الشمولية والعباطة في الخطاب القومي العربي
بقلم : علي طه النوباني
على الرغم من كل المصائب التي حصدها الشموليون ، مازال القوميون العرب متمسكون بخطابهم الرديء، الخطاب نفسه الذي دفنوا في ظله الإنسان العربي لعقود طويلة، وامتهنوا كرامته حتى لم يبق منه سوى أطلال بشر وبقايا قوم.
مازالوا يجعجعون بثوابتهم الانتقائية التي تأتي على ما يريدون،وتستثني ما لا يريدون ، يتحدثون طويلاً عن البطولة والمقاومة والوحدة، ويطوون صفحاً عن ممارسات الأنظمة القومجية ومعتقلاتها وسجونها وفسادها تلك الممارسات التي أوصلت الأمة إلى الحضيض .ويتحدثون عن تحرير الأرض وهم السباقون إلى تكبيل الإنسان وتجريده من أبسط صفات الإنسانية، متناسين بذلك أن الأرض الحرة تحتاج إلى إنسان حرّ يعمرها .
هذا هو واحد من فحولهم يشبه شافيز بكاسترو ، ويستطرد مشبها أحد الرؤساء العرب بجمال عبد الناصر ، وإذا ما بدأنا بالحديث عن المشبه به وهو جمال عبد الناصر نفسه ، هذا التابو الذي صدعوا رؤوسنا به وبلغوا في تمجيد بطولاته عنان السماء فإنني أتساءل :
ماذا فعل عبد الناصر ؟؟؟
ألم يكن نموذجا يحتذى في السلطوية والانغلاق حتى لقد ملأ السجون من المثقفين وأصحاب الرأي ، واستطاع أن يدفع الحركة الإسلامية إلى ولادة جماعات بالغة التطرف هي الآن وقود للكثير من مآسينا ونكباتنا ؟
أليس عبد الناصر هو نفسه صاحب الهزيمة الأعجوبة عام 1967 والتي ما يزال الناس تحت تأثيرها حتى اليوم ؟؟
أليس هو من شرع للعسكر الانقلابات اليومية في سوريا والعراق وغيرهما ؟؟؟
أليس هو من أطلق يد رؤساء أجهزته الأمنية تعيث في الأرض فساداً وتعبث بأرزاق الفقراء والبسطاء من أهل مصر ؟؟؟ وكان بذلك نموذجاً يحتذى لكل من يريد أن يقمعَ شعبه ويخرسَ كل من ينازعه ألوهيته الكاذبة.
لقد اكتسب كاسترو شرعيته من حمله البندقية وقيادته لثورة شعبية حقيقية، وكانَ بهذا ابن حقبة مختلفة عن حقبة شافيز الذي اكتسب شرعيته من صندوق الاقتراع، ومِن التزامه بقضايا شعبه ونضاله من أجل التحرر وحقوق الإنسان ..فما أعجبها من مقابلة تلك التي تجري بين شافيز وكاسترو من جهة وأحد الرؤساء العرب وجمال عبد النصر من جهة أخرى ... فلا جمال عبد الناصر قاد ثورة شعبية لتمنحه شرعية الوصول إلى رأس هرم السلطة في مصر ، ولا ذلك الرئيس العربي الذي ورث دولة وشعباً كما تورث الأغنام والماشية ، فبئس المشبه والمشبه به ، وبئست حياة العرب الملآى بالتابوهات الفارغة التي يُحرَّم الحديث فيها ، فإذا ما كسَّرتَ التابو ، وحاولت استجلاء الحقيقة وجدت الغزال قرداً والأسد ذبابة .
وإنني أقول لهؤلاء القوميين المتحجرين : تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ...أليست القومية فكرة بسيطة تقوم على إيجاد كيان سياسي لقوم يشتركون في خصائص ثقافية وجغرافية ودينية بهدف تلبية حاجاتهم الإنسانية، وتحقيق العدالة الاجتماعية بينهم من أجل سعادتهم وضمان مستقبلهم لا من أجل تنكيد عيشهم وحرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية.
أليست الدولة في نهاية الأمر أداة تخدم الناس بالطريقة التي يريدها أغلبيتهم على أن تحفظ حقوق الأقليات في الحرية والحياة الكريمة ؟؟؟
لماذا ما زلتم على إصراركم على النموذج القومي الذي جربناه طويلا ذلك الذي حول الناس إلى عبيد للدولة التي جاءت أصلاً لتكون في خدمتهم .
وأي عقد اجتماعي ذلك الذي سمح لهذا النظام أو ذاك أن يرث الأرض وما عليها مثل الأغنام والشياه .
أي عقد اجتماعي ذلك الذي يسمح لواحدٍ بالمائة من الشعب أن يستفرد بتسعين بالمائة من الثروة والسلطة، ويترك الناس بلا ثروة ولا كرامة ...وأية عدالة اجتماعية هي تلك التي حققتها مثل هذه الأنظمة ،بل ما هي مصلحة الجماهير في مثل هذا التعاقد الذي وضع كرامة الإنسان تحت البساطير.
هكذا يخرج القوميون عن المنطق ثانية يخلطون الشرعي بغير الشرعي ويشبهون الانتخاب بالتوريث، ويصرون على تجاهل المآسي التي نتجت عن خطاياهم الفاحشة ...فهل بهذه الطريقة يمكن لهم نشر رسالتهم بعد اندحارها .
