نقطة نظام
... فما إن أخذ كل واحد منهم مكانه في قلب القاعة الكبرى، حتى تناوب المجتمعون الخطباء على المنصة لإلقاء خطبهم متعاقبين، فتضاربت عند فراغهم من قراءة ما بين أيديهم الأفكار، وتنافرت أثناء تحاورهم الآراء، فلم تتوحد كلمتهم، وتباينت مواقفهم ومسالكهم، ثم إنهم سرعان ما دقوا بينهم في ما أفصحوا عنه أوتاد الفرقة ونصبوا حراب الخلاف، ورشقوا بعضهم بعضا بما لا يجدر بالعاقل وصفه، فغدا كل منهم بما قرأ من الفرحين، وحرص على أن يظل له من المنتصرين، ثم إنهم أفضوا إلى ما يندى له الجبين، وخلصوا إلى القسم بأن عليهم الطلاق بالثلاث إن هم أعادوا النظر في ما ذهبوا إليه من مذاهب شتى بقلوب شتى، أو فكروا مجرد التفكير في تغيير خطبهم بزيادة أو نقصان ...
استعصى عليهم الإنتهاء إلى كلمة سواء بينهم، وعز عليهم الإتفاق والوقوف على أرض ثابتة مشتركة، فضاع العقل في غمرة الصخب ومنكر الأصوات، وتغربت الحكمة وكأنها يتيمة بين من لا يحسبون من الأحياء ولا من الأموات، وانعدم الإصغاء وكأن بالآذان الصمم، وافتقد في مجلسهم الحياء والوقار وغابت الهمم ...
د. أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com