أنـا العـراق
أطلق شموخك برقاً في الدجى اللجِبِ
أشعلْ بـه ما تبقَّى من رحى الغضبِ
أيقظ بـه خفقـةً في قلب معتصمٍ
حـتى تكذِّبَ ما قـد جاء في الكتبِ
ما عربد الكأس في كـفِّ النديم ولا
شـبَّ البيـانَ له صنَّـاجةُ العربِ
قد يخذل السيف في كف الجبان وقد
يسمو حذاءٌ هوى في وجه مغتصبِ
رمـته كـفٌّ رمـتْ لله فاتَّشحتْ
بنوره , فتهـاوت حـلكة الحجبِ
وزغـردتْ لانبهـار الشمس مقلته
وأزلفتْ مـن شواظ القلب للشهبِ
زيدِي انصهارك في جرحي وفي وجعي
أنـا العراق , وهذا اللفح مـن لهبي
أنـا العـراق , لـيَ الميدان من قدمٍ
ولي السماء , وأمطاري بـلا سحبِ
بغداد يـا حلمـاً تتـرى مواجعُـهُ
على لحاظ المدى "جسراً من التعبِ"
طفلٌ أنـا , فتعـالي واركـبي نزقي
هـذي شموسي على نهريك لم تغبِ
طفلٌ أنـا في سـرير المــاء مُنطَلَقي
لا أمَّ غــيرُك يـا بغدادُ تفرح بي
أعــرتك القلــمَ المفتون قـافيةً
بضرعهــا تتلهَّـى الريح عن لُعَبي
أُلقيْتُ في اليمِّ , والأمـواج عــاتيةٌ
كـي يولد الفجر إيمـاءً على هدبي
يسَّاقطُ الحلمُ من أسـوار ذاكــرتي
محمَّلاً ببقـايـا مـن جـنى رطبي
حنَّتْ مزامير أوجــاعي لتأخـذَني
يـد المسـافات شلالاً من الغَرَبِ
طـرزتُ من حزنيَ التاريخ , فانتبذتْ
منه الليالي فِنـاء القلب مـن حقبي
وقفتُ رغم الأسى أهدي الجراح منىً
كي آخذ الحبل من حمَّــالةِ الحطبِ
ألقتْ ببهرجها الدنيـا علـى شفتي
وأسكــرتني بريـقِ التين والعنبِ
وأسلمتني رضــاب الغيم أحكمه
أنى يشـاء , فلي من ضرعـه حلبي
أخرجت من رحمي صفو العلوم ضحىً
للظـامئين ومرضى الشَّـكِّ والرِّيبِ
والغـرب مـرتهنٌ في قعر هـاويـةٍ
من الخـرافـات في ليلٍ مـن النُّوبِ
حسبي هنا أنني هــذا الزَّمـان رؤىً
أزفُّهـا عند بـاب الفجـر مثلَ نبي
وأنني فوق هـام الجـرح عرس مـنىً
أكسو بها الصبح كـي يحلو لمرتقبِ
جدائل المجـد مازالت علـى كتفـي
مضفورةً بسيوف الله لـم تشـبِ
أُسِرْتُ لكنني رغـم القيـود ضحـىً
أُهدهدُ النُّـور للآتي مـن الحقبِ
مازلت فـوق ركـام الغـدر منتصباً
وقامتي الدهر , والأيـام من حسبي
نسجْتُ من بـردة الإيمــان أزمنتي
أزمُّهنَّ , وبطنَ الحـوت لم أهـبِ
أنـا العراق بألـواني أنـا ابن جـلا
وكــل أوردتي تنمـي إلـى نسبي
مازلتُ واسـطة العقد الذي عصفتْ
بـه الخيـانات تترى مـن أبي لهبِ
شعر: علي صالح الجاسم