روايات خالدة، أول رواية مصرية في الأدب الحديث
زينب
تأليف :حسين هيكل
نشرت قصة «زينب» للمرة الأولى عام 1914 موقعة بقلم «مصري فلاح» حيث أغفل كاتبها اسمه الحقيقي خوفاً منه على سمعته القانونية كمحامٍ مصري.
والقصة للكاتب حسين هيكل الذي ولد عام 1888 م في قرية كفر غنام بمصر، وحصل على اجازة الحقوق، ثم سافر إلى باريس حيث استكمل دراسته القانونية، وحصل على الدكتوراه في الاقتصاد والسياسة من جامعة السوربون. ثم تصدى للكتابة في «الجريدة» التي أنشأها لطفي السيد وأول انتاجه الأدبي كان قصة زينب عام 1914، وهي أول قصة مصرية تحولت إلى شاشة السينما عام 1928 . ومن كتبه أيضاً «هكذا خلقت».
يتسم حسين هيكل في قصة «زينب» بطابع محلي جانحاً إلى التحليل النفسي، وقد ألفها هيكل عام 1912 .
تدور أحداث قصة «زينب» في الريف المصري، أما بطلتها فهي صاحبة العنوان «زينب» الفلاحة المصرية البسيطة، وهي ككل فلاحات مصر، تبدأ يومها مع خيوط الفجر الأولى،تتناول طعامها البسيط، ليمر بها إبراهيم ويصحبها واختها إلى مزرعة السيد محمود لتنقية القطن.
أما السيد محمود فهو رب هاته الضياع، وكان من أطيب الناس قلباً وأصفاها سريرة، وأحبهم لأخوته، وأحناهم على الصغار منهم.
وللسيد محمود ثمانية أولاد أكبرهم «حامد» الذي كان شديد الميل إلى البقاء في البلد قريباً من الفلاحين والفلاحات. وكان موعوداً بابنة عمه «عزيزة» زوجة له في المستقبل منذ أن كانا صغيرين يلعبان في القرية، فنما معه احساس بأنه يجب ان يحبها لأنها ستغدو زوجة المستقبل.
وبينما حامد يتجول ذات يوم في المزارع، إذ طالعه جمال زينب، فسأل عنها، وظل يرقبها من بعيد إلى أن قدر له أن يتمشى إلى جانبها، وقد أوحت له ببساطتها عن جمال نفسي لا يقل عن جمالها الجسمي. بعد ذلك كثر انفرادهما تحت شجرة ما يتبادلان الأشواق والقبلات، ثم إنه يعود إلى البيت فيذكر عزيزة، ويتمنى لو أنها تأتي لزيارتهم، في الوقت الذي يذكر فيه زينب فيحس برعشة تسري في جسده، فيحتار فيما يعتريه ويهابه.
أما زينب فما كانت تحس تجاه حامد بشيء من الحب، إنما هو ميل اقتضته رقة حامد وتودده للفتاة، ولكن زينب بدأت تحس من زمان أنها عثرت على توأم روحها في إبراهيم الذي تراه كل يوم، والذي بدا وكأنه يبادلها الشعور نفسه.
وأسرعت الأيام وانتهى موسم جمع القطن وارتفعت الأسعار، فباع الحاج خليل والد حسن محصوله، وأصاب ربحاً جعله يذهب إلى أبي زينب يخطب ابنته لابنه حسن مصطحباً معه ثلة من الرجال الذين اقنعوا والد زينب بأن ابنته ما عادت صغيرة، وقدروا المهر وتراضوا جميعاً، واكتفوا بقراءة الفاتحة، وأجلوا اتمام العقد لشهر من الزمان.
وفي نهاية الشهر جاء حسن وأبوه والمأذون وأصحابهم وعقدوا القران رغم دموع الفتاة التي اعتبروها دموع الفرح.
أحست زينب في دار زوجها بالوحشة لأول يوم حين وجدت نفسها غريبة بين متعارفين، يجمعهم ماض أسري واحد. «وإذا خلا بها حسن، وجعل يخاطبها فيما يخاطب الزوج زوجه جاء ردها عليه ذابلاً باهتاً لا يوحي به قلبها «غير أنها شعرت أن موقفاً كهذا لا ينتج إلا الشقاء والبؤس، وأن الواجب ان تنسى الماضي الذي قضته قبل زواجها».
ولكنها فشلت فتارة تشعر بحب ابراهيم يجذبها اليه بقوة محرضاً إياها على الارتماء بأحضانه، وتذوق السعادة معه. وتارة تعود إلى رشدها فتذكر أنها امرأة متزوجة ويجب عليها أن تخلص لزوجها.
في هذه الأثناء تصل «عزيزة» إلى دار السيد محمود، وعندما التقاها حامد أخذ يؤنب نفسه على نسيانه لها كل تلك المدة الأخيرة، وانشغاله بالفلاحات وبات يفكر من جديد في أن ينفرد بها ويفتح لها قلبه، ولم يجد وسيلة لذلك، إلا أن يكتب كلمة يلقي بها في يدها منتظراً جوابها. فما كان منها إلا أن ردَّت على رسالته برسالة تشرح فيها حبها له.. ولكنها بعد قليل تراجعت، وطلبت منه أن ينساها وغادرته إلى المدينة حيث تزوجت هناك.
ثم حدث ان ورد اسم ابراهيم في كشف افراد القرعة ليذهب إلى مجاهل السودان، حيث الخدمة الاجبارية.. وعما قريب سيترك إبراهيم قريته وأهله، وسيخلف وراءه قلب زينب دامياً باكياً.
قابلها حامد ذات مرة وحاول إعادة الود القديم، ولكنها صدته ولم تكترث له، فعاد أدراجه يعاني ألما ما يتخبط به من حب عزيزة وزينب وأخريات.. لم يستطعن أن يجلبن له السعادة، ولما كان في غمرة تخبطه اعترف للشيخ مسعود الذي وصل القرية مؤخراً بما لاقى من ألم الهوى ممنياً نفسه بأن آلامه ستزول بطريقة يرشده إليها الشيخ مسعود،
و لكن شيئاً من هذا لم يحدث، فما كاد يتقلص ظل النهار حتى عاود حامد كل الألم الذي كان عنده وفوقه ألم جديد أنه اعترف بها لمن لا يفهمها ومن لا يجيبه عنها إلا بكلمة «نعم» ولا يقدر له على شيء. لذلك عزم على مغادرة القرية والأهل إلى مكان لا يعرفه أحد من معارفه.. وبعد شهر من سفره المفاجيء والمجهول الوجهة، وجد السيد محمود بين أوراق ولده رسالة يعترف فيها بأخطائه، ويوضح فيها لأبيه أنه لن يعود قبل ان يعرف نفسه، ويحقق ذاته.
بعد ثلاثة أيام من سفر إبراهيم جلست زينب في القاعة التي ودعته فيها وأمسكت بيدها المنديل الذي وجدته بعد خروجه، وظلت تبكي ليلها ونهارها، حتى تغير لونها وبهتت نظرتها. وكلما سألها حسن عن دواعي آلامها واحزانها شكت له دوخاناً أو مغصاً. وظل حسن يتودد إليها، ويطلب منها ان تشكو له همها، ولكنها ساهمة الطرف، شاردة البال لا تحير جواباً الأمر الذي يزيد من هم حسن وغمِّه.
إلى أن ظهرت على وجه زينب علائم التعب والإرهاق.. وأحست بسعال يناوشها من حين لحين. ومع ذلك لم ترض أن تلزم الدار وتحتفظ بنفسها وتطلب الدفء لأنها كانت تعلم ما في ذلك من حرمانها مشاهدة آثار إبراهيم.
واستلفت حالها نظر أمها وزوجها وأهل زوجها، فكانوا جميعاً يحاولون اراحتها والتخفيف من الاعباء الملقاة على عاتقها، ولكنها لم تكن لترحم نفسها، في هذه الأثناء وصل إلى حسن رسالة من إبراهيم، ليس فيها سؤال صريح عنها، الأمر الذي أزعجها، ولكنها سرعان ما أعطته العذر في ذلك.
ويوماً بعد يوم أخذ السعال يزداد حدة، وزينب تزداد نحولاً وشحوباً، فلزمت البيت وأمها إلى جانبها، فقرر حسن ان يحضر لها الطبيب، وحين زار الطبيب المريضة وجد أنها بعد نوبة السعال التي اعترتها بصقت دماً وصديداً فرفع حاجبيه وهزَّ كتفه، كأنما يريد أن يقول: لا ضرورة لعلاج وقد بلغ الحال أشده.
وبقيت زينب على تلك الحالة من سيء لأسوأ، ولكنها كانت تتحامل على نفسها فتخرج إلى حيث الشجرة الشاهدة على حبها، فتعود وحالها أسوأ من ذي قبل.
وفي نزهتها الأخيرة خرجت زينب برفقة أمها، فساءت حالها أثناء المسير، فعادت بها الأم إلى بيتها، فصارحت الابنة أمها بأنها غير سعيدة في زواجها على الرغم من أن زوجها من خير الرجال.
ولم تكد تصل إلى غرفتها حتى عاودها السعال محملاً صديداً ودماً ثم انتابتها حمى ثم ارتعدت وصاحت بكل قواها «إبراهيم» وعلاها بعد ذلك سكون أخرس، أدركت الأم ان ابنتها قد فارقت الحياة إلى الأبد.
توفي هيكل عام 1956 بعد حياة سياسية وصحافية وادبية أبرزها ان روايته زينب التي اعتبرت أول رواية عربية ناضجة فنياً.
إعداد: صباح فاروق كيالي
نقلا عن جريدة البيان