ما إن خرج صالح من مكتب أمانة الأمم المتحدة حتى هرع نحوه مستشاره الخاص .
- هل من مهمة جديدة هذه المرة ؟
- و هل زالت من العالم بؤر التوتر ؟ بالطبع مهمة الى إحدى دول العالم الثالث ، الذي لولاه لما إشتغلنا يوما ...
- لا تنس أننا منه ..
- كنا ، أما الآن ، فأنا شخصيا ملكني الغرب بتطوره و تقدمه ، لا تفكرني في الماضي التعيس ..
- على كل دعنا من هذا، هل تكلمت معه حول المستحقات المالية للمهمة الأخيرة ؟
- لقد أعطى تعليمات صارمة للقسم المالي للإسراع في الإجراءات ..
- ألم تعثر على ذالك البرازيلي المخادع ؟
- لقد فتشت كل طوابق الأمم المتحدة و لم أجده ، إنه لا يحضر حتى مع وفد بلده للتصويت في المجلس .
- ألم ينفذ وعده لحد الساعة ؟
- كلا ، ما زال يراوغ و يخادع و يطالب بعشرة ملايين دولار في حين أن عائد الصفقة لا يتعدى خمسين مليون دولار ..
- إعطه إياها ، و لا تطمع أكثر و لا تنس أن أسعار البن في إرتفاع مستمر
و بإمكانك أن تربح أكثر..
- على كل حال سوف أجد صيغة لتضييق الخناق عليه ،أنت تعلم بأنني مبعوث دائم للرئيس ، في حين أنه مجرد عضو وفد دولة نامية ... في الوقت الحالي يجب أن نتوجه في أسرع وقت الى البؤرة ، مخافة أن تصل قوات المعارضة الى الحكم ، عندئذ تصبح مساعينا غير ذات جدوى .
إرتفعت الطائرة فوق المدينة ، حاولت ناطحات السحاب عبثا السمو مع الأجنحة الفولاذية ، في حين تراءى تمثال الحرية قابعا في مكانه لم يتحرر
منذ سنوات ، تأمل صالح هذه المناظر بملل و رتابة ، لم يكن يتصور أن قدراته على الإقناع و التبرير ، سوف توصله الى ماهو فيه ، مفاوض دولي لا يستهان به ، كان يظن أن قدراته سوف توصله على أقصى تقدير الى مبنى
رئاسة الحكومة ببلده ، و لكنه سرعان ما إستغل منصبه كوزير خارجية ليوطد علاقاته مع أصحاب الحل و الربط في الأجهزة الدولية ، وعليه فقد أضحت طموحاته و مصالحه أكبر من أن يحققها منصب سام في بلده .
لقد كان صالح مقتنعا بأن الترقية في المناصب سواء على الصعيد المحلي
أو الدولي تحكمها نفس المبادئ ، المعارف و إستغلال الفرص ، إنه ينظر الى العالم على أساس أنه قرية صغيرة و هذا بحكم علاقاته و نفوذه .
بعد ساعتين حطت الطائرة الأممية في المطار المدني الذي تحرسه القبعات
الزرق ، وجد في إستقباله ممثل الحزب الحاكم ، بعد مجموعة من البروتوكولات المعهودة ، إجتمع حوله مجموعة من الصحافيين محاولين معرفة مضمون مهمته ، غير أن صاحبنا و بحكم معرفته و خبرته الطويلة
وقف في مواجهة الكاميرات بكل ثبات مدليا بتصريحات جوفاء ليس لها أي دلالة ، و تعمد كثرة الإبتسام لأنه يعلم بان صورته سوف تنقل عبر الأقمار الصناعية وهكذا لن تجد السلطات مشقة في العثور عليه .
في حوار ثنائي مع الرئيس حول طبيعة الأزمة التي كونت البؤرة ، لم يجد
صاحبنا أية صعوبة في كتابة تقريره ، لأن صراعات السلطة هي نفسها في دول العالم الثالث و في الأخير طلب منه مضيفه المساعدة للحصول على بعض المواد الغدائية ، فأجابه :
- إن مهمتي سياسية بالدرجة الأولى و ليست مهمة إغاثة و إذا أردت مساعدة شخصية فبإمكاني أن أنسق لك مع شركة خاصة بأمريكا و بأسعار مغرية ..
إبتسم الشاكي مبديا موافقته و إستعجاله للأمر .
- طيب ، سوف أتخد الإجراءات فور عودتي مع بعض معارفي في الشركة .

إبتسم صالح في أعماقه لأنه يدرك جيدا بأن هذه الشركة وهمية .
في اليوم الموالي توجه صالح في دبابة عسكرية نحو معسكر المعارضة
حيث إستعرض مع زعيم المتمردين وجهات النظر المختلفة ، و في حوار
حميمي عرض صاحبنا على المتمرد صفقة سلاح هامة و وافق هذا الأخير
بدون تحفظ.
بعد ثلاثة أيام غادر صالح بؤرة التوتر تاركا إياها أكثر توترا
حاملا في حقيبته الدبلوماسية تقريرا مفصلا حول الأوضاع و في مفكرته الخاصة ، صفقات بملايين الدولارات .