في زمن الوحشية و الدموية تتبعثر الكلمات
فمعذرة
من المؤلم الوصول الى هذا الحد، تمسك القذافي و مواليه بمواقفهم لا يبيض ما فعله المعارضون ، بداية من ربط حرية و هوية و ثروات ليبيا بالتدخلات و الإستعمار الغربي، إذا ليبيا تحررت مما يسمى عهد الاستبداد على حساب زرع معاقل الغرب فيها، فحرية من هذا الشكل تنطق في افغانستان و العراق بالرفض و الرصاص ، تنطق بالأدوات الغربية من إمتصاص للثروات ، من تجارة مخدرات و من ...لتلويث الهوية ..هذه ضريبة السماح بالتدخلات الغربية ، ثقيلة و لو كان الدافع إزالة الاستبداد، في الأخير الوطنية حصن يحمي الوطن و السيادة ، أن أبقى على وطنيتي و على سلميتي و أطالب بحقوقي و حريتي ، أطالب بأحلامي في العدل و الدولة و المجتمع المدني، لكني لن اسمح للغرب احتلال وطني بأي شكل ، لن يخرج هذا المطلب و لو تسلط الرصاص على رأسي ، أفضل الموت شهيدا على أرض وطني الحرة على ان أحيا و قد لوثت حرية وطني بالمصالح و القيادة و الأخباث الغربية ، متى يتحقق اليوم الذي نفهم و نفهم الغرب فيه اننا لسنا قطيع بهائم يقودونه كما أرادوا، اين هو الموقف الانساني من الطريقة البشعة التي اجهزوا بها على القذافي ، من يعطي الشرعية للنيتو في قتل القذافي ، هل صارت قوانين الوحوش الضارية مقبولة الى هذا الحد ؟ مضرجا بدمائه ، لا يقوى على السير في طريقه الى الموت، يحاول التماسك و يمسح دماءه، و هم يشبعونه ضربا ليطلقوا في الاخير رصاصة على رأسه ، أين هو الموقف الانساني من هتك حرمة الميت ؟ مشوها ، في دمائه ، كشفوا عن صدره و راحوا يلتقطون الصور و يضحكون ؟ ماذا يسمي هؤلاء الذين لا حدود لهم حتى في احترام حرمة الاموات؟ صراحة لا ارى فرقا بينهم و بين الجنود الامريكيين الذين عذبوا و قتلوا العراقيين ، إذا كان القذافي موصوف بالاجرام و الدموية ، فحتى هؤلاء لا يقلون إجرامية و دموية
و نؤكد للغرب اننا فعلا همجيين ، لا نفقه الا الوحشية و الدموية ، و الاقتتال فيما بيننا ، اما المواقف الانسانية فهي غائبة عن معاجمنا، ربما يكون القذافي مستبدا و ارتكب ما ارتكب، لكن ان يواجه و هو مصاب بتلك الجروح البليغة بالضرب و الشتائم ، ان يبكي و يمسح الدماء عن وجهه ، ان ينظر اليهم و يتحدث اليهم كأنه يستعطفهم ، فيقابل ابناء بلده ذلك بالضرب و الشتم ، ثم يرمون احشاءه برصاصة و رأسه برصاصة ، هذا منظر كان سيصدمنا و لو اقترفه جنود امريكيون ، اما ان يقترفه ليبيون ينادون (الله اكبر) هذا يصدم اكثر ، ثم يكشفون عن صدره و يمضون في التقاط صور جثته الملطخة بالدم و هم يضحكون ، دون اي احترام لحرمة الميت ، ماذا ابقى هؤلاء من اخلاق انسانية او اسلامية او مسيحية او بوذية او هندوسية، ماذا ابقى هؤلاء غير صفة الوحشية و الدموية ملتصقة بهم تماما مثلما رموا بها القذافي
فيما مضى كنا نضحك كلما بدر من القذافي تلك التصرفات او الاقوال التي تميزه، لكن منذ بداية الثورة في ليبيا ، لم يعد لذلك الضحك وجود ، لان كل ما يخص ليبيا سواء ابدر من طرف القذافي و مواليه ، او من طرف المعارضة و المجلس الانتقالي ، كان مؤلما و مخيبا لأي مسعى سلمي يحقن الدم و ينقذ ليبيا، القمع من جهة و من الجهة المقابلة تمرد محمل بالسلاح و بالغرب، و الضحية التي تدمرت كانت ليبيا و الدماء التي نزفت هي دماء الشعب الليبي بأكمله، مسلسل حمّل بالمشاهد المروعة المؤلمة منذ سقوط أول الضحايا الى غاية مقتل القذافي و ابناءه، في الاخير لا شيء يفرح او يدعو الى الاحتفال و لو يدعي الليبيون ذلك، مهما إدعو الفرح فلا شيء يغطي الحقيقة المحملة بالألم ، حقيقة ان من اقتتلوا هم ابناء الوطن الواحد ، ان من ماتوا هم ابناء الوطن الواحد ، ان من اهانوا بعضهم بعضا على مرآى الغرب هم ابناء الوطن الواحد ، ان من دمرت هي ليبيا ، و ان المستفيد الوحيد هو الغرب كما كان دائما ، حفظ التاريخ ذلك عن ظهر قلب فيما نحن ننسى مع كل محنة ،
و في الاخير هناك وفقة مع شخصية القذافي ، لم يكن شخصية سوية تماما ، كان شخصية متعاظمة تعيش نوعا من الخيال و عدم الاتزان، سؤال أوجهه الى عالم الانسانية ، هل من الإنسانية التعامل معه مثل التعامل مع الاسوياء، كل من حوله، كل الليبيون يعرفون ذلك، و تحملوه و نافقوه و سايروه مدة 40 سنة ، ثم في الاخير يقتلونه بتلك الوحشية ، اكاد أجزم انه عندما قال (ان الشعب الليبي يحبني )، هو فعلا كان يعتقد ذلك في رأسه ، و يعتقد ان من يقاتله هو الارهاب ، فلما عثروا عليه داخل النفق ، تعابير وجهه لم تكن توحي بأنه ينتظر ان يقتلوه ، بل ان يرفقوا به (لأنهم في نظره ليبيون و الشعب الليبي يحبه و لن يقتله )، و لكن الرصاصة كانت اسرع من اعتقاد القذافي ، كيف يمكن وصف القنوات التي تتهكم به اليوم بعد موته ، فترصف صوره القديمة بالألبسة و الهيئات التي كان يتخذها ثم تضيف الى جانب تلك الصور صورة وجهه الميت المشوه الملطخ بالدم ، ثم تضع الى جانب تلك الصورة صورة الراحل صدام حسين رحمه الله ، و تظهر المذيعة و هي تضحك ، هل تدنت قيمة الانسان الى هذه الدرجة ؟ حتى ان موته لم تشفع بشيء من الاحترام ؟ ، هل صارت الموت أمرا لا يردع اي عبث ، كعبثهم بالحيوانات داخل الاقفاص ، اي عالم هذا الذي صرنا نعيشه ؟ اي اناس هؤلاء الذين يشغلون الفضائيات ، و يأكلون الخبز بدمائنا و حطام أوطاننا ، أي وقت هذا الذي نعيشه قلبي يتمزق
كلما اغلقت عيني اتذكر المشاهد المروعة للحظات الاخيرة للقذافي (رغم كل ما ارتكبه) ، لكن المشاهد آلمتني ، تجاوز السبعين، نصف مغمى ، نصف وجهه مغطى بالدم ، يحاول يقول شيء و هم لا يسمعون ، بل لم يقابلوا المصاب الا بالشتم و الضرب و انتهى الامر بإطلاق النار عليه، هذا المشهد المروع لن يغيب عن ذاكرتي كما لم تغب مشاهد كل القتلى و الشهداء في ملحمة او مأساة او مجزرة ليبيا ، هذه الدماء ، هذا الاقتتال ، هذا العنف ، هذه الوحشية التي يقترفها أبناء الوطن الواحد في حق بعضهم البعض ، تنذر حقا بأننا وصلنا الى حالة فقدنا فيها ليس فقط الرفق الانساني، بل حتى الرفق الذي قد يحضر بين الحيوانات بالفطرة ، و طالما نحن وصلنا الى هذا الحد فلقلوبنا ان تلبس الحداد