المشاركة الأصلية كتبت بواسطة يوسف أبوسالم
جميلة الكبسي
مساؤك سرب حمام
ولون الضياء به
هو مسك الختام
قصيدة جميلة في أول إطلالة شعرية لك
والإطلالة الشعرية الأولى سيف ذو حدين
فهي تشكل الإنطباع الأول
فإما أن يكون انطباعا ممتازا ويبقى هذا الإنطباع متغلغلا في العمق والوجدان وإما أن تكون وبالا على صاحبها
وقد مرّ بنا بعض مدعي الشعر الذين شكلت إطلالتهم الأولى وبالا عليهم
أما أنت يا جميلة
فقد كانت إطلالتك جميلة مبهرة بامتياز فنحن هنا أمام شاعرة بحق تقول الشعر مطبوعا ولا تدعيه
متمكنة من لغتها بصور رائعة
متمكنة من بحور الشعر أيضا بشكل لافت
وهذا يعني أننا مع شاعرة متمرسة
ولا بد أنها أبدعت إنتاجا غزيرا قبل هذه القصيدة
كانت أنغام البحر الكامل تتلألأ على حواشي القصيدة
وتنتقل من معنى إلى آخر برشاقة
لم يفلت السياق العام للفكرة من الشاعرة
بل ظل يتنامى مع نمو وتصاعد فكرة القصيدة
والتي تجلت حقا حين اعتبرت أن الحب قدر وعلى المحبين العناية بحفظه
قدرٌ هواكَ وقد عُنِيْـتُ بحفظـهِ
وكانت الجملة الشعرية
قدرٌ هواك محلقة في آفاق الأفاق
تعبير مختصر بليغ
يصلح لأن يكون حكمة على مدار الأجيال
كما لفتني تعبير رائع هو
في ظل أمْنِكَ
الأمن والأمان هما ظلال الحب وهما اللذان يعمقان مفهومه حقا فالحب إن لم يمنح الأمان لصاحبه أو أطرافه لا قيمة له
يعجبني الشاعر أو الشاعرة التي تتقن اختيار قوافيها
فاختيار النون الممدودة اختيار ممتاز للبحر الكامل
ففي هذا المد تعطي مجالا لطول النفس وانتهاءات منغمات لنهايات الأبيات
على أنني لن أنسى الإشارة للثنائيات الجدلية في القصيدة وهي لم تأت جزافا
مثل جدلية العلاقة بين
عاصرت والأزمان
أسقي والظما
الحيرة واليقين
الهدوء والراحة والحب والأمان
وبعد
سأختم بتخلل هذه الصورة المبدعة وهي
ودنوتَ مني ذاتَ يـوم تستقـي
مـن راحـــــــــتـيّ بلــــهفـةٍ ظمـآنـا
وتلعثمتْ شفتاكَ من حرّ اللظـى
فالصدقُ وحـيّ مرهـقٌ أحيانـا
وسألتني : كيف السبيـلَ لهـدأةٍ
فأجبتُ : صارَ الحبُ فيكَ أمانـا
تشكل هذه الأبيات بمجموعها صورة خلابة عميقة للغاية..لنستعرض معا هذه الصورة
لحظة اقتراب الظامىء العاشق ليستقي الحب من بين يدي محبوبته
المفروض أنه شرب وارتوى وسعد بذلك
ولكن لأنه صادق في حبه ولطول لوعته ولهفته
فما إن مست شفتاه الماء ويدي محبوبته
حتى أحرقه اللظى فتلعثمت شفتاه ...!!!
أحرقته النار المشتعلة فيهما لأنها صادقة في اشتعالها
وهو صادق في عطشه ولهفته
ومن ثم تطير بنا الشاعرة محلقة في معنى جميل للغاية
وهو أن هذا الصدق هو وحي مرهق أحيانا
الصدق ليس أمرا سهلا وهو يجعل صاحبه مكابدا ليبقى صادقا
ولأنه صادق أيضا وأحرقه اللظى حبا وشغفا يتساءل
متى يهدأ هذا الجمر
فتكون الإجابة عميقة
بالحب الآمن أو بالأمن في الحب
يا جميلة
لو لم تبدعي إلا هذه الصورة لكنت شاعرة حقا
ولو لم تقولي إلا كلمتين
قدرٌ هواك
لكنت شاعرة
فكيف بقصيدة مبدعة حقا كهذه
سلمت مبدعة بحق