مَقَالَةٌ
... فاقتصر لهم على ما ذكر، واختصر مخافة أن يملوه ويسأموه، إلا أنهم لم يفقهوا شيئا مما حدثهم به، وكرهوا أن يعترفوا له بقصور فهمهم، وشق عليهم أن يقروا أمامه بعجزهم عن بلوغ الغاية في الإحاطة بفحوى الذي بسطه في مجلسهم، فأنكروا عليه مقالته جهلاً منهم بحقيقتها، وخبطوا فيها بلَغوهِم خبط عشواء، ثم نعتها أحدهم بالبتراء، ووصفها ثان بالشوهاء، ووسمها الباقون بالهذيان والهراء ...
نظر إليهم مشفقاً عليهم، إذ سمع منهم ما سمع من منكر الأقوال، ونظروا إليه حاقدين حاسدين، إذ رأوه آثر الإمساك عن الكلام، ونأى بنفسه عما انغمسوا فيه من قبح، وغاصوا فيه من الأوحال ...
ظنوا بطيشهم أنهم قد أفحموه بالحجة والبرهان، وباجتماع رأيهم في مقالته قد ألزموه حدَّه وعرفوه قدره، وأيقنوا واهمين أنهم قد أحسنوا صنعاً إذ بادروه بما حسبوه دواءً شافياً له من داءٍ نسبوه إليه، وبالذي وصفوه كياً فاصلاً بين عتمته وضيائه ...

د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي

aghanime@hotmail.com