(( أتحبين المطر..؟!!))
- أمازلت تحبين.. المطر!!؟
سألها, وعيناه تتفرسان بوجهها الصبوح الذي تألق توهجا, بانسياب ضوء النهار الخجل المتدثر بالغيوم وهو يطل من نافذة الصالة.. وحبات المطر تنقر زجاج النافذة برقة, ففتحت أبواب ذاكرتها الموصدة, على مصراعيها ..
صدى ضحكاتهما يلعلع بموج الفرح الغامر الذي توج فرحتهما حين أعلنت خطبتهما رسميا.
أحبت خاتم خطوبتها بالرغم من بساطته..
أحبت كل أشيائه الصغيرة..
احتفظت ببعض أعقاب سجائره وهي ترفعها خلسة لئلا تراها والدتها..
فتظنها جنت!!
تخيلته بكل الأماكن..!!
.. هنا..
كان يحتسي فنجان قهوته ..
فرسمت تحت قاعدة الفنجان وردة صغيرة بطلاء الأظافر, كي تحتسي قهوتها بنفس الفنجان حين يذهب..
.. وهنا..
على هذا الكرسي جلس, فتجلس على الكرسي المواجه, تتخيل ملامح وجهه, تستجير بذكريات أحاديثهما الهامسة المشحونة بالحب, وحمرة وردية تكتسي قسمات وجهها, الجميل.
وكم من ليلة سهرت بنفس المكان الذي يجمعهما دوما تناجي القمر والنجوم تسألها عنه, وزهرات الحديقة تشهد على وريقاتها التي كانت تقطفها ورقة بعد أخرى وهي تسألها..!!
يحبني.. كلا..!!
وعيناه وغابتا الحزن الساكنة فيهما..
وآه منهما..
تلاحقانها أينما أدارت رأسها, وتسأل نفسها عن سر ذاك الأسى الذي بات يحيرها..
من أين أتى بكل هذا الحزن؟!!.
أكان ذاك الشتاء قارصا..؟ وهما يجلسان تحت المظلة, تلتهم عيناهما انهمار المطر وزخاته تتراقص فرحا بهما, يوم سألها, هامسا.. ويده الدافئة تمسك يدها..
- أتحبين المطر حبيبتي؟!!.
تورد خداها, وكلماته تنساب على روحها موسيقى رقيقة عذبة, راقصت قلبها المشحون بنشوة الحب على أنغام شغاف فؤادها الخافق بقوة, فتجيبه مسحورة بحلاوة اللحظة , وسحر وجوده :
- أحب المطر!!.أعشقه.. أحسه يأخذني من عالمي.. ومعك أصبح عالمي كله مطرا..!!
وذاك الدفء, الذي كان يغمرهما..
كم كان حميما..
كم كان شاعريا..
لكنه أبى أن يستمر..
سافر وتركها..
ورسالة جافة تصلها منه بعد أن غادر, يعتذر بكل قسوة , إنه لم يستطع مواجهتها, وأنه سيعود يوما لها, بعد أن تنتهي مدة عقد عمله, وإنها تستطيع أن تفسخ الخطوبة..
إن شاءت عدم الانتظار!!
اسودت الدنيا بعينيها..
وأظلمت..
وإحساس بالغبن والغدر ملأ كيانها, لتعيش بعدها صدمة, لم تستطع تجاوزها, ووخز يوجعها كسكين, وأد أحلامها الوردية..
وسؤال يراود ذهنها أرادت أن تسأله إياه, ألف مرة:
- أكان لابد من أن تتركني بلا عذر.. دون أن تودعني؟!
أعاد سؤاله بإلحاح..وحبيبات المطر تنهمر على وجهه وهو مازال على عتبة الباب:
- أما زلت تحبين المطر.. ؟!!
تنهدت طويلا..
نظرت إلى وجهه الوسيم المبتل بالمطر..
كانت ملامحه لم تزل تلك الملامح التي أحبتها..
وكأنه لم يغب عنها يوما..
حنونا يشرق أملا..
لم يتغير!!
وبدا لها كما لو أن لون المطر أصبح ورديا..
كما لو أن الزمن كان متوقفا..
ارتبكت .. وغمر صوتها شجن شجي وهي تجيبه:
- كنت أغلق النوافذ.. وأسدل الستائر.. حين تمطر.. بعدك.