الـمُعَشِّشَةَ حولَ الـجهازِ الذي يَبُثُّ صورَتَـها و يَنسى صوتَـها البديعَ..هُـما تُثيـران عَناكِبَ أُخرى تَرتَـدي ثِيابًا أنيقَةً و لَكِنَّها داكنةٌ كَأَثوابـي و لا أدري لِـماذا .. أَقلِّبُ باليُمنى صفحاتِ صُحُفٍ فَأعثُرُ بَيْنَ العناوين على هَزائِم بِأسـماء اِنتِصاراتٍ و لَـمْ أَفهَم يَومًا كَيفَ يَقَعُ ذَلِكَ و لَـم تُفِدنـي دُروسُ اللسانياتِ بِشَيْءٍ. يُقبِلُ الغلامُ مُساعِدُ النادلِ عندَما يُناديهِ أَحَدُ عُقلائِنا بِكُنيَتِهِ التـي تُعَبِّـرُ عَن بَلاهَتِهِ يَسخَرُ مِنهُ بِكلِماتٍ تُثيرُهُ فَتُخرِجُهُ عَن طَورِهِ لِيَتَفوَّهَ بِكَلامٍ فاضِحٍ .. فَنَضحـَكُ لِعَقْلِ صديقِنا و بلاهةِ الآخر .. هذا شطرُ يَوْمي ..ثُـمَّ أَمضي إلَيْها.. أُنثايَ ، عِندَ زاوِيَةٍ مُنعَزِلَـةٍ فـي حَـديقَةٍ أَو مُنتَزَهٍ تَقولُ لـي:" أُحبُّكَ "سَذاجةً و أَقولُ لَـها:" أُحِبُّكِ " اِشتِهاءً و نَبتَسِمُ لِبعضِنا مُصَدِّقَيْنِ فالـحياةُ تَـحتاجُ إلى التصابـي يومًا و إلـى التَّغابـي أيامًا..
    تَزدادُ ابتِسامَتُها تَأَلُّقًا عندَما تَبدَأُ أَصابِعُ يَدي اليُمنى فـي العَبَثِ بِأَزرارِ قَميصِها.. ثُـمَّ نَنصَرِفُ إلـى فِعلٍ أكرَهُها بَعدَهُ .. أَعودُ مَكدودًا إلـى البَيتَِ و أَلعَُن العمَّ صالِـح مُـجَدَّدًا بَعدَ أَن تَكونَ يُـمنايَ قَد اِرتَفَعت لإلقاءِ تَـحِيَّةِ الـمساءِ عَلَيْهِ بِـحَميمِيَّةٍ بالغَةٍ ..
    و دونَ أَن أُدرِكَ كَيفَ وَقَعَ ذَلِكَ الاتفاقُ : تَراجَعَت اليَدُ اليُمنى خَـجْلى مِن كُلِّ ذَلِكَ و اِندَفَعَت اليُسرى نَـحوَ الـماءِ ِاندِفاعاً عُنفُوَانِـيا غَريبًا لا عَهدَ لـي بِهِ ..

    فـيصل الــزوايـــــــــدي
    التعديل الأخير تم بواسطة طارق شفيق حقي ; 07/08/2009 الساعة 11:03 PM
    رد مع اقتباس  
     

  2. #2 رد: " اليد اليمنى " قصة لفيصل الزوايدي(تونس) 
    شاعر سوري- مشرف الصورة الرمزية مصطفى البطران
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    الدولة
    في بساتين القلوب
    المشاركات
    1,133
    مقالات المدونة
    5
    معدل تقييم المستوى
    19
    قصة موحية إلى كثير من الأفعال التي نقوم بها باليمنى امتثالا لشرع أو استجابة لدين ولكن بنفس اليمنى يمكن أن نرتكب الكثير من الأفعال التي لا تحمد عقباها

    ( اللهم اجعلنا من أصحاب اليمين )
    ولكن لي همسة عجلى وتساؤل بسيط وهو: هل اليمين وحده يقوم بفعل الخير وإن كان العرف يقول ذلك؟؟؟ ولكن أين نحن من فعل الخير ولو باليسار ولكن الأخ فيصل يعزف على وتر حساس وجميل ليقول لنا :
    لقد كثرت أفعالنا التي لا تحمد عقباها باليمين أما أفعالنا التي لا تحمد عقباها باليسار فهي كثيرة لا تقبل العدّ والحصر
    0
    الفكرة جميلة ولطيفة تحتاج إلى تأمل يتناولها الكاتب بذكاء وحرفنة ساعدته في ذلك خبرة قصصية كبيرة العبارات واضحة عموما ولكن ذلك لا يضيرها لأنها موحية عموماً0
    بطل القصة :هو المسيطر على أحداثها بكل قوة فكل أحداثها له أو من خلاله وتأتي النهاية الجميلة والقفلة التي أراها مدهشة على الرغم من بساطتها بقولك:
    و دونَ أَن أُدرِكَ كَيفَ وَقَعَ ذَلِكَ الاتفاقُ : تَراجَعَت اليَدُ اليُمنى خَـجْلى مِن كُلِّ ذَلِكَ و اِندَفَعَت اليُسرى نَـحوَ الـماءِ ِاندِفاعاً عُنفُوَانِـيا غَريبًا لا عَهدَ لـي بِهِ ..

    دمت قاصا تعرف كيف تصل إلى المتلقي وتهمس في أذنه ما تشاء بكل لطف 0
    التعديل الأخير تم بواسطة مصطفى البطران ; 07/08/2009 الساعة 08:41 PM
    بكم
    أحيـــــا

    رد مع اقتباس  
     

  3. #3 رد: " اليد اليمنى " قصة لفيصل الزوايدي(تونس) 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية ملاك الكون
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    سلطنة عمان
    العمر
    27
    المشاركات
    25
    معدل تقييم المستوى
    0
    وااصلواا ف كتاابة هذه القصاائد الجمييلة
    رد مع اقتباس  
     

  4. #4 رد: " اليد اليمنى " 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    نص عميق يعج فلسفة وجدانية

    وقفت عند صدقه
    وقفت عند صراحته
    وقفت عند عفة ألفاظه إذ وصف واكتفى بالإيحاء الدال

    أخيراً عليك الرحيل أخي في ذلك السبيل
    لا سبيل غيره يأويك
    كل السبل الأخرى لا تجدي قلبك المتعب

    إن يدك القوية لن تحول البراعم زهراً

    وكان نفث الحياة كفيلاً أن يحولها زهراً
    ويجعل اليد اليمنى ترفع ابتسامة العم صالح رغماً عنه

    لك تحياتي
    رد مع اقتباس  
     

  5. #5 رد: " اليد اليمنى " قصة لفيصل الزوايدي(تونس) 
    كاتب تونسي الصورة الرمزية فيصل محمد الزوايدي
    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    الدولة
    تونس
    المشاركات
    213
    مقالات المدونة
    1
    معدل تقييم المستوى
    17
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مصطفى البطران مشاهدة المشاركة
    قصة موحية إلى كثير من الأفعال التي نقوم بها باليمنى امتثالا لشرع أو استجابة لدين ولكن بنفس اليمنى يمكن أن نرتكب الكثير من الأفعال التي لا تحمد عقباها

    ( اللهم اجعلنا من أصحاب اليمين )
    ولكن لي همسة عجلى وتساؤل بسيط وهو: هل اليمين وحده يقوم بفعل الخير وإن كان العرف يقول ذلك؟؟؟ ولكن أين نحن من فعل الخير ولو باليسار ولكن الأخ فيصل يعزف على وتر حساس وجميل ليقول لنا :
    لقد كثرت أفعالنا التي لا تحمد عقباها باليمين أما أفعالنا التي لا تحمد عقباها باليسار فهي كثيرة لا تقبل العدّ والحصر
    0
    الفكرة جميلة ولطيفة تحتاج إلى تأمل يتناولها الكاتب بذكاء وحرفنة ساعدته في ذلك خبرة قصصية كبيرة العبارات واضحة عموما ولكن ذلك لا يضيرها لأنها موحية عموماً0
    بطل القصة :هو المسيطر على أحداثها بكل قوة فكل أحداثها له أو من خلاله وتأتي النهاية الجميلة والقفلة التي أراها مدهشة على الرغم من بساطتها بقولك:
    و دونَ أَن أُدرِكَ كَيفَ وَقَعَ ذَلِكَ الاتفاقُ : تَراجَعَت اليَدُ اليُمنى خَـجْلى مِن كُلِّ ذَلِكَ و اِندَفَعَت اليُسرى نَـحوَ الـماءِ ِاندِفاعاً عُنفُوَانِـيا غَريبًا لا عَهدَ لـي بِهِ ..

    دمت قاصا تعرف كيف تصل إلى المتلقي وتهمس في أذنه ما تشاء بكل لطف 0
    أعتز بهذه القراءة كثيرا أخي مصطفى .. و ما بين اليمين و اليسار وشائج كثيرة ..
    سررت فعلا بهذه التفاعل و ما فيه من اضافة حقيقية
    دمت في الخير
    رد مع اقتباس  
     

  6. #6 رد: " اليد اليمنى " قصة لفيصل الزوايدي(تونس) 
    كاتب تونسي الصورة الرمزية فيصل محمد الزوايدي
    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    الدولة
    تونس
    المشاركات
    213
    مقالات المدونة
    1
    معدل تقييم المستوى
    17
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ملاك الكون مشاهدة المشاركة
    وااصلواا ف كتاابة هذه القصاائد الجمييلة
    شكرا للدعوة الراقية اختي الكريمة
    دمت في الخير
    رد مع اقتباس  
     

  7. #7 رد: " اليد اليمنى " 
    كاتب تونسي الصورة الرمزية فيصل محمد الزوايدي
    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    الدولة
    تونس
    المشاركات
    213
    مقالات المدونة
    1
    معدل تقييم المستوى
    17
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طارق شفيق حقي مشاهدة المشاركة
    نص عميق يعج فلسفة وجدانية

    وقفت عند صدقه
    وقفت عند صراحته
    وقفت عند عفة ألفاظه إذ وصف واكتفى بالإيحاء الدال

    أخيراً عليك الرحيل أخي في ذلك السبيل
    لا سبيل غيره يأويك
    كل السبل الأخرى لا تجدي قلبك المتعب

    إن يدك القوية لن تحول البراعم زهراً

    وكان نفث الحياة كفيلاً أن يحولها زهراً
    ويجعل اليد اليمنى ترفع ابتسامة العم صالح رغماً عنه

    لك تحياتي
    اسعدني كثيرا هذا التفاعل الايجابي مع النص اخي طارق و انا ممتن لاطلالتك الراقيةحقا
    دمت في الود
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 31/05/2012, 01:09 PM
  2. مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 11/12/2011, 11:53 PM
  3. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 17/05/2011, 06:39 PM
  4. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04/05/2011, 10:38 PM
  5. صرخة غالوي"أنا امجد المقاومة"
    بواسطة رزاق الجزائري في المنتدى قبة المربد
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 05/11/2007, 09:40 AM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •