أولاد حارتنا تصدر عن دار الهلال ضد رغبة كاتبها:
الدقاق: أتحمل المسئولية كاملة والرواية ملك للشعب وليس لمحفوظ!محمد شعير
نجيب محفوظ غاضب!
مرات قليلة لجأ فيها إلي القضاء، بحكم تركيبته الشخصية، وسلوكه الهادئ اختار دائما أن يواجه العواصف بطريقته الخاصة!
الأسبوع الماضي أرسل محاميه الخاص أحمد عوضين إنذارا إلي دار الهلال لوقف طبع رواية (أولاد حارتنا) بعد أن أعلنت دار الهلال أنها تجهز للقارئ في سلسلة روايات الهلال في منتصف يناير (مفاجأة كبري ..وأهم حدث أدبي في العام الجديد)!
ورغم حرص الدار علي أن يكون الأمر سرا ومفاجئا للجميع بمن فيهم محفوظ نفسه، إلا أن مجدي الدقاق رئيس تحرير الهلال خرج في أحد البرامج التلفزيونية ليعلن أن المفاجأة هي (أولاد حارتنا).بل إنه دفع بها إلي المطبعة وجهز غلافها واستخدم اللوحات التي نشرتها الأهرام أثناء النشر الأول للرواية في نهاية الخمسينيات. محفوظ الذي يعتبر أولاد حارتنا حالة خاصة جدا، يصر علي موافقة الأزهر قبل طبعها في مصر، وكما قال لأخبار الأدب ، احتراما لاتفاق (جينتلمان) بينه وبين حسن صبري الخولي الممثل الشخصي للرئيس جمال عبد الناصر بعد نشر الرواية مسلسلة في الأهرام. الخولي طلب من محفوظ الالتزام بعدم طبع الرواية في مصر حتي لا يغضب الأزهر ... مع السماح بطباعتها في الخارج وعدم صدور قرار بمصادرتها. وهو الأمر الذي التزم به محفوظ حتي الآن. ومن هنا كان لجوئه إلي محاميه لوقف الطبع.
مناخ الحرية!
كيف جاءت الفكرة إلي مجدي الدقاق رئيس تحرير الهلال ولماذا الإصرار علي نشر الرواية رغم رفض محفوظ؟ هل ثمة ضوء اخضر من السلطة السياسة لنشر الرواية؟ كل هذه الأسئلة في حاجة إلي إجابة طرحناها علي الدقاق الذي أجاب: بعد نجاح العدد الخاص الذي أصدرناه من الهلال عن نجيب محفوظ، فكرنا أن تكون (أولاد حارتنا) هديتنا الخاصة لمحفوظ وللقراء. وخصوصا أن رسالة الرئيس مبارك التي اختص بها الهلال أكدت علي حرية الإبداع، وعلي حق كل مبدع في أن يقول رأيه بصراحة. لماذا إذن لا أستفيد من هذا المناخ لإصدار (أولاد حارتنا) بعد سنوات طويلة من منعها.
سألته :ولكن نجيب محفوظ يؤكد طوال الوقت ضرورة الحصول علي موافقة الأزهر قبل الطبع وأن يكتب لها المقدمة عالم مثل أحمد كمال أبوالمجد... وكان قد طرح من قبل أسماء خالد محمد خالد أو محمد الغزالي لكتابة المقدمة.. هل ستسعي إلي أن تنفذ شروط محفوظ؟
أرفض أن أخذ موافقة أية جهة لنشر الأدب. الإبداع لا يتطلب موافقات سياسية أو دينية أو حزبية.
ولكن ما يتردد أنك أخذت موافقة جهات عليا قبل الإقدام علي هذه الخطوة، وقيل أن رئاسة الجمهورية أعطتك الضوء الأخضر لنشر الرواية مع تعهدها بأن الأزهر لن يتدخل؟
هذا الكلام غير صحيح ، أنا استفيد فقط من المناخ الديمقراطي الموجود في مصر. وأرفض الحصول علي أي ضوء أخضر أو أحمر من أية جهة سياسية أو دينية أو حزبية. لا توجد لدي مرجعية دينية أو سياسية أعود إليها عند نشر الإبداع، وليس من حق أحد أن يحتكر حق الإبداع والنشر.
ولكن نجيب محفوظ نفسه يرفض النشر بدون أن تتحقق شروطه التزاما منه بوعد قطعه علي نفسه منذ الستينيات مع أحمد صبري الخولي المبعوث الشخصي للرئيس جمال عبد الناصر؟
(أولاد حارتنا) لم تعد ملكا خاصا لنجيب محفوظ. ومن غير المقبول أن تظل الرواية ممنوعة في مصر تحت أية حجة أو سبب ، أو أن يتم طباعتها في بيروت ثم تصور وتباع علي الأرصفة في مصر. ومن العار ألا تتجرأ مؤسسة مصرية علي طباعتها. هذه أول محاولة لنشر الرواية في مصر في كتاب، سبق نشرها في شكل ملحق في جريدتي الأهالي والمساء، وكلها محاولات مشكورة. وقد رأينا في دار الهلال أن نشر الرواية من حقوق القارئ علينا، وأيضا من حق مصر كدولة أن تصدر كل الكتب الممنوعة. ليس من المقبول ونحن في القرن الحادي والعشرين أن يكون هناك نوع من المصادرة لأي إبداع . فقررت أن أتحمل المسئولية بجرأة كبداية لنشر كل الكتب الممنوعة والمصادرة، اتساقا مع الحديث الدائم في الوسط الثقافي عن حرية الإبداع، واتساقا مع المناخ الديمقراطي الموجود في البلد. فليس من المقبول أن تكون انتخابات رئاسة الجمهورية بين أكثر من مرشح، وأن تمنع رواية أو فيلم أو أغنية.
ولكن ما يتردد أنه تم وقف طبع الرواية بعد أن أرسل محامي نجيب محفوظ إنذارا إليكم؟
ليس صحيحا ولم نوقف الطباعة.
إذن ستصدر الرواية في موعدها الذي أعلنت عنه في منتصف هذا الشهر؟
أتمني ذلك.
التمني هنا معناه أن هناك مشكلات خاصة تواجهها ..لم تؤكد علي موعد الصدور؟
ربما عطلات الأعياد تعوق نشرها في الموعد، ولكنها ستصدر.
حتي مع إصرار نجيب محفوظ علي عدم النشر؟
هذا حقه، ولكني أري أن الإبداع بعد مرور هذه السنوات علي نشره يصبح ملكا للشعب وليس للشخص. إبداع نجيب محفوظ مثل أم كلثوم ليس ملكا له وحده وإنما ملك للجميع.
ولكن ماذا لو لجأ إلي القضاء للحصول علي حقوقه وأبسطها احترام رغبته في عدم النشر؟
أنا لا أفهم في الشئون القانونية. وإنما أتخذ موقفا فكريا وسياسيا لكسر حاجز الخوف لدي المبدعين والناشرين وتأكيدا علي حرية الإبداع، وإيمانا بحق القارئ المصري في أن يقرأ بلا وصاية من أحد، وإيمانا أيضا بدور مصر كمركز إشعاع حضاري وفكري . ومن هنا يجب أن نتصدي لكل محاولات المصادرة والحصار ولذلك يجب أن نبادر بإصدار كل الكتب الممنوعة والمصادرة. وسأتحمل من خلال منصبي كرئيس تحرير لمجلة الهلال ومسئوليتي عن روايات الهلال كافة النتائج المترتبة علي هذا النشر. ولن أسكت إلا بعد أن تنشر دار الهلال كل الأعمال الممنوعة والمصادرة في مصر وهذا قدرنا ككتاب، وقدر مصر أيضا.
ولكن أين حقوق نجيب محفوظ نفسه الذي يرفض نشر الرواية بهذا الشكل؟
من حق الكتاب أن يوافقوا علي نشر أعمالهم. ولكن (أولاد حارتنا) لها وضع خاص . سننشرها لأسباب(فكرية). هذه الأسباب أكبر من فكرة حقوق الكاتب والنشر وموافقته.
وهل سيتم دفع الحقوق المالية لنجيب محفوظ؟
أنا صحفي ليس لي دخل بهذه الأمور، وأتمني أن يتم التفاوض بين المؤسسة وبين محفوظ .
أخيرا ألا تعتقد أن هذا اعتداء علي الحقوق الملكية لكاتب كبير بحجم نجيب محفوظ؟
لا أظن، فمحفوظ سيكون سعيدا جدا بنشر الرواية ولن تهمه الأمور المادية أوغيرها. فنحن في معركة نؤكد فيها حرية الإبداع والصحافة في مصر. وكما قلت مستعد أن اتحمل كافة النتائج التي ستترتب علي هذا النشر.ولست اقل من نجيب محفوظ نفسه. ومن سيتصدي لنشر الرواية من أي تيار سيكشف عن عدائه لحرية الفكر والإبداع.
هل هي مناورة؟
انتهي كلام مجدي الدقاق الذي يضعنا بإزاء قضية شائكة ملتبسة بين حرية الإبداع والنشر وبين الحقوق المالية والأدبية للكاتب. هل يمكن أن نعتبر نشر رواية أصبحت جزءا من تاريخ الإنسانية ضد رغبة مؤلفها ( اعتداء)جديدا عليه وعلي ناشره الأصلي؟
وهل سيجرؤ أحد من المثقفين علي إدانة نشر الرواية التي ظلت ممنوعة لأكثر من أربعين عاما في مصر ولا يتعرض لاتهام بأنه ضد (حرية )الإبداع ...بينما لن نلتفت إلي شئ آخر هوحق المؤلف أو المبدع نفسه في تحديد زمان ومكان نشر عمله؟
باختصار السؤال الأهم هو: هل يبحث رئيس تحرير روايات الهلال عن (بطولة) علي حساب نجيب محفوظ...سواء أنجح في نشر الرواية أو فشل في ذلك؟ وخاصة انه سيتحمل كما يقول ما سينتج عن النشر؟
وخاصة مع تلميح البعض أن الأمر كله مجرد (لعبة سياسية) أو بالونة اختبار لموقف الإخوان المسلمين من الإبداع واستفزازهم للتحرك ضد نشر الرواية سواء إظهار وجههم الحقيقي أمام المجتمع الدولي، أو إحراجهم أمام المثقفين وخاصة بعد زيارة عبد المنعم أبوالفتوح عضو مكتب الإرشاد لمحفوظ منذ أسابيع وتأكيده علي عدم الاعتراض علي نشر الرواية!!
والناشر يرفض التعليق
دار الشروق طرف آخر في القضية بعد أن اشترت حقوق نشر أعمال محفوظ نفسه منذ شهور قليلة (من المتوقع أن تصدر دفعة أولي من الأعمال خلال أيام) المهندس إبراهيم المعلم صاحب الدار تحدث إلي محفوظ وقت التعاقد لنشر (أولاد حارتنا) فوافق محفوظ علي نشرها مشترطا أن تتصدرها مقدمة يكتبها المفكر الإسلامي أحمد كمال أبوالمجد، أما شرطه الثاني فهو الحصول علي موافقة الأزهر قبل النشر. ولم يعارض كمال أبوالمجد في كتابة مقدمة للرواية، كما تجري الآن محاولات للحصول علي موافقة الأزهر. ومع ذلك فعندما اتصلنا بالمعلم قال إنه يرفض التعليق الآن،ولكن بدأت الدار من خلال المحامي الخاص بها حسام لطفي في إتخاذ الإجراءات القانونية لوقف النشر!
نبوءة محفوظ
(كنت أول من اتخذ الكتابة حرفة رغم ما جرته علي من متاعب )!
هكذا كتب نجيب محفوظ في تصديره لرواية أولاد حارتنا، وكأنها نبوءة. جرته فيما بعد إلي مشكلات لا حصر لها ، فمن إساءة تأويل ما جاء فيها دفعت شاب لا يقرأ يخرج حاملا سكينا ليغرسها في عنق محفوظ إلي أن وصل الأمر إلي نشرها ضد رغبته وبدون الالتزام بشروطه! ولماذا لا يكون احترام رغبة محفوظ جزءا من المناخ الديمقراطي في مصر الذي يتحدث عنه مجدي الدقاق ؟!!
علينا أن نحلم مع نجيب محفوظ بأن (تمضي الحياة في الحديقة والناي والغناء)كما يقول أدهم في أولاد حارتنا
