ما أعظم أن يأتي المرء يوم القيامة بشيء ينجيه من حر جهنم ، وما أبشع أن يأتي الكافر مستنجداً بسيئاته لتنقذه من الجنة ، كم ذا مؤثر هذا الموقف ! يا لها من حادثة ربما إذا وقعت في الدنيا لكان كل الناس يعيشون بسلام .......
إنه اليوم الذي انتظره بنو آدم ليأخذ لكل ذي حق حقه و يطرح في النار آكل الحقوق ، كم تخيلنا جهنم تلك النار العظيمة لكن مهما تخيلنا حجمها فهي أكبر كما أننا مهما تخيلنا عظم الجنة لن نتخيل مدى العمل للوصول إليها ، في ذلك اليوم تأتي جهنم تنادي سكانها ويأتي خازن النار مالك يدعو أهلها للنزول فيها والخلود يدعوهم لهدية الرحمن " هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون " ولا مفر في ذلك اليوم من النار إلا إلى النار .
أما ما كان لأهل الجنة فهو الرضوان والرحمة والهدية الحقيقية إنها الجنة تفوح منها رائحة العطر لتحملهم إلى داخلها تتضارب أذهانهم أهذا ما وعدنا به ، فيرد عليهم : نعم هذا ما وعدتم فانعموا في نعيم الجنة " لا يسمعون فيها لغواً إلا سلاماً ولهم رزقها فيها بكرة و عشيا " يبقون فيها إلى نهاية الخلود ، وهل للخلود نهاية ؟!
إنه لمن العمل الصالح أن يبتكر المسلم طريقة يرضي بها المولى – عز وجل – وهذه الطريقة هي السبيل الذي غايته الجنة والطريق الذي نهايته الفلاح ، منذ بداية عهد إبراهيم – عليه السلام – دعانا المولى للحضور إلى بيته وتعظيم شأنه وعبادته حق العبادة ، ثم انتقلت الدعوة إلى عهد موسى فجاء إلى فرعون و نادى " أن أرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك " ، ولكن ما كان من فرعون علمه الأجيال التي قدمت لتعظم حضارة الفراعنة التي لو قيست إلى الحضارات الأخرى لكانت مجرد عبودية .
ولم تقف دعوة المولى عند عهد موسى بل انتقلت إلى عهد عيسى الذي لم يكن من الحواريين إلا أن اتبعوا أمره إلا من ضل وشقي ، وهاهي دعوته – تعالى – تأتي لعصر خير البشر ومصباح الأنام لتبشره بمصير أمته وهو رياض الجنات وما لبثت أن وصلت إلينا لنلبي ذلك بالطاعات والعبادات ولنحفظ حق الله تعالى في عبادته وطاعته ولزوم أوامره وكثرة مخافته .
بقيت هذه المراحل تدل على قدرة المولى ، ونحن كمسلمين آمنا بالله رباً وبرسوله نبياً و بالإسلام دينا وجب أن نحتم على أنفسنا الإيمان باليوم الآخر الذي ما أخبر عنه أحد من الرسل الكرام والصحابة العظام والتابعين الجياد إلا وكذب شر تكذيب ، و رجم شر رجم ، فما كان منهم إلا أن استمروا في دعوتهم لليوم الآخر وأهواله ونتائجه الوخيمة لمن لم يخف مقام ربه ولم ينه نفسه عن ما أمرت بتركه ، فيطلق في جهنم يسرح ويمرح إلى أن يأتي أمر الله بالغفران وحرم ذلك على المشركين .
يوم القيامة يترك لنا نفساً خائفة طوال الليل ، مرتعدة طوال النهار ، مؤرقة كل الأيام ، يترك لنا أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر ، يترك لنا أمراً بالدعاء على الكافرين المغتصبين لديار المسلمين ، لذلك كان لزاماً علينا أن نخاف هذا اليوم الذي كلما فكر به المؤمن ابتسم قلبه لأنه متعلق بشجرة الإيمان التي لن تسقط ثمارها في أي فصل من فصول السنة ، هذه هي القيامة ! من لا يعرفها فقد جهل الدنيا وما فيها ، ومن عرفها فقد عاش في رغد العيش ، يتنعم بنعيم الدنيا ونعيم الآخرة ، ليترك المجال أمام ربه للرضا عنه وتوسيع مدخله من الجنة " تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا " .
تلك رسالة القيامة التي توجب علينا أن نرسلها في كل بريد رباني إلى كل ملحد جبار وكل مغتصب لديار المسلمين بغير حق .