إبليس يفتي بحرمة التنكيت على القذافي
(قصة قصيرة من الأدب المَمْدَري)
بينما إبليس منتش بالاستواء على عرشه في خليج الخنازير مر به طيف تلطّف في ملامسة وجهه، ثم قبض عليه، فتحه فإذا فيه رسالة عاجلة تستعجله لإدراك عبقري إسْراطين قبل أن يهوي في قاع لا قرار له.
قفز من مقعده وغطس في محيطه إلى عمق خمسة ملايين مكرومتر فسبح إلى الأندلس صحبة شياطين بعدد توابع المشتري.
تسمّر في قمة من قمم كاديس يصطفي شمس المغرب لتكون بره نحو ليبيا، ولكنه لم يجرؤ على نزول طنجة لما فيها من مظالم تدينها لأنها كلها متعلقة بملك ملوك إفريقيا.
سبح إلى شاطئ مرقالة وتسلل لواذا يرتدي قبعته السحرية، ولما كان في وسط المدينة دخل سمعه قهقهات، وأرهفته ضحكات مدغدغة للعواطف، أصغى متبينا فإذا هي نكت على الطاووس المنتوف، يرى أهل طنجة ألا يتنحى من يمشي كقنفد البحر وعلتهم في ذلك أنه لن يوجد من يضحكهم بخرجاته على الشاشات، وعضه على الميكروفونات، والسياحة بعينيه في السماوات، بصبيان يلعبون الغميضة وهم يرددون: (( دارْ دارْ، بِيتْ بِيتْ، زنقة Zanga زنقة Zanga ، غضب لذلك أشد الغضب وسُقط في يده وهو لا يزال متنكرا..
تناول هاتفه النقال واتصل بزين العابدين: ((ألو آلو)).
ـ نعم، من معي؟
ـ إبليس.
ـ إبليس، وهل لإبليس هاتف نقال؟
ـ نعم، نعم، دعك من هذا.
ـ ولكن أين كنت حين محنتي، لقد افتقدتك، فتبا لك، ابتعد عني، لا حاجة لي بنصحك بعد أن فقدت كرسيي.
ـ سأبدلك خيرا من كرسيك، اصغ إلي.
ـ ها أنذا صاغ.
ـ جارك المقيت يسلك سبيلك في التحدي والغطرسة، وأخشى أن يلقوه كجرد ميت، فهل يمكنك منحي كلمة السر التي بينك وبينه حتى يقبل بي ناصحا عندما أكون عنده؟.
منحه كلمة السر، ثم سافر إلى حسني مبارك بعد سقوط غرناطة بخمسة قرون وبضعة أسابيع ويوم واحد، وجده متعرقا في صحراء يكاد يجف جسمه، يقفقف ويرتعش خوفا ورهبا مما كسبت يمينه، سلم عليه فعرفه ونكره، تبعه إبليس يستعطفه ويعتذر إليه لخذلانه إياه، اعتذر كثيرا وقبّل رجليه بازا بقبلته المتمطقة برلوسكوني، فأشفق عليه، سأله: ((ما بك؟)).
ـ أريد كلمة السر التي بينك وبين قاتل شعبه.
ـ وماذا أنت فاعل بها، فالرجل طاووس منتوف الريش ليس عليه إلا بعض الزغب لن يحميه من البرودة والحرارة.
ـ أريدها قبل أن يسحقوه، فقد صدّق نفسه أنه قائد للعالم، وأنا أستاذه، فقد علمته كيف ينتشي برش المطر المذهب، وكيف يقبل زينه ومباركه القبلة السوداء، لقد تتلمذ علي يدي، وأعرف مستواه، فما هو إلا جاهل مغرور قد نصب نفسه ملكا دون تاج.
منحه كلمة السر فطفق إبليس يرقص اغتباطا، ثم ركض إلى طرابلس.
دخل على السادي خيمته فوجده يقيم الصلاة، نكر سلوكه أشد الإنكار، ولكنه حين نظر خلفه وأمامه، والتفت عن يمينه ويساره فلم يجد محتفيا واحدا بصلاته والرجل لا يصلي إلا أمام عدسات الكاميرات فصاح به حتى أفزعه: ((ماذا تفعل؟ ألم نتفق على سيناريو الصلاة واشترطتُ عليك ألا تصلي إلا عند الحاجة؟ أليس شرطي هو ما اشترطته على سائر الحكام العرب؟ فلماذا تصلي وليس ينظر إليك إلا الله تعالى؟
ـ تقول الله تعالى وأنت أول من عصيه.
ـ نعم، الله تعالى رغما عنك وعن كل خنفس مثلك.
نبت لملك ملوك إفريقيا قرنان فركض كثور "خْوانْ Juan " ونطح إبليس حتى أسقطه أرضا، ثم رفعه بقرنيه إلى السماء وشرع يخبطه فاختبط له عاليا سافلا يصيح ويصيح..
اقتحم سيفه عليه فنحى أباه جانبا وتلطف بإبليس وشرع يعاتبه على تأخره في المجيء إلى أبيه، مسح عنه دماءه، وسقاه من كأس اللذاذة ما تقر به عينه، ثم صحبه إلى مكتبه وأجلسه، ثم جاء بأبيه مقطب الجبين يريد أن ألا يقتصر ملكه على الأفارقة، بل يريد ملكا حتى على الأبالسة وإلا فلا طاعة لإبليس عليه.
ذهب الروع عن إبليس، ثم بادر تلميذه بكلمة السر، عندها قفز ملك ملوك الأبارقة من مكانه وشرع يقبل رأسه ويستسمحه على ما بدر منه، ولكن: ((من منحك كلمة السر؟ الحقير زين، أم الوضيع حسني؟)).
ـ كلاهما.
ـ والله لئن كتبت لي النجاة من ملاحقة الجرذان، ونجوت من عدواهم لأسقيتهما كأسا يفيض بالمهانة أكثر مما سقاهما شعباهما.
ـ المهم، لقد حضرت لإنقاذك.
ـ وكيف تنقذني؟
ـ أنقذك بكلمة السر التي بينكم.
ـ هل ستفعلها؟
ـ أجل.
وخرجت كلمة السر من فيه وانطلقت الفتوى من لسانه فأفتى إبليس بحرمة التنكيت على القذافي.
...........
محمد محمد البقاش
طنجة في: 03 مارس 2011