التصدِّي للزحف الأســود
حامد بن عبدالله العلي
الحمد لله الذي بعث محمداً في أصحابه الكرام البررة ، وفيه ، وفيهم ، أنزل : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِوَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) .
اللهم صلِّ ، وسلِّم ، وبارك عليه ، وعلى أهل بيته ، وأصحابه أجمعين.
( ومن نظر في سيرة القوم بعلم ، وبصيرة ، وما منَّ الله عليهم به من الفضائل ، علم يقينا ، أنهم خير الخلق بعد الأنبياء ، لا كان ، ولا يكون مثلهم ، وأنهم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم وأكرمها على الله) . من كلام ابن تيمية رحمه الله
وقد امتلأ الكتاب العزيز بمدح أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، كما قد ورد في تفضيلهم ، ورفع قدرهم ، من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلماء أمته بعده ، نصوصٌ كثيرةٌ جـدا :
فمن ذلك :
قوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. )
فأخبرالله عز وجل أنه رضي عنهم ، وأعدَّ لهم جنات الخلد ، ورضى الله عن العبد أعلى المقامات ، وأشرف الدرجات.
وقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ. )
قال ابن القيم: ( قال غير واحد من السلف: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، و لا ريب أنهم أئمة الصادقين ، وكلُّ صادق بعدهم فبهم يأتمُّ في صدقه، بل حقيقة صدقه أتباعه لهم و كونه معهم ) .
ومما ورد من كلام النبيِّ صلى الله عليه وسلم : ( النجوم أمنة السماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد ، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحـابي أتى أمتـي مـا يوعدون) رواه مسلم.
قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه لقوله صلى الله عليه وسلم : ( وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون ) معناه من ظهور البدع ، والحوادث في الدين والفتن فيه ، وطلوع قرن الشيطان ، وظهور الروم ، وغيرهم عليهم ، وانتهاك مكة والمدينة وغير ذلك ، وهذه من معجزاته صلى الله عليه وسلم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ' لاتسبوا أصحابى ، فلوأن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً مابلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه ' رواه البخاري
وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ' خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يكون بعدهمقوم يشهدون ولايستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون وينذرون ولا يوفون وتظهر فيهم السمن ' متفق عليه
وعن عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( الله الله في أصحابي ، الله الله في أصحابي ، لا تتخذوهم غرضا بعدي ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله تبارك وتعالى ، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه ) رواه أحمد والترمذي
قال المناوي رحمه الله تعالى: ( الله الله في حق أصحابي ) أي اتقوا الله فيهم ، ولا تلمزوهم بسوء ، أو اذكرواالله فيهم ، وفي تعظيمهم ،وتوقيرهم ، وكرره إيذانا بمزيد الحث على الكف عن التعرض لهم بمنقّص، ( لا تتخذوهم غرضا ) هدفا ترموهم بقبيح الكلام كما يرمى الهدفبالسهام هوتشبيه بليغ ( بعدي ) أي بعد وفاتي ' ا.هـ من فيض القدير شرح الجامع الصغير 2/98 وعن على رضي الله عنه قال : ( لقد رأيت أصحاب محمد فما أرى أحداً يشبههم منكم، لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً، وقد باتوا سجداً وقياماً، يراوحون بين جباهم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم ، كان بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم ، إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى ابتل جيوبهم، ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفاً من العقاب ورجاء للثواب) .