بسم الله الرحمن الرحيمفضيلة الشيخ خاشع إبراهيم حقي العلواني
بحث في صيام رمضان وذوي الأعذار
أولاً : من حيث فرضيته أو وجوبه:
فرض في السنة الثانية من الهجرة ، وثبتت فرضيته بالكتاب والسنة وإجماع الأمة.
أما الكتاب فقوله تعالى : ( يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) البقرة 183
وقوله : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً لناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد الشهر فليصمه.) البقرة
185
وأما السنة ففي قوله عليه الصلاة والسلام ( بني الإسلام على خمس ... وذكر فيه الصوم ، وقوله عليه الصلاة والسلام للأعرابي ( ... وصيام رمضان...) قال هل عليّ غيرها ؟ قال : لا ، إلا تطوعاً.
وأما الإجماع : فقد تم إجماع الأئمة والعلماء والفقهاء على فرضيته ولم ينقل إلينا خلاف عنهم . أما شروط وجوب صومه فهي : الإسلام والبلوغ والعقل والقدرة على الصوم.
ويباح تركه للمريض إذا وجد به ضرر شديد ، منه بالترخص في الإفطار رحمة من الله تعالى بعباده حيث قال : " ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً ) النساء 29
وقال : ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة.) البقرة165
فإذا كان المرض مطبقاً ( مستمراً ) فله ترك النية بالليل أما إن كان متقطعاً كأن كان يحم وقتاً دون وقتٍ نُظر إن كان محموماً عند الشروع جاز له ترك النية وإلا فعليه أن ينوي الصيام من الليل فإن عاد إليه المرض واحتاج إلى الإفطار أفطر.
ويجب عليه الفطر إذا خشى الهلاك لقوله تعالى : ( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً ) النساء 29
ولمن غلبه الجوع والعطش حكم المريض.
وهنا نأتي لنبحث أحوال أصحاب الأعمال الشاقة ممن يجهدهم الصيام من عمال وفنيين وغيرهم ممن يعملون في النهار ساعات طويلة ولا سيما في فصل الصيف حيث تكون الحرارة شديدة والنهار طويلاً فحكمهم حكم المرضى ، وقد مر ذلك وعليه فأنهم ينوون الصيام من الليل ويخرجون إلى أماكن عملهم وهم صائمون فإذا عجزوا عن إتمام صوم يومهم لعطش أو جوع أو غير ذلك فلهم أن يفطروا حينئذ ويقضوا الأيام التي أفطروها في غير رمضان.
مثلهم في ذلك مثل المريض المقيم إذا أصبح مريضاً أفطر لوجود المبيح للإفطار وهو ( المرض ) كذلك أصحاب الأعمال الشاقة فإن المبيح لهم هو الجهد المضني والعطش أو الجوع والمراد بالشاقة ( عمال المناجم وتعبيد الطرق) ومن على شاكلتهم.
أما أن يخرجوا من بيوتهم ناوين الإفطار من الليل في شهر الصوم بدعوى أن عملهم شاق فإنه لا يجوز وإن فعلوا ذلك وأفطروا فعليهم الإثم لأن المبيح لهم الإفطار لم يحصل بعد فيستمرون في أداء أعمالهم إلى أن يجهدوا ولم يمكنهم إتمام عملهم إلا بالإفطار فلهم عندئذ أن يفطروا ولا إثم عليهم ويقضون الأيام الني أفطروها في أشهر غير رمضان على أن يكون إفطارهم سراً لا علناً خشية أن يساء بهم الظن ممن يرونهم ولا يعلمون عن وضعهم وعذرهم شيئاً وحفاظاً على حرمة شهر رمضان.
كذلك يحذر أولئك الذين يبيحون لأنفسهم الإفطار في رمضان بدعوى أن الصيام يحول بينهم وبين دراستهم سواءً في الامتحانات أو غيرها فهؤلاء لا يباح لهم ما يباح لأصحاب الأعمال الشاقة أو المرضى لأنهم معافون أًصحاء غير مرضى ولأن لديهم متسعاً من الوقت يعوضون به عن دراستهم نهاراً وذلك في الليل وعليهم أن يصبحوا صائمين ويتمموا نهارهم صياماً ألا ترى إلى الكثرة الكاثرة من الناس ينامون في النهار أكثر أيام السنة ( في الخليج وغيرها) ويعملون في الليل فلدى هؤلاء الطلاب متسع من الوقت للمراجعة والمطالعة وذلك ليلاً.
ويباح الإطار في نهار رمضان للمسافر أيضاً سفراً طويلاً مباحاً قدره العلماء بـ ( 90 كلم) فالسفر القصير أو السفر في معصية لا يبيحان لصاحبيهما الإفطار.
ثم أن الأفضل في حق المسافر الصوم إن لم يتضرر فإن تضرر فالفطر أفضل قال تعالى : ( فمن كان منكم مريضاً أو على سفر ( أي فأفطر) فعدة من أيام أُخر). كذلك تقضي الحائض والنفساء ما أفطرتا في رمضان.
ويقضي المفطر بلا عذر وهو عاص يقول عليه الصلاة والسلام : ( من أفطر يوماً من رمضان في غير رخصة رخصها الله له لم يقض عنه صيام الدهر كله وإن صامه ) الحاكم حديث حسن.
وفي رواية من غير هذر وفي آخر من غير علة. ومعناه أن القضاء لا يقوم مقام الأداء وإن صام عوض اليوم الدهر كله لأن الإثم لا يسقط بالقضاء وإن سقط الصوم أو المطالبة به يوم القيامة ولأن القضاء لا يساوي الأداء في الكمال.
وأما الشيخ الكبير الهرم فإنه يفدي ولا قضاء عليه لكونه هرماً عاجزاً عن الصيام وتلحقه به مشقة بالغة لقوله تعالى : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) إذ كانوا مخيرين في أول الإسلام وبداية فرضية الصيام بين الصوم والفدية فنسخ ذلك في حق الشيخ الفاني وبقيت الفرضية في حق الصحيح المقيم وأما ( الحامل والمرضع) فإن أفطرتا خوفاً على نفسيهما وجب القضاء بلا فدية، أو على الولد لزمهما القضاء مع الفدية فإن أفطرتا خوفاً من حصول ضررِ بصوم على نفسهما أو على الولد ( حملاً أو رضيعاً ) وجب القضاء بلا فدية لأن جانب الضرر على نفسيهما مرجح على جانب الخوف على ولديهما فلا فدية في هذه الحال بل القضاء فقط كالمريض ، وإن خافتا على الولد وحده بأن تخاف الحامل من اسقاطه والمرضع بأن يقل اللبن يهلك الولد لزمتهما الفدية مع القضاء.
ومن أخر قضاء رمضان مع امكانه حتى دخل رمضان آخر لزمه القضاء مع الفدية ، لكل يوم مد أو نصف صاع على خلاف في ذلك ويقدر بـ ( 2000 غ) تقريباً من غالب قوت البلد ويمكن دفع قيمة ذلك عن كل يوم
وخلاصة ما تقدم:
أن الناس إزاء الصوم المفروض ثلاثة أقسام.
أ- الأصحاء المقيمون ويلزمهم الصوم عيناً في رمضان.
ب- المرضى والمسافرون ولهم الفطر إن أرادوا وعليهم إن أفطروا أيام أُخر ويلحق بالمرضى أصحاب الأعمال الشاقة الذين ذكرناهم بالشروط التي بيناها.
ت- الذين لا يقدرون على الصيام وفيه ضرر عليهم فهؤلاء يفدون وهم ( الشيخ الكبير والمرأة الهرمة) لقوله تعالى : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين).
وقد فرق الفقهاء بين الشيخ الفاني المطالب بالفدية فقد أي دون القضاء وبين الحامل والمرضع المكلفتان بالقضاء فقط أو القضاء مع الفدية حسب التفصيل الذي مر ذكره من أن الشيخ لا يمكن إيجاب القضاء عليه لأنه سقط عنه الصوم إلى الفدية لشيخوخته وزمانه ، فلن يأتي عليه يوم يكون أقدر على الصوم من أيام رمضان التي أفطر فيها ، أما الحامل والمرضع فهما من أصحاب الأعذار الطارئة المنتظرة الزوال فإن زال عذرهما فعليهما عدة أيام أخر. هذا والله سبحانه وتعالى أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . والحمد لله رب العالمين.
القامشلي في : 25/8/1431 هـ
الموافق ل : 5/8/2010 م
خاشع ابن شيخ إبراهيم حقي العلواني.