المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طارق شفيق حقي
سؤالي الثاني هو:
هل تعتقد أننا نضيف غربة أخرى وندفع تكاليفها الباهظة مادياً وروحياً وجمالياً
بتغريب فن العمارة وتقليد الغرب حتى في البناء
فهذه البنايات التي ابتلينا بها في مدننا هي من أشنع ما قلدنا به الغرب
ناهيك عن ناطحات السحاب التي نفتخر أيما افتخار بها ، وتكاد تدل على الحضارة لدى البعض بكل أسف
من وجهة نظر فنان معامري وشاعر متمسك بالتراث كيف ترى أبعاد هذا التغريب في العمارة.
أخي طارق
أهلا بك
وأشكرك شكرا جزيلا على هذا السؤال
السؤال من شقين
الأول ......الغربة الأخرى بتقليد عمارة الغرب
بلا أدنى شك
نحن نرتكب بحق أنفسنا ومدننا أبشع أنواع التخريب بتقليد الغرب معماريا
وهو غربة ثانية وثالثة ورابعة ...لما لها من تأثير وأبعاد على كافة المستويات الحضرية والإنسانية والمكانية
الثاني ...أبعاد هذا التغريب
هذا تغريب عميق الجذور ..يمتد إلى كل مناحي الحياة
فإذا كانت العمارة هي المرآة التي نقرأ فيها المجتمع العربي الإسلامي
نقرأ عاداته وتقاليده وأصالته
نقرأ مستواه وتوجهاته الإقتصادية والإجتماعية
نقرأ روحه ونفسه وعلاقاته بمجتمعه وبخالقه
إذا كانت العمارة هي تلك المرآة
فأي تخريب نقترفه بحق أنفسنا ومدننا وأجيالنا
أي تشويه تكون عليه ونحن عرب ونتكلم باللغة الإنجليزية
العمارة لغة الشعوب
فأية لغة إلا العربية تعبر عنا وعن ثقافتنا وحضريتنا
حين أنشئت المدينة العربية ..لم يتم إنشاؤها عشوائيا
كانت تراعى فيها خصوصية العادات العربية وخصوصية الجوار بالنسبة لارتفاع المياني
وخصوصية الأحياء السكنية
فكل حي كان يمثل وحدة اجتماعية تنموية ترفيهية صغيرة
تشكل مع الأحياء الأخرى ( الوحدات الأخرى ) منظومة المدينة العربية
التي كان مركزها بيت الحكم والجامع الكبير والسوق
وكانت تراعى في طرقها وشوارعها تشكيل الظلال بتوجيه الشوارع باتجاه يتناسب مع مصدر الشمس والرياح..لتشكيل الظلال المناسبة وتأمين درجة حرارة معقولة صيفا
وكان البيت العربي الإسلامي
يصمم بتناسق وتوحد مع خصوصية الأسرة العربية من حيث نوع الشبابيك ( المشربيات ) والشرفات والفراغ المطل للداخل ( الباثيو أو الفناء )
وكان الطين مصدر مواد البناء لأنه هو المادة المحلية التي تتناسب مع البيئة العربية الحارة فضلا عن قلة التكاليف
ولا تزال عمائر الطين الشاهقة موجودة باليمن ( وسأقوم لا حقا بتنزيل دراسة عن عمائر الطين )
وبعد ذلك أصبح الحجر هو المادة البيئية
وقد تنبه المعماري الفذ حسن فتحي المصري الجنسية ( حينما دعا إلى ما يسمى بعمارة الفقراء )
وهي عمارات الطين ..وقام ببناء نموذجه الشهير ( قرية القرنة ) في جنوب مصر ...
أخي طارق
لقد تركنا البيت العربي الأصيل الذي يزودنا بالضوء والظل والتهوية الطبيعية والعزل الحراري والكلفة الأقل ويحافظ على خصوصية الأسرة العربية
وأنشأنا منازل بالخرسانة المسلحة والحديد والزجاج ..البارد المنعزل عن البيئة بدلا من دفء الخشب والطين وحجر البناء
واستبدلنا التهوية الصحية الطبيعية بالمراوح والمبردات الكهربائية
وحتى لا أطيل أكثر أقول
لماذا نجد أنفسنا تغمرنا الفرحة والحبور ونحن نسير في طرقات دمشق العتيقة وأحياء القاهرة القديمة وبين المنازل العربية النمط في مكة المكرمة أو في عمائر الطين باليمن
أو تحت ظلال القناطر والأقواس والقباب في القدس وتونس والمغرب
إن الإجابة على هذا السؤال هي مربط الفرس....!!!؟.؟
أشكرك أخي مرة أخرى
وأعتذر على الإطالة التي كان لابد منها
وتحياتي