فنية السرد فى نص الرحيل لفيصل الزوايدى بقلم محمد الصاوي السيد
يمكن أن نقول أن الشكل العام للبنية الفنية للسرد أصبح مستقرا نوعا ما أي أننا في الغالب أمام مفتتح ثم عرض ثم ذروة أو لحظة التنوير فى الختام . طبعا أشكال السرد الحديث في محاولتها تقديم تجريب فنى أحسبها مازالت تفعل هذا أكثر فى النص الروائي أكثر من القصة القصيرة نحن فى هذا النص أمام هذه البنية المعتادة للنص القصصى مفتتح عرض ذروة فنية لكننا يجب أن نتوقف أمام ملاحظتين هامتين في رأيي
1- بذكاء وفنية وحرفية استطاع القاص أن يلعب لعبة فنية جميلة إنه يقدم لك ذات البنية الكلاسيكية العامة للنص القصصى لكن في الحقيقة ما أن تصل للذروة الفنية في نهاية النص حتى تجد نفسك مأخوذا بالرغبة الملحة لإعادة قراءة النص من جديد هنا الذروة الفنية ذروة مراوغة تمنحك نفسها لتتمنع عليك فى دلال عجيب نحن في هذه الذروة الفنية التي وصل لها النص لا نصل للذروة لا نستطيع تكثيف دلالة عامة تغلق دائرة الدلالة التي يرسمها الكتاب منذ بداية النص إلا بالجوع للبداية من جديد وهذه علامة فنية بليغة تدل على أننا أمام نص فنى بحق
(و لَكن..
يسقُطُ إناءُ مـاءِ على الأرض فقد كان ولدي الصغيرُ قد أوقع قدحًـا من يَدَيْهِ .. تـمامًا مثلما سَقَطَ إناءُ الـماءِ من يَدَيْ أمي يومَها عندما ارتفَعَ صوتُ أختي مِن النافذةِ الخشبيةِ الـزرقاء بصيحةٍ مـجروحَةٍ تُعلِنُ وقوعَ الفادحةِ ..
تنحنـي زوجتي تُلَمْلِمُ شظايا القَدَحِ و تبتَسِمُ بطيبةٍ ساذجةٍ تُذَكِّرُنـي بـخالـي الطيب. )
2- من القواعد الأساسية التى تقوم عليها فنية السرد القصصى ألا يخبرني القاص أنه يحدث كذا يجب أن يتركني أرى كمتلقي ماذا يحدث ثم أقرر بنفسى كمتلقى مثلا عندما يقول لنا المتلقى أن البطل حزين يائس غير أن يقدم لنا تفاصيل فنية بالصورة تقدم لنا هذه الدلالة ولكن من نتاج تلقينا القائم على الاستدلال لا التلقى . ومن خلال رؤيتى الخاصة للحدث فى نص الرحيل ربما تكون هذه نقطة صراع ومكابدة فنية بين القاص وطبيعة السرد التى تقوم على الحكى ونثر التفاصيل مثلا هذه الفقرة إنها السرد الذى لا يقول لك مباشرة بل يتركك لتشكل الصورة وخاصة أنه مفتتح النص (من جَنوبٍ كان الرحيلُ يومًا .. باردًا يومًا .. لكن لهيبًا ما يلفحُ وَجهـي ، و شتاتٌ مُبعثَرٌ مِني تعبثُ بِهِ رياحٌ شتى ، تقفُ أُمي عند عتبةِ البابِ و بيدها إناءُ ماءٍ لِتَصبه ورائي حتـى أعودَ إليها ، و فـي عَيْنَيْها بريقُ ماءٍ آخر )
نحن فى الفقرة السابقة أمام تشكيل صورة الحدث والتمهيد النفسى للتلقى الذي يوحى ويرسم التفاصيل أمام بصيرة المتلقىبل يعمد إلى أن يحفز ثقافته وتراثه فى دلالة إلقاء الماء على عودة الغائب وذلك مع تفصيلة صورة دمعة أبية بعين الأم التى تتأمل المشهد هنا السرد يترك المتلقى يشكل الصورة من خلال هذا التأمل للتفاصيل والصورة الموحية بينما ما أن نوغل أكثر نجد فنية السرد تغيرت لتصل لعرض التفاصيل بمباشرة فنية مقصودة مثلا لنتأمل هذه الفقرة
(هنالك أبـي على فراشٍ سقيمًا ، مرضٌ داهـمَه فلازَمَهُ فأقعَدَهُ .. تـحسَّنت حالُــه قبلَ يومين فأخبرتُه بـموعدِ الرحيل ، لَـم يقُل شيئًا لكني أحسستُ في صمتهِ الرهيبِ توسلا بالبقاءِ .. و مِن عَينَيْهِ اللتين تـهدَّلت عليهما الأجفان صَرَخَ استجداءٌ مزلزلٌُ بعَدَمِ الرحيلِ )
فى هذه الفقرة نحن أمام السرد الذي يقدم لك مباشرة الفكرة بوضوح ربما مع رتوش خفيفة لكن يظل السرد هنا مباشرا لا يتركك لتلقيك كما حدث فى المفتتح . هنا نحن أمام وعى فنى حقيقي بأنماط السرد أما القدرة على تناغم هذه الأنماط والحفاظ على نغماته المختلفة التى تشكل فى النهاية اللحن العام للنص
رابط قصة " الرحيل "
http://www.merbad.net/vb/showthread.php?t=7829