وضع يده على الكتف اليمنى لابنه، عبرا مدخل الحديقة من الجهة الغربية، ربت على رأسه وهو يقول:
اسمع يا بني، ها قد أصبحت رجلاً، أتذكر يوم كنت في مثل سنك، عندما انتقلت أسرتي للاستقرار بهذا الحي، كانت هذه الحديقة مزبلة كبيرة، كنا نسميها "أم المزابل"، كانت رائحتها تهاجمنا ليل نهار، لم تكن جدتك تستطيع فتح نوافذ البيت رغم الحرارة التي كانت تجعلنا نتصبب عرقاً داخله ؛البيت الذي كان يحلو لجدك أن يسميه "قصر الكوخ"، في حين كانت عمتك تنعته بالحمام التركي..لكن بفضل مجهودات المنتخبين، ممثلي المجلس البلدي، تحولت المزبلة إلى حديقة.. لم يعترض أحد على الاقتراح الذي قدم لتحويلها إلى حديقة، بل اقترح الجميع أن يساهم و يضحي .. هذه يا بني صورة صادقة للوطنية الحقة، لم ينبس الابن بكلمة بل اكتفى بهز رأسه دلالة على الموافقة على رأي الأب، وتابعا سيرهما وهما يستمتعان بجمال الطبيعة..
انظر، يا بني، تلك العمارات الشاهقة، بل هذا الحي بأكمله، كان، عندما كنت في مثل سنك، فراغاً، اقترح ممثل المدينة في البرلمان أن تعمل الحكومة على إنشاء مكتبة ومسبح وملاعب رياضية، فتمت الموافقة على ذلك بالاجماع في أول جلسة برلمانية، و لم تمر أيام معدودات حتى بدأنا نشاهد شاحنات كبيرة تفرغ المعدات، وبدا العمل، فكانت النتيجة ما تراه الآن وتستمتع به أنت و أقرانك. جمعيات الحي و جمعيات المجتمع المدني بدورها ساهمت في هذا البناء.. فالكل يعتبر أن النهضة و التقدم مسؤولية الجميع و ليس قصراً على الحكومة.. لم يكن، يا بني، يجد الأطفال مكاناً لهم في المدارس، فالحرب العالمية دمرت كل شيء.. و لكن رغبة الجميع في محاربة القهر و الفقر و الجهل، جعلت الجميع يساهم كل حسب تخصصه و قدراته، فأنشئت المدارس و الكليات و الأحياء الجامعية، و استفدت أنت منها، و حققت ما حققت من نجاح يا بني، فحمداً لله و شكراً له...
نظر الابن إلى وجه أبيه و حذق فيه ملياً وقال : ماذا لو كنا بقينا في بلدنا أو أي بلد عربي آخر... صمت الأب صمتاً رهيباً و لم يربت على كتف ابنه....
البشير الأزمي
تطوان/ المغرب
15/12/2006