في العقيدة والتوحيد - الإمام البوطي رحمه الله
فِي خِضمِّ هَذَا الصِّراعِ الَّذِي يَشهدُهُ المُسلِمونَ اليومَ مِن جرَّاءِ بَعضِ المُتشدِّقينَ بدَعوَى الحِمايةِ عـَنِ العَقيدةِ يَطرَحونَ شُبهةً علَى عَوامِّ المُسلِمينَ نصُّهَا أنَّ التَّوحيدَ يَنقسمُ إلَى ثَلاثةِ أقسَامٍ: تَوحيدٍ و اُلوهيَّةٍ ورُبوبيَّةٍ وأسمَاءٍ وصِفاتٍ والمَطلوبُ: هلْ لهَذَا التَّقسِيمِ اعتِبارٌ مِن جِهةِ الشَّارعِ? وأنَّ مَنْ لمْ يَمشِ فِي اعتِقادِهِ علَى هَذَا التَّقسيمِ فهُوَ خَارجٌ عَنِ السُّنَّةِ والجَماعةِ? وإذا لمْ يَشهدْ لَهُ الشَّرعُ بالاعتِبارِ فَمَاهُوَ الدَّليلُ علَى ذَلكَ؟
أمَّا تَوحيدُ اللَّهِ ذَاتاً وصِفاتٍ فهُوَ كَمالُ التَّوحِيدِ ، ولَا بُدَّ أنْ يَستيقنَ العَبدُ أنَّ اللَّهَ وَاحدٌ فِي صِفاتِهِ، أيْ لَا يُشاركُهُ فِي صـِفاتِهِ أَحدٌ. أمَّا تُوحيدُ الرَّبُوبيَّةِ والأُلوهيَّةِ، ومَا يدَّعِيهِ بَعضُهُم بأنَّ المُشركينَ كَانُوا يُؤمنونَ بوَاحدَانيَّةِ اللَّهِ ربَّاً ولا يُؤمِنونَ بوَحدانيَّتِهِ إلَهاً، فلمْ يَبلغْنَا مِنَ السَّلفِ فِي القَرنِ الأوَّلِ والثَّانِي والثَّالثِ شَيءٌ مِن ذَلكَ، بلْ الَّذِي أخبرَنَا بِهِ القُرآنُ أنَّ المُشركِينَ كَانُوا يُشرِكونَ باللَّهِ ربَّاً وإلَهاً. تَأمَّلْ فِي قَولِهِ تَعَالَى { لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحيِيْ وَيُمِيْتُ رَبُّكُم ورَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ، بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلعَبُونَ } إذَنْ هُم فِي شَكٍّ مِن رُبوبيَّةِ اللَّهِ ومِن أُلُوهيَّتِهِ مَعاً ومِثلُ ذلِكَ قَولُهُ تَعَالَى {أأربَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيرٌ أَمِ اللَّهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ} .
وكَيفَ يَستقِيمُ أنَ يَكونَ المُشرِكونَ مُؤمنِينَ بوَحدَانيَّةِ اللَّهِ رَبَّاً وغَيرَ مُؤمنِينَ بوَحدَانيَّتِهِ إلَهاً، مَعْ مَا هُوَ مَعلُومٌ مِن أنَّ بَينَهُمَا تَلازُماً تـَامَّاً. مِمَّا لَا رَيبَ فِيهِ إذاً إنَّ التَّفرِيقَ بَينَ تَوحيدِ الأُلُوهيَّةِ وتَوحِيدِ الرُّبوبيَّةِ بِدعَةٌ طَارِئةٌ لَمْ يَعرفْهَا السَّلفُ رُضوانُ اللَّهِ عَليهِم.