خيم السكون على الكون، ورحت الشمس إلى مأواها الخالد ، ولكن بعدما أودعت الوجود للقمر ؛ ليقوم على حراسته – فى غيابها- من المجهول، وهطلت أستار الليل تغطى الوجود ، وتحجب عنه الرؤيا . وغادرت الضوارى إلى أماكنها بعدما كلت طوال النهار ، وانتشرت النجوم تغطى وجهه السماء ، وتمنحه روعه المنظر ، وجمال الزينة كثوب أمراه غطته الأحجار الكريمة فأذدانت تألقاً وإبهارأً . وابتلع الظلام الموجودات حتى لم يعد يبدو منها –على ضوء القمر- سوى أشباح خافته . انعكست صورتى – تحت ضوء القمر – على صفحه النهر الخالد كمصور فوتوغرافى مبدع يبتغى صوره تمنحه الخلود الأبدى ، وتحجز له مقعداً دائماً على سفينة التاريخ العتيقة . توقفت بلا حراك وكأننى أساعد النهر على التقاط الصورة . كان ضوء القمر قد حول صفحه الماء إلى ذهب منثور يشع جمالاً وبهاءاً، كحلى أمراه جميله وقد تنافست لآلاء ها مع جمالها وقد ارتضيا اقتسام فتنتها فمنحتهم إياه بالعدل والإنصاف عن طيب خاطر . ومن حولى تراقصت الأشجار فى خفه ودلال ، وتمايلت فى أغراء واضح ، وكأنها تنادى علىّ بعدما استكثرت استئثار النهر بصورتى فرغبت فى صوره مماثله . وصدر منها حفيف حزين بعدما ملت من طول انتظار ، وعذاب شوق ، فراعنى ما كان من أمرها ، وأودعتها بضعه ابتسامات صافيه . لم أكن أدرى كم الساعة ؟ لعلها بعد منتصف الليل بقليل . ولماذا الساعة ؟! وهل فى العالم لحظات أروع مما أنا فيه ؟ََ !! غريبة تلك السعادة . أنها تسيطر عليك ، وتصعد بك إلى أعالي الوجود ، وتقّطر على فؤادك شهى العسل ، ورحيق زهر ، وشذى عطر الياسمين حتى تخال نفسك قد ملكت الوجود ، وأزللت ناصية الكون ، ودانت لك الآمال . حتى إذا مددت يدك لتمسك بها أحسست ثقلأً فى يدك ، وتمرداً من جانبها ! وعبثاً تحاول من جديد فإذا بها تفلت من بين أصابعك ، وتنطلق فى توده مبتعدة عنك ، رافضه فى إذعان لتوسلاتك الملتاعة ، وأنينك الذى أورثتك إياه .
حينئذ لا يبقى لك سوى تلال الحسرة ، وجبال الوهن فلا أنت قادر عانى الإمساك بها ، ولا أنت قادر على نسيانها .
لا أدرى لماذا جالت بخاطرى كل هذه الأفكار ؟
بل أجهل سبب خروجى فى مثل هذا الوقت المتأخر !
ولماذا أبحث عن تسويغ لخروجى ؟
لماذا أربط نفسى بالواقع من جديد ؟
هل هو استلذاذ الألم أم استكثار ما أشعر به من سعادة ونشوى ؟! لا أدرى
هكذا قلت لعقلى بعدما كثرت تساؤلاته العابثة . حنقت عليه بشده فلطالما أورثني الآلام وقادنى إلى المجهول . عقلى عقلى عقلى . آله متحركة ومطرقة عنيفة ، وزيت ملتهب يتقاطر على وجدانى فيحرقه بلا توقف . ومن جديد عدت إلى رشدى . عقارب الساعة تنطلق بلا هوادة كجواد فقد فارسه فى حرب شعواء فأنطلق يقطع فيافى الأرض لا يلوى على شئ وقد بلغ به الحنق مبلغه . ولكن
غريبة تلك الكلمات : الشرف ، الأمانة ، الاستقامة ، التدين ، الحق ، التراث
وأغرب منها تلك الكلمات : الخيانة ، الفهلوة ، مشى حالك ، شوف نفسك ، شيلنى وأشيلنك ، كلها والعه ، دواد أستك ، بيلعب بالبيضة والحجر .
أى قائمه تدفع بميزان المدفوعات إلى السماء وأيهما يدفع بها إلى السماء أيضاً ؟ وعندما فرغت من هذه التساؤلات كانت الشمس تتهادى فى مشرقها ، والقمر يودع الموجودات فى موكبه الأبدى الخالد
تحياتي لجميع الاعضاء

وليد حسن

القاهرة