جاري صاحب المواشي خليل النمري و"السير"غلوب باشا!! حقائق تكتب لأول مرة !!بقلم: د.ماجد توهان الزبيدي
جاري خليل النمري وجمله المسروق وضابط الاستخبارات البريطاني |
أما جاري المرحوم خليل نعمة السلطي النمري،فله مني عظيم التقدير ،ثم الإعتذار لربطي إسمه الشريف مع إسم ضابط الإستخبارات الإنجليزي /الإيرلندي غلوب أو "أبو حنيك" الذي خلف المقبور"لورنس" العميل الأكبر والأول للإستعمار البريطاني لأرض العرب!ذلك أن ضرورات الكتابة والتاريخ تفترض ذلك ليس إلأّ!ولد جاري المرحوم خليل النمري عام 1896م في بلدة الحصن جنوب مدينة إربد،وكان وحيدا لإسرته بعد وفاة شقيقه "شتيوي"،وتزوج في السادسة عشرة من عمره من المرحومة "نزيلة سليم العبده النمري"وانجبت له ثماني أولاد :أربعة من الذكور ومثلهم من الآناث،منهم:سليمان،الدكتور سليم الذي درس لأكثر من ربع قرن في مدرسة اللغات في "مونتريه"ويقيم حاليا في كاليفورنيا،وإبراهيم ،والأصغر صديقي "بسام أبو عماد" من مواليد 24تشرين الأول /اكتوبر 1938م.كان المرحوم جاري خليل يعشق الأرض وترابها والمواشي إلى حدود مذهلة ،كانه عرف بفطرته قبل منظري النظم والحكومات بعقود طويلة أن الإنتماء للوطن ،أي وطن، يتجلى من خلال تقبيل ثراه على مدار الساعة!فأشترى بين عامي 1944 و1945،جرار، "تراكتور" زراعي ،لونه أحمر ،جنزير،بالإشتراك مع المرحوم شيخ عائلة الرشدان وأثراهم ،آنذاك،"دحيدل الرشدان"،كان الأول الذي تطال عجلاته أرض لواء بني عبيد!بقيمة أربعة آلاف جنيه فلسطيني(كل 89 في المئة من الجنيه تعادل قيمة ليرة ذهب)ولأن المرحوم جاري خليل النمري كان من أهل البناء والتعمير بفطرته ،فقد بنى بيتا جميلا من الحجر الأبيض ،مايزال للآن يحوي بعض أولاده ،كان البيت الأول الذي يبنى شرقي سوق الحصن!وذلك عام 1928م وهو العام الذي يحتفل به العرب الأردنيون بإعتبارة شهد إنعقاد المؤتمر الشعبي الأردني الأول من كل أرجاء الوطن ضد التدخلات السياسية والتشريعية التي فرضها الإستعمار البريطاني على إمارة شرق الأردن المولودة حديثا آنذاك،وهو مؤتمر يشكل الفصل الأول والأساسي في سفر الوطنية والمقاومة الأردنية الباسلة للغزاة على الرغم من تشكيك كثير من كتبة التاريخ المأجورين في أسفارهم الصفراء بتراث مقاومة هذا الشعب العربي الأبي!ولشدة حب المرحوم الجارف للأرض والنماء والخير زرع مساحات شاسعة من "موارس"(جمع مارس وهو لفط أظنه غير عربي يعني مساحة شاسعة من الأرض)،القمح والشعير والكرسنة لطعامه وأهله ومواشيه التي كانت بالعشرات ،وحفر و"شيد"خمسة آبار عميقة لجمع الماء ،مُدركا بحسه الوطني وببصره ووعيه الثاقبين أن الإستقلال الحقيقي للأفراد كما للأوطان لايكون إلا بإنتاج الطعام والماء! وإلا فأنظر يارعاك الله كيف بات كثير من اقطارنا العربية عار تماما من الإستقلال الحقيقي بفعل التعود على الكسل وهجران الأرض وعشق المكاتب وسيطرة عادة الإستجداء على حكوماتنا العربية وسياسيينا إلى درجة باتت معها كل مقدراتنا المادية والمعنوية معا رهينة الغزاة والأجانب! فتدبر يارعاك الله وأدع لجاري بالرحمة والغفران ،ثم إدعُ ان يكثر المولى من أمثاله بعدد مُرتادي المقاهي ومدمني التنباك والشيشة والأرجيلة من الذكور والآناث!عندما أكمل جاري المرحوم خليل البئر الخامسة حفرا وتشيدا،نزل يتفقده من الداخل فرحا، في وقت كانت عائلات القرى والخرب العربية واجزاء واسعة من مدن العرب تعيش على نقل ماء الشفة والغسيل معا ،من البركة الوحيدة للقرية أو للمنطقة او من آبار قليلة ومتفرقة،قريبة ونائيه معا، تارة على ظهور الدواب واخرى على رؤوس النساء!(ألا ترى معي كم ناضلت المرأة العربية في وطننا حتى الستينيات من القرن الماضي)!وقبل أن تطأ قدما المرحوم أرض البئر ،تفتق الحبل الذي يسنده وإنقطع ،فتفتقت إمعائه، وسقط جسده الطاهر على ارضية البئر القاسية، فلزم الفراش حولا ثم ودع دنيانا الفانية،شابا لم يكمل نصف قرن من الزمن،تقضيها حكومات ومؤسسات عربية وافراد عرب في سرد حكاية فارغة واحدة لم يزل لها بقية في حين ترفع حكومة الصين (الشيوعية!)في عشرين عام اربعمائة مواطن صيني من خط الفقر إلى خط الإكتفاء فالإنتاج!فتدبر ثانية يارعاك الله وقارن لعلك تشبع لقمة الخبز الحاف ، في زمن الفساد والفاسدين والالف حرامي و"شفط" أموال البسطاء والفقراء والأيتام والعزاب والعوانس ! لم تسمح ظروف غالبية العرب الأردنيين والفلسطينيين وخاصة الشباب منهم بمواصلة الدراسة الإبتدائية الكاملة،في ضوء سياسة بريطانيا المُستعمرة للشعبين والبلدين في إفقار الناس وتحويلهم لرعاة وعمال كي لايؤدي وعيهم إلى إفشال هدف الإنجليز في تهويد فلسطين وطرد قوى وازلام المستعمرين الأنجليز ،إلأ أن ذلك لم يمنع صاحب المواشي وحافر الابار وزارع الحنطة الكبير الشهيد خليل النمري من الكتابة بخط عربي جميل ،أين منه من يدعى مهنة" الخطاطة" هذه الأيام في مدن العرب!وهو صاحب مذكرات بسيطة متخصصة بزارعة الأرض وحراثتها وسقي مواشيه ،من مثل:"اليوم 3/3/1939م حضر سليمان من المفرق لعند الراعي من شرق إيدون"و"اليوم 5/3/1939م كان كله شتاء"و"اليوم 6/4/1939م ذهبنا إلى إربد لبيع خرفان وكانت ترعد وامطرت علينا بإربد مطرا شديدا وبقيت طول الليل تشتي"و"هذا اليوم 8/5/1939م حصدنا عدس بابو نصر ...اليوم وردت الغنم على بير الكفارات"و"اليوم 13/5/1939م رجدنا كرسنة من شمشان"و"اليوم 8/6/1939م خلصنا حصيدة من قطعة عامر 42 حمل"و"اليوم 19/7/1939م بيان الحنطة ضمن شوالات:81 من الكفيرات 13من الكفيرات 56 من قطعة عامر"!كان المرحوم يكتب مثل تلك الكتابات الهامة وغيرها على مفكرتين في حجم أقل من حجم علبة الدخان المعاصرة،وهي كتابات يصلح كثير منها لمعرفة أسعار سلع عديدة في تلك الفترة ، ومؤشر صادق لمستوى حياة المواطنين الاجتماعيه والاقتصاديه .الأمر الآخر الذي ينبغي الإشارة إليه في سرد جزء من سيرة مواطن عربي عادي في ضوء التركيز على سير الأغنياء والزعماء في دنيا الكتابة العربية ÷هو كرم ومروءة جاري صاحب المواشي وحافر الآبار ،إذ كثيرا مايؤلم من الولائم لربعه ولمعارفه من الخورة والشيوخ والجيران دون تفرقة بين أصدقائه من العرب المسلمين والمسيحيين ،من امثال :عودة الله الخوري ، الخوري راجي الجوينات ، الخوري ناجي الجوينات ، توفيق سليمان ايوب (عميد الأيوب ) ، دحيدل الرشدان ، ابراهيم الناصر العبود العباسي ( عميد العباسي ، عاش 106 سنوات ) ذيب وذياب الطعمه الأيوب ، بركات الرشدان ، زاهي العلي الرشدان ، يوسف العلي الرشدان ، موسى العوض الحتامله ، سليم ابو الشعر ، صالح رزق الله ، يوسف الفارس العبيدالله النمري وذيب الصالح الرزوق وغيرهم الكثير .....، إذ كان رحمه الله رجل وحدة وطنية وقومية لايفرق بين فسيفساء المواطنين العرقية والدينية والمذهبية ،بل انه لايعترف بمثل تلك المسميات التي حشرها في عقول الدكاترة والسياسيين والطلبة العرب هذه الأيام إعلام الغزاة وأتباعهم من العملاء ممن يجيدون "الضاد"للأسف الشديد!فهل كنت يارعاك الله تسمع قبل إحتلال عاصمة العرب بغداد بمثل ماتسمع به حاليا من مصطلحات ومسميات طائفية ومذهبية والأمر نفسه عن مكونات الشعب العربي المصري ؟ كان رحمه الله يذبح في كل وليمة ين مثنى وثلاث ورباع من خرافه السمينة ،وكأنه يطبق الآية القرانية الكريمة:"وأما بنعمة ربك فحدث"!وكان يخزن السمن البلدي في جرار الماء الفخارية حتى فمها!ويطعم راعيه وجيرانه قبل أهل بيته ونفسه ، وينشر على مساحة كل سطوح بيته الجميد والكشك من لبن مواشيه ، ومن صناعة اهل بيته!!!وألأهم من كل ذلك أن المرحوم لم يكن مثل عشرات الملايين من عرب اليوم من الكبار والصغار على حد سواء،من الذين يثرثرون أكثر مما يستمعون وينامون أكثر مما يعملون ويأكلون أضعاف مضاعفة مما ينتجون، وكأنهم في مباراة محمومة للفوز ببطولة من يخرج فضلات اكثر !!!!!!! وإذا تكلموا طيلة النهار وأطراف الليل لاتجد في كل كلامهم جملة واحده ، مفيدة لها إعرابها وبيانها ومعناها! ولم يعرف الحسد والنميمة مثلهم لسبب بسيط جدا هو أن وقته كل وقته لزوجه وعياله ومواشيه وحنطته وآباره!ولعل مادفعني للكتابة المتواضعة عن رجل عربي عادي في شخصه ،كبير وعظيم في إنتاجه وتراثه وسيرته(هو :حفره وأنتاجه خمسة آبار !فكم بئرا أنتجت حكومات عربية عديدة لمواطنيها الظمآنين؟ )،ذلك ان ما دفعني لذلك جملة واحدة وجدتها مكتوبة بخطه بتاريخ 24\10\1939م، ونصها:"ذهبتُ لعمان كي أشتكي على "رحيل"عند الزعيم كلوب باشا"!وقصة ذلك أن المرحوم(خليل طبعا وليس المقبور كلوب!)كان قد إشترى جملين يستخدمهما في نقل متاعه لأغراض التنقل من منطقة لأخرى في ترحاله المستمر مع أغنامه وزراعته في مناطق عديد على إمتداد لواء بني عبيد ،إلى أن حدثت قصة سرقة أحد الجملين فقضى الرجل شهورا يبحث في ارض السويداء بجبل العرب بسوريا ونواحي المفرق وأطراف عجلون من دون أن يهتدي على ضالته،إلى أن تأكد أن رجلا في إحدى بلدات المفرق يدعى "إرحيل"يقتني جمله!لكن ضآلتي أنا غير ضآلة خليل النمري ،فضالتي بأي حق واي دستور أو شرعة يملك ضابط الإستخبارات الإنجليزي حقوق الفصل بين نزاعات ودعاوي المواطنين العرب؟ومن الذي خوله أن "يلف"على شيوخ القرى الأردنية الحدودية ويحذرهم من مساندة الثوار العرب من أشقاء الأردنيين على الضفة اخرى لنهرنا لخالد:الأردن؟ ولماذا وضعت جامعة الدول العربية عام 1948م الرجل الإنجليزي قائدا للجيوش العربية فكانت النتيجة أنه كان يأخذ مفاتيح البيوت الفلسطينية من أصحابها بدعوى أنها مناطق عسكرية ومن اجل المحافظة عليها ثم يعطيها للمستعمرين اليهود؟وماهي المهمة الرئيسة للرجل في المنطقة بعد أن نجح في هدفه في تحييد بدو العراق عن مهاجمة خط النفط العربي من كركوك إلى حيفا خدمة للعسكرية البريطانية في الحرب العالمية الثانية وتأسيسا للمشروع الصهيوني في فلسطين؟ثم السؤال الأكبر :ألم يكن في دنيا العرب من رجل واحد عاقل او جريء او وطني ينبه للدور الرئيس لقائد الجيوش العربية الغريب:ألا وهو تنفيذ وعد بلفور تنفيذا أمينا على الأرض؟وبالتالي إعطاء 78 في المئة من فلسطين للصهاينة اليهود؟ولماذا كان الجنرال غلوب يُقصي كل ضابط عربي شريف في قتاله للصهاينة؟إسمع المقتطفات التالية مما قاله الضابط العسكري الأبرز في دنيا العرب :القائد الفذ المرحوم مشهور حديثه الجازي،في مقابلته في برنامج "شاهد على العصر"بفضائية "الجزيرة":"مشهور حديثه الجازي: تعلم إن الإنجليز دهاة سياسة، وهم طبخوا المنطقة، وضبطوا المنطقة، ويعرفوا ما هو المقبول وغير المقبول، كان المقبول أن يطاطوا رؤوسهم آنذاك، ولكن القرار بالنهاية للقيادة بالميدان، عندما جلوب كان جلوب هو القائد، وقادة الألوية قادة إنجليز، القرار بالتالي بيدهم، القرار الإنجليزي راح ينفذوه، واللي هو لصالح إسرائيل، وهذا اللي تم فعلاً بهذه الحرب، ومع كل آسف دخلنا بهذه الروح، إن إحنا مقاتلين، ولكن بقينا أسابيع ونحن لم ندخل حرب مع اليهود، لم نر اليهودمشهور حديثه الجازي: لأ معلش آنذاك الوعي قليل.. نحن نرى إنسان يتكلم اللغة العربية معنا، يأكل معنا، يشرب معنا، ينام معانا، لا يشرب الخمور أمامنا هذا إنسان كأنه عربي، وجلوب لم أراه بحياتي وأنا أعرفه من وأنا خمس سنين لم أراه يشرب كأس.مشهور حديثه الجازي [مستأنفاً]: من جلوب من جلوب من هو جلوب؟ كنا نعتقد إن جلوب أهم من الملك، أهم من النظام، تعلمت إن جلوب ما هو إلا عميل بريطاني، يخدم السياسة البريطانية في الشرق، هذا أول شيء تعلمته، تعلمت الشيء الثاني: أنه إحنا مسلوبين الحرية والقرار السياسي والعسكري من قبل إناس لا علاقة لنا بهم"(إنتهى الإقتباس)