على ضفاف شط العرب
هل أغلقوا منافذنا البحرية ؟
نشر في جريدة (الزمان) الدولية بعددها 3408 في 30/9/2009
كاظم فنجان الحمامي
إن كانت الحكومة العراقية لا تدري بما طرأ على حدودنا البحرية من انتهاكات وتجاوزات وخروقات في خور عبد الله فتلك مصيبة يمكنها التصدي لها ومعالجتها بالتنسيق مع الحكومة الكويتية الشقيقة, ومن المؤمل إنها ستحقق ذلك من خلال الحوار البناء والمثمر مع الأشقاء, وان كانت تدري وتلوذ بالصمت فالمصيبة أعظم. فقد تمددت الحدود البحرية الكويتية وزحفت نحو الشمال حتى توقفت عند أقدام جزيرة (حجام) الواقعة قبالة أرصفة ميناء أم قصر. ونحن هنا لا نتحدث رجما بالغيب, ولا نقلا عن المصادر المغرضة والمدسوسة, فالمرتسمات الجديدة للحدود البحرية بين العراق والكويت ظهرت منذ أعوام, وتم نشرها وتعميمها بالخرائط البحرية, التي تطبعها وتوزعها الأدميرالية البريطانية على السفن في كل مكان, ويحق لعامة الناس مشاهدتها والاطلاع عليها بصورتها الواضحة والصريحة, وهي مثبتة أيضا في خرائط الجوجل المتداولة على الشبكة الدولية. ولا ندري هل تم الاتفاق النهائي على هذه الحدود ؟. أم إن الأدميرالية البريطانية أخطأت في رسم إحداثيات الخط الفاصل بين العراق والكويت, ووضعته في هذا المكان الحساس لغاية في نفسها؟. أم إن ظاهرة (زحزحة القارات) هي التي قفزت فجأة فوق المياه العراقية, وشجعت الحدود الكويتية على الزحف والتحرش بميناء أم قصر وتطويقه ومنعه من الاتصال المباشر بالبحر ؟.
صورة الحدود الجديدة التي اغلقت منفذنا البحري الوحيد على العالم
إن من يتصفح موقع (جوجل أيرث), أو يراجع الخرائط البحرية التي تعتمدها السفن في تحديد مساراتها, سيصاب بالسكتة القلبية عندما يشاهد الخط القاطع للممر الملاحي العراقي الضيق, المحصور بين أرصفة ميناء أم قصر وجزيرة (حجام), والذي بموجبه ستكون الموانئ العراقية محاصرة تماما, ومعزولة عن العالم, وسيصبح العراق دولة مغلقة, لا صلة لها بالبحر. فالخط الحدودي بشكله الحالي المرسوم على الخرائط البحرية يقطع الممر الملاحي العراقي بالكامل, ويمتد من جنوب الأرصفة إلى الضفة العراقية الأخرى المقابلة لها, ويقترب من جزيرة (حجام), بحيث يلامس الجزء الأسفل منها, بمعنى ان مقتربات جزيرة (حجام) نفسها صارت من ضمن ممتلكات الكويت. وستصبح السفن العراقية وغير العراقية, المغادرة من ميناء أم قصر نحو البحر. داخلة في حدود المياه الإقليمية الكويتية بمجرد مغادرتها الميناء ببضعة أمتار فقط, وهذا يعني حتمية قيام السفن العراقية برفع العلم الكويتي, والاستئذان من الحكومة الكويتية عند الانتقال من أم قصر إلى الفاو, أما السفن الأجنبية الوافدة إلينا فمن المرجح ان الكويت ستسمح لها بممارسة ما يسمى بحق المرور البريء, أو حق المرور العابر. وسيحرم العراق في ضوء المرتسمات الجديدة من أي منفذ سيادي على البحر. أما إذا غادرنا ميناء أم قصر نحو البحر فسنجد إن الممر الملاحي صار, من الباب إلى المحراب, من ضمن المياه الإقليمية الكويتية. ولم تُطبيق هنا قاعدة (خط التالوك), التي تعني تنصيف الممر المائي الفاصل بين البلدين الشقيقين المتشاطئين بموجب النقاط العميقة. فقد استحوذت دولة الكويت على القناة الملاحية برمتها.
الخط الأصفر الذي خنق موانئنا
وإذا أخذنا بنظر الاعتبار أهمية خور عبد الله كممر ملاحي وحيد تتصل من خلاله موانئنا بالبحر, ونافذة يتيمة نطل منها على الخليج, وشريانا اقتصاديا استراتيجيا. فان العراق سيصبح من دونه معزولا تماما عن المسطحات البحرية العالمية.بعد أن صارت نافذته البحرية خاضعة لنفوذ وسيادة الحكومة الكويتية, وربما يتعين على السفن المحلية والأجنبية رفع العلم الكويتي, والحصول على الإذن المسبق من السلطة البحرية الكويتية بالدخول والمغادرة. وهذا ما شرعت بتطبيقه السفن الحربية الكويتية المكلفة بالاستطلاع العميق في خور عبد الله, والتي دأبت على توجيه نداءاتها الصارمة لربابنة السفن المتوجهة إلى الموانئ العراقية, وإلزامها برفع العلم الكويتي وإنزال العلم العراقي بالقوة. وبهذا سيفقد العراق سيادته على منافذه البحرية بموجب الحدود المثبتة على الخرائط الملاحية الأدميرالية.
قبل اقل من مئة عام كان ساحل الخليج برمته عراقيا وبصريا 100%
وقد توصلت شخصيا إلى هذه الاستنتاجات في ضوء قراءتي لمواقع واتجاهات الحدود الجديدة, وأتمنى أن أكون مخطأ في توقعاتي المبنية على خبرتي الفقيرة المتواضعة, آملا أن تتولى الجهات المعنية في العراق أو الكويت توضيح هذا اللبس إن وجد. فقد اختلطت علينا الخرائط والأوراق والمفاهيم والمصطلحات. ولم نعد نعرف أبعاد وملامح مسطحاتنا البحرية.