ثورة كتاب الديوان للعقاد والمازني:

الهجوم الأول والأعنف علي شوقي احمد حسين الطماوي


صدرت ثلاثة كتب في العقد الثالث من القرن العشرين أثارت جدلا علميا، ونقاشا ادبيا واحدثت دويا في الافاق مازالت تتردد اصداؤه وهي 'الديوان' 1921 للعقاد والمازني، و'الاسلام وأصول الحكم' 1925 لعلي عبدالرازق و'في الشعر الجاهلي' 1926 لطه حسين.. واذا كان الكتابان الاخيران اثارا اهتمام الطبقة المثقفة والطبقة الدينية، فإن الديوان 'شحذ انتباه المجتمع الادبي لانه تعرض لاحمد شوقي الامير المتربع علي عرش الشعر العربي، والذي اينما حط اقيمت له الاحتفالات الكبري فمن يكون صاحب هذا الكتاب الذي يزعزع مكانة شوقي ويهز مقولات مستقرة بأفكار نقدية جديدة تميل بالشعر عن طريقه المألوف؟ من هنا استطار صيت الكتاب وتلقفته الايدي ودوي في الاسماع.
وقد تأمل العقاد في هذا الكتاب شعر احمد شوقي واطال فيه التأمل والتلفت وبين مافيه من تفكك عند حديثه عن الوحدة العضوية ومافيه من مغالاة وشطط عند كلامه عن الاحالة، وندد بما ورد فيه من معان وكلام مبتذل وتشبيهات خاطئة، وتكلف وتعمل، وتقليد للقدماء وسرقات من معانيهم والفاظهم وانتقد انشغال شوقي بالتشبيهات الحسية عن لباب الحقائق، واحاسيس النفوس، ومتابعته للمناسبات، والنظم فيها دون شعور صادق ينساب في التعبير. وقد صحبت اقوال العقاد اشعار شوقي التي اتخذ منها الدليل والمثال علي مايذهب اليه، فكان لتطبيقاته اكبر الاثر في التأثير والاقناع.
والنزعة النقدية لشعر شوقي ليست هي اهم ماجاء في 'الديوان' كما يبدو للنظرة العاجلة، وانما ابرز خصائصه نزوع العقاد الي تجديد الشعر، ومانقده لشوقي الا لانه اكبر ممثل للشعراء التقليديين. وقد كتب العقاد من قبل ثلاثة مقالات عن شعر حافظ سنة 1908 في جريدة 'الدستور' ومقدمة لديوان عبدالرحمن شكري 'لآليء الأفكار' سنة 1913 واخري لديوان المازني سنة 1914 علاوة علي ثلاث مقالات كتبها في 'عكاظ' سنة 1914 ندد فيها بالشعراء الندابين الذين لاينظمون الشعر الا عندما يموت شخص مهم. وفي كل هذه الكتابات كان يهاجم الطريقة التقليدية ويبسط آراءه في ضرورة تجديد الشعر والخروج به عن مداره المعهود.
وليس العقاد اول من انتقد شوقي، فقد انتقده من قبل محمد المويلحي واحمد فؤاد 'الصاعقة' وحافظ ابراهيم والشيخ ابراهيم اليازجي، ونقد شعراء عديدون شعره منهم محمد توفيق والهراوي.. ولكن لم يبلغ واحد منهم مابلغه العقاد في 'الديوان' لانهم يهدمون فحسب اما هو فيهدم ليقيم مذهبا جديدا
وقد ابدت صحف تلك الفترة اهتماما بروح التجديد التي اشاعها العقاد في 'الديوان' وكانت اكثرها كتابة صحيفتا 'السفور' و'عكاظ' والصحيفة الاخيرة حملت علي العقاد حملة شديدة استمرت اكثر من عام، ولم تتورع عن الشتائم والمسبات مثل قولها عنه 'المعلول المسلول' الفقير في الاخلاص والأخلاق...' الي اخر الطعون التي يحاسب عليها القانون، اما السفور فقد التزمت بالحوار الادبي، وشجعت النقد النزيه، ونبذت التجريح والاسفاف، واللافت للنظر ان معظم المقالات التي وردت فيها جاءت بتوقيع مبهم مثل 'كاتب' او بالاحرف الاولي من اسماء كاتبيها مثل م.ك.ك او م.ع ونثبت علي هذه الصفحة مقالين احدهما يستحسن 'الديوان' والثاني يبدي نفورا منه.
واذا كانت هذه الكلمة انصبت علي العقاد وشوقي، فاننا في عدد قادم سنخصص حلقة كاملة عن المازني ودوره في 'الديوان' ورد عبدالرحمن شكري عليه