:bism:
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
هي قراءة بسيطة من شاعر ليس له خبرة بالنقد
لرائعة من روائع الشعر و هي قصيدة أخي الحبيب
الشاعر المطبوع يوسف أبو سالم ..
و القصيدة تستحق الوقوف عندها أكثر من مرة
و لهذا أرجو أن تعذروني إن شابها نقص ..
و يكفي القصيدة جمالا و روعة أنها حركتني
لأكتب عنها مع أني لم يسبق أن فتحت موضوعا من هذا النوع
و ما دفعني إلى ذلك هو روعة القصيدة و قوة مبانيها و معانيها
و صدق شاعرها و غنى ألفاظها ..
القصيدة:
مَنْ أطلَقَ المَوْجَ في سربِ العصافيـرِ
وصاحَ زُخّـي سعيـراً يا نواعيـريِ
ومِـنْ سمـاءٍ بقاسيّـونَ أقْسَـمَ أنْ
لا ينْحني النخْلُ في الفيحاءِ والجوري
ولا تُضـامُ الدمشقيـاتُ من مطــرٍ
ولا الأزاهيرُ تشكـو في القواريــرِ
ففـي دمشـقَ جُـذورٌ من كرامتنـا
فَزّتْ لهـا لُجَـجُ الحـارات والـدورِ
وفي تقاسيمهـا عَصْـفٌ و عاصفـةٌ
وبارقٌ نَـــزَّ أفْلاجـاً من النــورِ
وفي ضُحاهـا يميـدُ الفجرُ متّقِــداً
يفّتّـقُ الشمسَ من ثَغـْرِ الحواكيـرِ
وليس يحلو سوى رمّـانِ غوطتهــا
حبّـاتِ لؤلـؤٍ فـي أقـواسِ بلّــور
مسكونةٌ بصبـاحِ الخـيرِ قهوتُهــأ
وبالحَكايــا الطليــاتِ المعاطيــرِ
بالشــامِ أرواحنــا باتتْ معلقــةً
يا سِدْرةَ المنتهى طيري بنـا طيـري
هنا دمشق هنـا حمـصٌ وخالــدُها
مهنّـدٌ قُــدّ مـن سيـفِ المقاديـر
والخيل في صاهلِ الشهبـاء جامحـةٌ
فيهـا النواصـي و إيقـاعُ الحوافيـر
ثوري على الظلمِ والعدوانِ واشتعلـي
وجَنْدلـي رأسَ أبنــاءِ الخنازيــرِ
يا يوسفَ العظمَ قُمْ وارشقْ قوافلنـا
بمَيْسلونَ وبالجُنْـــدِ المغاويــرِ
صَليلُ سيف صـلاح الدّينِ منهمـرٌ
وبَرقُــهُ وَمَضـاتٌ مِـنْ أساطيـرِ
ويا هَنانو امْتشقْ ما شئتِ من شُهُبٍ
واحْصُدْ زَوانَهُـمُ بالمِنْجَلِ السـوري
داري معتقـةُ الأحـواشِ ما انكسفتْ
فيها شمـوسٌ ولا هـذرُ النوافيــر
والشامُ بيرقنـا العالـي وعِزوَتنــا
نـارٌ على علـمٍ في زنـدِ منصـورِ
مازالَ فوقَ ذُرَى القٍمَّـاتٍ يخْفٍقُــهُ
ومْضُ النجومِ وأرتـالٌ من الحُــور
ويستفـيقُ علـى أصدائــه فـلقٌ
زاهٍ يزقـزقُ في نعمائـهٍ الـدوري
قولـي لهمْ بلسانٍ غيرٍ ذي عِــوجٍ
أنَّ السديـمَ سراجُ البرزَخِ السـوري
الشاعر يوسف أبو سالم
مَنْ أطلَقَ المَوْجَ في سربِ العصافيـرِ
وصاحَ زُخّـي سعيـراً يا نواعيـريِ
ومِـنْ سمـاءٍ بقاسيّـونَ أقْسَـمَ أنْ
لا ينْحني النخْلُ في الفيحاءِ والجوري
ولا تُضـامُ الدمشقيـاتُ من مطــرٍ
ولا الأزاهيرُ تشكـو في القواريــرِ
صيحة مجلجلة ربطت بين كل كنايات الحرية و الإنطلاق
ربطا شاعريا عميقا أطلقها الشاعر تاركا لقلوبنا بل و حتى لعقولنا
البحث عن هذا الذي حرك هذا المخزون الهائل من القوة و العنفوان .
فمن يستطيع تخيل مشهد الموج في سرب من العصافير ؟؟
الموج قوة و عنفوان و العصافير حرية و انطلاق
مَنْ هنا لعبت دورا قويا في ترك معرفة على من تعود للمتلقي..
فالشاعر هنا لا يسأل و إنما يقرر و يخبر في صيغة ملؤها العنفوان
عن مجد و عظمة هيهات أن تخنع أو تخضع أو تتضعضع ..
ثم ينتقل الشاعر من الموج و العصافير إلى لهيب تطلقه النواعير
(و هذا البيت وحده كاف لنعرف أنه يقصد الشام ..)
كيف استطاع أن يجعل من انسياب الماء بين النواعير
جمرا و سعيرا يلهب كل معتد أثيم؟؟
و كل هذا دون أن نحس أن في هذا غرابةً
و إنما اطمأنت نفوسُنا للمعنى و قبلته و فهمتْه و تفاعلت معه ..
إنه الحرف حين يعرف الشاعر كيف يروضه و يخضعه لخدمة المعنى ..
و لعمري ما يستطيع فعل ذلك إلا شاعر شاعر ..
ثم ينطلق الشاعر متحررا من كل القيود و كأن الألفاظ و المعاني عجين
في يديه يعجنه كيفما يريد فينحت بها أبهى و أجمل الصور ..
فيؤكد على القسم من سماء قاسيون الذي أطلقه النخل
الذي يمثل الشموخ و التاريخ
ليعلم الناس جميعا أنه لا و لن ينحني في الفيحاء و الجوري ..
و ما هذه الاسماء للمناطق و المدن إلا أمثلة للأرض كل الأرض
العربية و لا يقصد بها الشاعر الحصر .
ثم ينتقل إلى عزة و مجد الدمشقيات و بأنهن لا و لن يضمن..
و لا حظ معي هنا المقابلة اللطيفة التي أرى أنها عفوية غير مقصودة من الشاعر و ذلك بالمقابلة بين الدمشقيات و الأزاهير و هو تشبيه عفوي لطيف لا يكاد يتأتى إلا لشاعر مطبوع .
ثم لاحظ معي أخي القارئ في ما سبق من أبيات المقابلة و المطابقة
بين السماء و الأرض .. و كأن بينهما علاقة ود و حب و تعاون:
فالعصافير قابلتها النواعير
و سماء قاسيون قابلها النخل
و الدمشقيات و المطر الذي ينزل من السماء قابلته الأزاهير التي في القوارير .
و كل ما تقدم أتى به الشاعر في قالب عذب فتان و إيقاع مطرب قوي
يحرك المشاعر و العواطف و يربكها و يجبرها على الوقوف مسمّرة
في انتظار ما تجود به بقية الابيات ..
ففـي دمشـقَ جُـذورٌ من كرامتنـا
فَزّتْ لهـا لُجَـجُ الحـارات والـدورِ
وفي تقاسيمهـا عَصْـفٌ و عاصفـةٌ
وبارقٌ نَـــزَّ أفْلاجـاً من النــورِ
وفي ضُحاهـا يميـدُ الفجرُ متّقِــداً
يفّتّـقُ الشمسَ من ثَغـْرِ الحواكيـرِ
وليس يحلو سوى رمّـانِ غوطتهــا
حبّـاتِ لؤلـؤٍ فـي أقـواسِ بلّــور
مسكونةٌ بصبـاحِ الخـيرِ قهوتُهــأ
وبالحَكايــا الطليــاتِ المعاطيــرِ
و هنا تجد الشاعر و كأنه واحد من سكان الشام فعلا يعرف حاراتها
و شمسها و رياحها و رمانها و قهوتها فيمضي متجولا بنا في حاراتها
و بساتينها و مقاهيها ..
أبيات تجعل من لا يعرف الشام يتعرف عليها و كأنه زارها ..
لقد جعلتني هذه الابيات أتعرف على الشام برغم أنه لم يسبق لي
أن زرتها من قبل و جعلتني أتذوق طعم رمانها و نكهة قهوتها ..
و انظر هنا إلى التشبيه البديع للرمان بحبات اللؤلؤ و البلور ..
لكني آخذ على الشاعر هنا لجوءه إلى ضرورة شعرية مستقبحة
بل و مرفوضة عند كثير من المدارس و ذلك بمنعه صرف المنصرف في قوله:
حباتِ لؤلؤَ عوَض حباتِ لؤلؤٍ.
غير أن ما أتحفنا و أطربنا به يشفع له و لا يعيب قصيدته بأي حال.
بالشــامِ أرواحنــا باتتْ معلقــةً
يا سِدْرةَ المنتهى طيري بنـا طيـري
هذا البيت أعلق عليه منفردا لأنه تحفة فنية و تكفيه روعته
لتعلق عن نفسها إذ ليس لدي ما أضيفه لإظهار جماله ..
هنا دمشق هنـا حمـصٌ وخالــدُها
مهنّـدٌ قُــدّ مـن سيـفِ المقاديـر
والخيل في صاهلِ الشهبـاء جامحـةٌ
فيهـا النواصـي و إيقـاعُ الحوافيـر
ثوري على الظلمِ والعدوانِ واشتعلـي
وجَنْدلـي رأسَ أبنــاءِ الخنازيــرِ
يا يوسفَ العظمَ قُمْ وارشقْ قوافلنـا
بمَيْسلونَ وبالجُنْـــدِ المغاويــرِ
صَليلُ سيف صـلاح الدّينِ منهمـرٌ
وبَرقُــهُ وَمَضـاتٌ مِـنْ أساطيـرِ
ويا هَنانو امْتشقْ ما شئتِ من شُهُبٍ
واحْصُدْ زَوانَهُـمُ بالمِنْجَلِ السـوري
داري معتقـةُ الأحـواشِ ما انكسفتْ
فيها شمـوسٌ ولا هـذرُ النوافيــر
والشامُ بيرقنـا العالـي وعِزوَتنــا
نـارٌ على علـمٍ في زنـدِ منصـورِ
مازالَ فوقَ ذُرَى القٍمَّـاتٍ يخْفٍقُــهُ
ومْضُ النجومِ وأرتـالٌ من الحُــور
ويستفـيقُ علـى أصدائــه فـلقٌ
زاهٍ يزقـزقُ في نعمائـهٍ الـدوري
قولـي لهمْ بلسانٍ غيرٍ ذي عِــوجٍ
أنَّ السديـمَ سراجُ البرزَخِ السـوري
ينتقل الشاعر لاستنطاق التاريخ و استحضار الشخصيات البارزة في مسيرة عزة الامة
و جهادها و انتصاراتها و يناديها مناداة الواثق بالنصر تحريكا للهمم و الضمائر
و ليس مناداة اليائس الذي يستحضرها للبكاء على أطلالها ..
و من هنا نخرج بفائدة جليلة هي أن ثقافة الشاعر
(التي لا تتأتى إلا بالمطالعة و في كل المجالات)
تمثِّلُ مَعينًا لا ينضب لتطريز قصائده و إبداعاته و تزيينها ..
و ما زالت المطابقة و المقابلة بين السماء و الارض قائمة
في جل أبيات القصيدة بطريقة عفوية غير مقصودة ..
و ما زالت التشبيهات و الكنايات مختلفة و متنوعة و رائعة
في كل أبيات القصيدة بطريقة لا تتأتى إلا لشاعر مطبوع متمكن ..
أخي الشاعر يوسف أبو سالم
أرجو أن تعذرني على هذه القراءة السريعة التي قد تكون سطحية
و غير علمية ..
لكن عذري في ذلك أني قرأتها كشاعر ليس له باعٌ في النقد أو التحليل.
و شكرا لك على هذا الفيض الشعري المتفرد..
تحيتي و تقديري للجميع .