السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أختنا الفاضلة بنت الشهباء
ظننت الموضوع استفسارا و لم أظنّ أنه تقرير
ومن هذا المنطلق كان ردي ..
ومع أنك جزمت فيما كان في أول الموضوع استفسارا
إلا أني ما زلت مصرا على ما قدمته في ردي الأول:
أنا لا تهمني التعريفات الواردة في المتون كثيرا لأني أعتمد
على كلام العرب الأوائل أي ممَّن يُحتجُّ بعربيتهم
والشعر ديوان العرب وفي موضوعنا الشواهد كثيرة جدا
لكنني سأكتفي ببيت واحد هو قول قيس بن الملوح:
إِذا ما تَمَنّى الناسُ رَوحاً وَراحَةً**تَمَنَّيتُ أَنْ أَلقاكِ يا لَيْلَ خالِيا
برأيك -أستاذتي الكريمة- هل تمنِّي الرَّوْحِ والراحة أمرٌ
مستحيل ومتعذر الحصول ؟؟
وهل تمنِّي الشاعر لقاءَ ليلى خاليا أمر مستحيل ؟؟
قد يكون الثاني صعب المنال لكنه ليس مستحيلا،
أما الأول فهو أمر غير مستبعد بالمرة فبين غمضة عين واستفاقتها
يغير الله من حال إلى حال.
وإن لم يرق لكم الاستشهاد بكلام العرب
وتريدون الاعتماد فقط على كتاب الله وحديث رسوله
صلى الله عليه وسلم فلكم ذلك...
ولْنعُدْ للآيات -التي تفضلت بها وقد كفيتني مشكورة عناء البحث
بنقلك للتفسير- لأقول إنّ لها أسباب نزول وهذه الآية بالذات
{ وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ }
نزلت لما طلبت النساء أن يكون لهم مثل أجر الشهداء
أي أن الله ينهاهن كما ينهى الرجال أيضا عن هذا الأمر خاصة
لأن الله خلقهم بحكمته و عدله ولأن ذلك التمني يدخل
المرء في باب الحسد من جهة وهو خطير لأنه يأكل الحسنات
كما تأكل النار الحطب ويدخلهم من جهة أخرى في باب الشك
في عدل الله -والعياذ بالله- وهو أخطر وأدهى.
لاحظي -أختي الفاضلة- أنّ الآية تقول "لا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم
على بعض" و لم تقل "لا تتمنوا" على الإطلاق.
والله أعلم بخلقه فكيف ينهاهم بالإطلاق عما لا يستطيعون اجتنابه
و هو التمني وللنفس البشرية فيه شؤون لا يستطيع الإنسان مهما
بلغ من تقوى وورع أن يجتنبها..
إذن فالنهي مقصور على ما أسلفت وليس نهيا عاما عن التمني..
وأحيلك رجاءً لا أمرا على قوله تعالى:
"قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ
دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ
قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ
ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ"
كيف يدعوهم الله لتمنّي الموت لو كان ذلك مما يتعذر حصوله ؟؟
هل الموت مستبعد أو مستحيل الحصول ؟؟
ثم أحيلك على قوله صلى الله عليه و سلم :
"لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به إما محسنًا فلعله أن يزداد،
وإما مسيئًا فلعله أن يستعتب"
وعليه فالتمني هو تشهي حصول الشيء المرغوب سواء كان ممكنا
أو مستحيلا..
وهو بمعنى الدعاء أيضا لقوله صلى الله عليه وسلم:
إذا تمنى أحدكم فليكثر فإنما يسأل ربه
هذا والله أعلم
والله وليّ التوفيق