القاصة الأستاذة مريم الضاني
وقفت ُ على بعض مما سالت به قريحتك ِ السردية الجميلة على أديم غير هذا المكان ، وما زال يتعلق بأهداب ذاكرتي تعليق ٌ خاطف على قصتك " بائع الشراريب " .
ومن القراءة السريعة لبعض نتاجك ( بائع الشراريب وهذه القصة ) تولد لدي انطباع يقيني – واعتبره شبه نهائي - بان عنصري المفاجأة المقرونة بالسخرية تتقاطعان لتمكلان دائرة انتاجك القصصي .
وقد عزز لدي هذا التفكير ما فجرته سطور قصة الخادم من قنابل التشويق امام عيني ، والذي هو - كثمرة متوقعة - نتاج تزاوج ذينك العنصرين .
إن توجهك القصصي – بما فيه هذه القصة - لا يتسامح مع فكرة ألا يكون واقعيا ..
فهذا العمل ينتمي إلى شجرة عائلة المذهب الواقعي .. والواقعية – في أكثر تعريفاها سذاجة - مادتها المجتمع والعلاقات الانسانية بعيدا عن رومنتيكيات وردية وديكورات تجميلية .
إن قضية الأم المتسلطة – موضوع القصة - تميط اللثام لتعري حقيقة مؤلمة يئن تحت وطأتها جمهور واسع من بني البشر ، تلك الأم التي تركب مطية القسوة في تعاملها مع ابنائها .
ولقد حاولت ِ – ضمن أقصى طاقاتك – أن تحتفظي لها بوجه قبيح في قصتك ، جاهدة ً أن ننفض أيدينا من ترقب ولو شبح تبديل قد يطرأ على هذه الشخصية ، إنها المرأة التي لا يمكن ان تتغير .
********
شغفك السردي بالجمل الفعلية يجبر القاريء – أيا كان تصنيفه – أن يمارس طقوس العدو ، ذلك أن طبيعة ومضاته الخاطفة تضعه أمام خيارين :
إما الركض أو الركض !
وهذا جميل ، ويتعذر لغير قاص ماهر ان يلم به .
ولن أغادر هذه النقطة دون أن أثني على الاستخدام الذكي لتقنية الفلاش باك ، عندما يسترجع البطل – بحوار لا يخلو من لذة – ذكريات زمن يتدثر بالقسوة ، يعيش كذبة جميلة وهو يترقب يدين ستضمانه لا لتصفعانه ! .
********
اللغة والنحو
إن البناء اللغوي والفني للنص يكشف حقيقة كاتبة تتعامل مع نصها بصرامة منقطعة النظير ، كاتبة تشبع نصها تشذيبا وتنقيحا ليخرج بحلة قشيبة ، محاولة – ضمن أقصى مهاراتك ِ – أن يكون قلعة ُ حصينة ُ لا ثغرة فيه .
إلا أني أسجل – وفي حالات جد نادرة – ورود بعض الأخطاء اللغوية ومن ذلكم مثلا :
( نفذ الغاز من الاسطوانة ) والصواب نفد بالدال .
ولكن لن أنس أن أصفق لهذا الشغف الجميل والبراعة في هندسة النص وتوظيف علامات الترقيم التي تترجم الانفعالات الداخلية على الورق . خصوصا أن كثيرا من كتابنا – للأسف – يعتبرون الاهتمام بعلامات الترقيم ضربا من فضول الكلام والحشو اللامبرر .
شكرا أ.مريم – من الالف إلى الياء – لتلك الدقائق الجميلة التي جعلتنا نحلق فوق غمام الإبداع .
وبانتظار ابداع استثنائي آخر
مودتي وتقديري