تحياتي

لعل من نافلة الحديث القول ان عجلة الاقتصاد في اي دولة او مكان ما لن تؤتي ثمارها المرجوة ونتائجها المئموله في ازدهار المجتمع وتطوره ماديا اذا لم تتوازن حركة دورانها مع اسباب ومسببات هذه الحركة ايجابا كانت او سلبا بمعنى ان يكون طرفي المعادلة الاقتصادية .. ( راس المال والمتفاعل معه ) .. على قدر مناسب من التفاهم في اسباب ونتائج الربح والخسارة وفق قواعد الحق والعدل المتمثلة في الشراكة او حسب مفهوم اقتبسه من قول لاحد الرؤساء العرب في محل وصفه لالية العمل وهو
" شركاء لا اجراء " .
نعم شركاء في تحريك العجلة كل حسب امكانياته المتاحه لادارتها والوصول بها الى الهدف المنشود ، لا اجراء تحت سقف المنفعه المادية البحته الخاوية من اي معنى اخر .
تماما كالمعادلة الرياضية .. 1+1 = 2 فالرقم الاول وهو صاحب راس المال والمالك والمنشئ المكون لفعل ذو توجه نفعي ربحي + الرقم الثاني وهو المحرك المنفذ لادوات ذلك الفعل وفق سياق جهدي وفكري مناسب يلتقيان ضمن تصور شامل يصهر الاثنان في تناغم يصل الى حد الامتزاج وصولا لاخراج الفعل من حيزه كفكرة او مخطوط رقمي كتابي الى منظور حقيقي ملموس يكون الثمرة النهائية .
وهو ما يوجب بالضرورة ايضا على كل طرف من طرفي هذه المعادلة جملة من الواجبات والالتزامات الاخلاقية والانسانية والمعنوية قبل المادية والحسية لضمان سلاسة وسهولة سير هذه الحركة والحفاظ عليها من اي مؤثر ينحرف بها عن هدفها المنشود .. ولعل اهمها الاحترام ومرعاة الحقوق والالتزام واخيرا وليس اخرا الشعور بالمسؤولية الاخلاقية والمهنية بين الطرفين مع ما يرافق تلك المبادئ من معطيات اخلاقية اضافية كالامانه ، الصدق ، الوفاء الى غير ذلك مما يجب ان يكون بين اطراف الشراكةوصولا الى قناعة الطرفان .. المالك والمنتفع .. بالنتيجة النهائية.
وعليه فاخلال اي طرف بما يترتب علية من تلك الالتزامات يسقط الطرف الاخر وبالتالي المعادلة برمتها وينهيها ومن ثم نشوء علاقه بديلة اقل ما توصف به بانها علاقه شيطانية سيئة استغلالية .
وذلك ما حرصت كل الشرائع السماوية السمحاء وخصوصا الاسلام على الابتعاد عنه في جملة من الاوامر والنواهي التي انزلها الله تعالى لحماية اسس تلك العلاقة في كل جوانبها ولعل من اهمها تحريم الربا في المال المتداول والغش في التعامل ونقض المواعيد المتفق عليها الى الية حفظ المال عن طريق الزكاة ، الصدقة ، الى اخر القائمة المعنية في مفردات الاقتصاد التي عزز حمايتها الرسول صلى الله عليه وسلم في احاديثه وسنته .. وهو للاسف ما نعيش ونعايش عكسه تماما في ايامنا السوداء هذه فقد تحولت تلك العلاقة بين ارباب الاعمال ومشاركيهم من موظفين و عمال وكسبة بل وحتى المنتفعين وعلى كافه الصعد والمستويات الى ما يشبه علاقة مجرم بضحيه او لص بطريده .. او عبد بسيد
فكلا الطرفين متربص بالاخر وينتظر الفرصه للانقضاض اوالنيل من الطرف الثاني والحصول على اكبر قدر من الربح مع اقل الخسائر الممكنه دون وازع اخلاقي او رادع انساني او مسؤوليه الى ما تؤول اليه النتائج في هذا الصراع المادي .. ولعل اوضح صورة لهذا النزاع تتجلى في نظام الفوضى المنظمة او ما اتفق عليه زورا السوق الحر .
فهذا النظام يقوم على اساس ان كل شيئ ، يخضع لقانون العرض والطلب ومن ثم دخوله دائرة مبدا التقييم .. ( اي كم يساوي وفقا لمعايير مادية خاصه لا دخل للاخلاق فيها ) .. ولا يستثنى من ذلك العاملون على النظام من موظفين ، كبارا كانوا او صغارا وروساء الشركات واصحاب الاموال مرورا بمهرة العاملين والحرفيين بل وحتى السياسين .. الجميع يباع ويشترى كأي سلعه او بضاعة بل ان بعضهم له تاريخ صلاحيه يقيم على اساسه لذا فمن الطبيعي وسط هذا النظام الافعواني ان ينشأ جو متوتر غير مستقر وظيفيا يدفع جميع المتعاملين فيه الى معادلة اخرى غير تلك المتوازنه .. ( على الاقل للمحافظة على عنقه كما يقولون ) .. معادله اجراميه تدعى الغاية تبرر الوسلية .. والغاية هنا المال او الوظيفة او العموله او ايا من لائحة الماديات سواء مشروعه او غير مشروعه فلتكن اذن الوسليه للوصول الى هذا الهدف او ذاك غير مشموله او مؤمنه بغطاء اخلاقي او انساني ولن يمنع ان تكون شيطانيه ، اجراميه لا اخلاقيه وربما تدميرية في كثير من الاحايين .. ( كما يفعل طواغيتهم حين يتخلصون من اطنان الغلال و المزروعات بالقائها في البحر او اتلافها للابقاء على اسعارها فيما ملايين البشر في اماكن عديده لايجدون ما يقتاتون عليه ) .
وعليه ووفقا لتلك الصورة السوداء اضحت العلاقة الجديدة تخلو من اي رابط اللهم الا المنفعي فلا وجود لعاطفه او خلق او دين او مبدا او قيمه او صله انسانية او شعور بمسؤوليه .. كل شيئ منزوع من هذه العلاقه الا مفردتي الربح والخسارة فان لم يحقق الربح المتوقع .. ( في كثير من الاحيان هذه العبارة تعني تحقيق ربح ما مقداره 300 % والا فهي الخسارة ) .. فلا اسعار معقولة ، ولا زيادات ولا مميزات ولا علاوات او تأمين صحي او اجتماعي ولا حقوق بل ولا حتى احترام لادمية الطرف الاخر واذا استلزم الامر التضحيه به وطرده من العمل فلا باس فمن اجل الرب الاعلى كل شيئ يهون .. وهذا ما حدث بالفعل ولا زال يحدث من قبل الشركات وارباب الاعمال في الازمة الاخيره وللاسف ممن يدعى الى الاسلام ايضا ..
ولعل مما زاد الطين بله انجرار السياسية وانغماس متعاطيها في اتون هذا المستنقع الاسن وبسط شرعيتها عليه بل وحمايتها وتشجيعها التعامل به ومعه تحت مسميات مختلفه وعناوين شتى كالاستثمار والخصخصه والعولمة والاقتصاد الحر والشراكة الاقتصادية الى غير ذلك من مجالات الفساد والافساد الاقتصادي مما فتح الباب على مصراعيه للمتعاملين بهذا النظام للوصول الى مديات اوسع في اجرامهم الى الحد الذي وصلت فيه فضائح وفضائع هذه السياسات حدا اكبر من ان تخفى او يدارى عليها حتى انفجرت قبل ما يقارب العام ممثلة بالانهيار الكبير والشامل والذي لا يزال مستمرا .. وهي كنتيجة تعتبر طبيعية لاولئك الذين اعتمدوا طرق ومسالك اقتصادية خاطئة ان لم نقل اجرامية لصوصية لارضاء شهوة الجشع التي تتملكهم .
ولعل من النتائج الكارثية التدميرية لتلك السياسات على مجتمعاتنا خلال العشرون عاما الماضية ان نشرت الفقر بين فئات واسعه من المواطنين بل وحولت البقية الى كائنات مستهلكة بعد كانت شرائح منها منتجه ومحت ما كان يعرف بالطبقة المتوسطه واحلت بدلا عنها طبقة من اللصوص والافاقين والمجرمين والطفيليين الاثرياء الذين لا يزالون يمتصون دماء وعرق المساكين والبسطاء بجشع منقطع النظير فلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم .
خاتمة القول .. ان ما يجب ان يعيه المتعاملين بالجانب الاقتصادي اي كان نوعه او حجمه حقيقة مهمة تتمثل بالمقولة الاخلاقية الشهيرة .. ما بني على باطل فهو باطل و لا يصح الا الصحيح وان النظريات والسلوكيات التي ينتهجها الغرب اجمالا لايمكن ان تخلو من خطأ اخلاقي او انساني يضر بالاخرين فمن غير المعقول او المنطقي ان من يبدا بمشروع او عمل اقتصادي قائم على مال يشوبه الربا ان ينتهي الى وضع صحيح مئة بالمئه سواء في عمله او نفسه او اهله وان كان بعد حين . ولنعي جميعا قول الحق في كتابه العزيز ..


والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت ايمانهم فهم فيه سواء افبنعمة الله يجحدون ..

احترامي