العرب المُدلّلة والعرب المُكبّلة
كاظم فنجان الحمامي
يُصنّف العرب في مقياس سماسرة السفر والجوازات الى فئتين اثنين. هما : العرب المدلّلة, والعرب المكبلة. والفئة الأولى هي المسموح لها باجتياز المنافذ الحدودية للبلدان العربية من غير تأشيرة. ويحق لها التنقل والسفر من بلد عربي ألى آخر متى تشاء, وحيثما تشاء, وكيفما تشاء. ومن دون قيد أو شرط. . أما الفئة الثانية فهي فئة العرب المكبلة بقيود وأسلاك الحواجز الحدودية, ولا يسمح لها بالعبور والاجتياز. وهذه الفئة مغضوب عليها دوما وأبدا, وغير مرحب بها في البلدان العربية الأخرى. وتعد من الفئات المرفوضة رفضا قاطعا, وهي مدرجة طبعا على قائمة المنع المطلق, ويحضر التعامل معها. ومن المؤكد أنك,عزيزي القارئ الكريم, تنتمي إلى إحدى هاتين الفئتين. أما أنا فأنتمي إلى الفئة المشمولة بالمنع. لأني, وأقولها بكل فخر واعتزاز, أنتمي إلى العراق العظيم. ولا تسمح لي البلدان العربية بدخول أراضيها, إلا بموافقة مؤسساتها الأمنية المتشددة جدا مع كل من ينتمي إلى العراق. إذ لابد من الحصول منها على الإذن الرسمي المسبق, والذي ينبغي أن يكون مختوما ومثبتا على طلب السفر, وبعد تحديد فترة الإقامة. ومعرفة الغاية من الزيارة. ولا يمكنني الحصول على التأشيرة إلا بشق الأنفس, وبعد توفير الكفيل الضامن, إلى آخره من الاجراءات الروتينية المرهقة. . وفي الوقت الذي استطيع فيه السفر والترحال الى شرق الأرض وغربها. والتجوال في مدن القارات وأريافها, وسهولها وجبالها, وبحارها وأنهارها. تراني عاجزا عن القيام بجولة سياحية في دول مجلس التعاون الخليجي مثلا. ويتعذر عليّ زيارة مدن المغرب العربي, أو الذهاب إلى القاهرة, أو تونس, أو لبنان. وصار العراقيون الأصلاء في نظر البلدان العربية الجاحدة, هم الأكثر خضوعا لإجراءات المنع التعسفية, التي تمارسها المنافذ الحدودية العربية. في حين تكون تلك المنافذ مفتوحة بالكامل للأقوام غير العربية, وغير الإسلامية. وكانت وماتزال أكثر انفتاحا في التعامل مع القطعات الحربية المشاركة في غزو العراق, بل ان بعض البلدان العربية وضعت مطاراتها وموانئها وأراضيها في خدمة جيوش الغزاة. وقدمت لهم الدعم والإسناد, وسهلت عبورهم الى العراق برا وبحرا وجوا من غير تأشيرات, ومن غير جوازات, و(من غير ليه). .
ومما يبعث على الغرابة. إنّ شرطة الحدود والجمارك, في المطارات والموانئ والنقاط البرية العربية, يتمسكون بتطبيق مبادئ العدالة والمساواة في التعامل مع اشقائهم العرب. ولا فرق بين الوافدين العرب, سواء أكانوا من العرب المدللين أم من العرب المكبلين. فما أن تصل إلى شباك ختم الجوازات, في بوابات الدخول, حتى تحس بالمشاعر العدوانية المرسومة على الوجوه المتجهمة. وترى بأم عينك الاجراءات الاستفزازية الطاغية على سلوك وتصرفات عساكر المنافذ الحدودية. فالألفاظ البذيئة توزع على العرب بالتساوي. بصرف النظر عن الفئة التي ينتمون اليها. ولا تستغرب لو رأيت ثلةمن موظفي الجوازات والجمارك, يفترشون الأرض بلباسهم الرسمي, وينشغلون بلعب الورق أو الدومينو. ولا يعيرون اهتماما للطوابير البشرية المتكدسة في نقطة الحدود. وقد يستمر اللعب لعدة ساعات, حتى لو وصل الزحام إلى ذروته. وإن حاولت ملاطفتهم بكلمة طيبة يردون عليك بوجوه عابسة, وعنجهية ممزوجة بخشونة ورعونة, تنم عن غباء حدودي موروث. وتفننت بعض المعابر الحدودية العربية في ممارسة الأبتزاز والرشوة العلنية, مع الجميع, حتى مع مواطنيها, الذين قرروا العودة إلى ديارهم بعد غياب طويل.. إذن لا وجود للمدللين إلا في حسابات مكاتب الرحلات الخارجية. وتبقى هموم السفر ومشاقه سارية المفعول على الكل, في جميع المنافذ الحدودية العربية الموصدة بوجه العرب المكبلين بقيودها منذ توقيع معاهدة سايكس – بيكو, التي مزقتهم إلى دويلات مبعثرة, وحتى اشعار آخر. . .