قيدها السكون فأبحرت في سفينة ذاكراتها التي عادة ما تكون ملاذاً لها في وحدتها القاسية وراحت تنبش عن ذكرى سعيدة تزيل الخاطر الغارق في الضيق والكدر فرسي فكرها إلى مرحلة الطفولة البريئة كيف كانت تلهو بحرية تكسر قيود العزلة يخطفها الوقت وهي لا تدري تلعب مع صديقاتها تجري هنا وهناك كالنحلة من زهرة لزهرة في أزقة حارتها القديمة , وبينما هي تائه في حلمها فجأة يطرق عقلها الحال الذي تعيشه فيغتال ذكراها الجميلة ويأسرها ويعود بها إلى واقعها والصورة الكئيبة التي تلازمها منذ أن غادرت منزلها الذي يضم الدفء الأسري من والدها ووالدتها وإخوانها الصغار حيث حطت رحالها في عش الزوجية الذي كانت قد رسمت في مخيلتها عنه الشيء الكثير , ولكن هاهي تعيش وحدها في قصر متخم بالفخامة والترف تحولت فيه إلى تحفة ثمينة يحيط بها الخدم والحراس من كل مكان فهم رهن إشارتها , ذات يوم اقتربت من أحد التحف التي يضمها القصر وأرادت مسح الغبار من عليها فبادرها أحد الخدم
ــ سيدتي هذا ليس عملك !!!
نظرت إليه وقالت في نفسها دعني أحس بكياني أريد أعرف أن الحياة عطاء لقد عشت على ذلك لا أريد أن أكون مثل هذه التحفة تلمع في الصباح ثم يهبط المساء فيعاود الغبار في وئد هذا اللمعان كحال أدوات التجميل التي أضعها على بشرتي , أخذت المنجاة تتفاعل في داخلها فأجهشت بالبكاء وغمست رأسها في فراشها وسلمت جسدها إلى عالم الأحلام .