مــــَـــــنْ ....
من يكون سائق نفسي الى هاوية الهوى ..
من يجر عربة النسيان في عقلي إلى عتبة الترسيخ ...
من يغرس اللامبالاة بكربتي عندما أغرق يوما في معصية
من يقطف الإدراك من دماغي ...من يلطخ زجاج عيني بسواد الليل ...
من يحجب عني حلاوة الحياة الطيبة ..الحياة الطاهرة ..
من يحرمني حقيقة الوجود
من يمنع عني سعادة الايمان وريح الأمل ..أهوَ الهوى ؟...أشيطانٌ الهوى ؟؟؟؟؟
أبحث عن ذاتي في كل مكان ..أرى الناس وأرى انفسهم فيهم لكنني لا أرى نفسي ..أفتقدها ..أفتقد احساسي بوجداني ..بكل بساطة ..أفتقد ذاتي .
وأنا أسير لوحدي ..أردت ان أحس بقلبي.. لا .. بل بنبض قلبي ..لكني لم اجد له أثرا ...أردت أن امسك لجام وعـيي لكن لم أدركه ..أردت ان اتحكم بضميري ... لكنني أصلا لا أعرفه ..أي ضمير هو ؟؟؟ ..أكلام عقلي أو حديث قلبي ... لا أفهمه .
سأطلق العنان للهوى ..علي أفهم منه شيئا ....
رأيت رجلاي تسوقاني ..أبصرت نهايتي تلوح عن قريب وتأتي صوبي كالصاعقة من بعيد ..خفت قليلا ..لكنني ربضت ساكنا ..جمدت تائها ..أتلهف لموعد تلتقطه يدي مع الموت ..كي تضرب به الأرض فينشق الدرب الذي عليه سأسير ....لكن لم أنل شيئا ..فالموت راحة ولا يزال لي مع العذاب مشوار .
أين مصيري بعد كل ما مارست من هوى ..أين قراري والارادة مقيدة ...من قيدها ..قيدتها ذاتُ نفسي التي تسجنها ....أين مصيري والآمال تتلاشى في معرفتها قبل أن اموت بعد برهة ... كل حظوظي في لقاها تدوب كزبد البحر .. لكن رغبتي في معرفتها قبل ان اموت الآن تتجدد في كل ثانية ..تتألق في صدر الوجود ...يسطع بريقها من بؤبؤ العينين ..... لكن هذا النور القادم من أعماق أعماقي سرعان ما يتلاشى من جديد ...
شيء في داخلي يريد ان يـتفـتق كالزهرة المشرقة بالأنوار ...لكن غيوم الهوى لا تزال تلف أحشائي ....
ويعود الصراع النفسي المرير ... صراع الخير والشر ..صراع الشيطان والإيمان ... الزهرة السجينة في جوفي بدأت تتألق ...
أينك إيماني ...إني أستصرخ ..أفلا تسمعني ..إني لك ..أنت مني وأنا قطعة منك .... ضميري يؤنب عقلي ..وعقلي يؤنب قلبي .. وقلبي يلوم نفسه على ما اقترف من هوى ..بل من أوهام .. يلومني بعد أن أغرقني ..يلوم شؤم حياته ..يلوم حـر لظاه ..يلوم بؤس السنون يلوم يوما عرفني فيه ...هل انا السبب فيما اقترفت من اخطاء أم هو أم ؟؟؟؟؟
روحي تبحث عن جسد مزروعة فيه.. شيء عميق يدفع نفسي أن تبحث عن متاهة تتعقد فيها فيها المسالك الملتوية والدروب الشائكة .. لتتحول الحقيقة الى مستنقع تنمو عليه الورود الزائفة ...
إن كانت نفسي تتبع هواها ...فما لقلبي او عقلي أو ضميري الذي لم اعرفه بعد يؤنبني ...ما لروحي تنفر من الهوى من شذوذ الهوى ..ثم أن نفسي تهوى الهوى بجنون العاشقين لكل شيء ... لا واحدة من جوارحي ترضى الهوى ..كل ما بداخلي يغلي لملامسة الهوى ..فأي شيء يدفعني إلى الهوى ..أي شيء يضع السكين باليد فتطعن القلب والعقل والضمير معا ..الضمير الذي لم اعرفه بعد ...
من ...من ..من يقطف الادراك بدماغي ويلطخ زجاج عيني بسواد الليل ؟
أدركيني دُنيتي ... أفيقيني وأبقظيني يا أخْراي ...أدركني أيها الايمان فما بيني وبينك ليس خطوة وليس شبرا ... أنت وشاح على رقبتي ..أنت ساكن فيَ بحبل الوريد ...كائنا كان الحاجز فانت الأقوى في نفسي ..فاجعلنى أومن ان الخير هو الغلب على نفسي ..أنت لــيــْـــزرُ الصلاح في وجداني مَــزق خيوط العنكبوت -الهوى- تلك التي تعشش بجنون في زوايا قلبي ووجداني ..إنك علقم يقتل الشيطان في عقر داره ....أنت من يكبح جماح العواطف الزائدة والأفكار الزائغة عن صواب الحياة جادة الصواب .
أنا أعلم ...أدرك الخطر ..ولا ادرك منجايْ منه ...أراني كمن يدرك ان الشيطان شيطان ولا يهرب منه ..يكتم انفاسه ويغمض عينيه ..ويتاقلم مع هواه ..فإن فتحهما وجد نفسه يتخبط متكيفا مع النشوة العابرة...تلك التي تطوف به ثم تهوي تائهة في مهب الريح ..حينها يفقد العقل ذاكرته ..ينسى ماضيه وحاضره ولا يفكر البتة في مستقبله .. لا يدرك من كيانه سوى اسمه وشكله ..ينسى كلية باطنه .. لا يسمع احشاء روحه وهي تستغيث :
ويل لصاحب جسدي ..ما يفعل بي ..أتراه يرميني في جحيم النار ولا يبالي .. ترسل إشارة خاطفة تصل في سنين المعصية ..تتماشى مع أيام الضعف والضلال ..تجر أذيال الخيبة والوهن ..لتستقر بعد كل الياس عند دار الحكمة في بيت الانسان ..تسعى إلى تنبيه ضميره وعقله وقلبه بوخزة خفيٌ مفعولها ..لا تدرك المسكينة -تلك الروح المنهكة- أنه بطريقها متربص عاص ..آثم وعنيد ..إسمه الشيطان ..وشكله الشيطان..وفعله شيطان ...يسكن ذاتي ..وكلما سكن ذاتي ..صرت لا أعرفها وأظل اظل أفتش عنها كما السكير .
إستفيقي جوارحي ..حاربي السم بداخلك ..أنبذي هوى الشيطان ..وكلامه المعسول في كل دمي .. جاهدي الضعف في قلبك وروحك ..وقولي ما الشهوة إلا زائلة وما الهوى إلا بعذاب ...وانتقلي إلى بارئك فهو وليك ومولاك ...إليه المشتكى وإليه المصير .
كابري رغم مقاومته السحرية وصابري ..انتفضي على هذا الجسم السقيم بالهوى ..كوني الانقلاب الثائر ..كوني البركان الفائر ..أرجعيني إلى وعيي ..أنصريني على هواي ..
وفـــجـــأة .................................. أستفيق.....
فلا أجد أثرا لما كنت قبل قليل لا أفهمه ... السواد في عيني زال لكنني مشلول بعد ...عيناي مسهمتان كالوتد الفولاذي جامدتين ...
الروح تسري فيهما بهدوء شديد ..رأيت في عمقي غريقا في دنياه يبحث عن منجاه ..وحيدا كالشارد لا يدري أين اومن اين المفر من هوى نفسي التي هجرتْــهُ ..برودة أوصالي خذلته ..فاحتقن بالسل الروحي فخاف ان يموت في جوفي ..فقرر الفرار الى جسد ضعيف جديد ..
أحس بالحياة بعدما تغلبت عليه ..أحس بالقلب والعقل والروح والضمير تتسارع أنفاسهما لبعث الروح بنفس جديد ..تتكاتف لكهربة أعصابي التي خارت قواها أثناء الصراع الطويل ..فتتفجر الحياة داخلها ..وينبعث دفق غزير من النور الإلهي من عمق اعماقي فيشع الجسد كله ...
إنها نصرة الله لعبده الذي فتش عن ذاته المسلوبة ...إنها نصرة الايمان لأنسان أحتلت أراضيه فصارت كل جوارحه مغلوبة ..إنها يقظة العقل وفطنة الضمير اللذان صرت أعرفهما اكثر من نفسي المرتابة ...إنها ضخة متدفقة من دم داخل قلب جعل الشيطان يذوب ويلتهب ...
أنا آدميٌ...غلبت نفسي دهرا وعادت الى صوابها ...خنقت أمر نفس امارة بالسوء فغلب إيمانها شر الهوى فيها...
------------------------ سليم مكي سليم بعد رحلة البحث الشاق